(جريدة الأخبار اللبنانية)
سنة ثقيلة من «الحبس المنزلي» مرّت على كبار السنّ، فقدوا خلالها كل ما «يملكونه» في معركتهم مع الوقت الطويل. لم تعد رائحة الأولاد تعبق في منازلهم، ولا صراخ الأحفاد يملأها. وحده الصمت رفيقهم الثقيل. ارتياد «القهاوي» في زمن «كورونا» لم يعد متاحاً، و«دق الطاولة» لا «يمشي» بلاعب واحد، وهم الذين لم يتآلفوا أصلاً مع وسائل التواصل الاجتماعي ومع التكنولوجيا الحديثة بما يسمح لهم بتزجية الوقت. هكذا «أعلن كبار السن الحداد على نظام حياتهم السابق، واستسلموا للاكتئاب والقلق الشديد»، بحسب الطبيب النفسي حسن برجي.
في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2020، سجل كبار السن (فوق الـ 65 عاماً) أعلى نسبة اتصالات على «خط الحياة» (1564) في منظمة «ايمبرايس ليبانون» (منظمة غير ربحية تقدم استشارات نفسية مجانية)، وشكوا من ضغوط نفسية يمرّون بها تدفع ببعضهم إلى حد التفكير بالانتحار. حياة نور الدين (79 عاماً) كانت تقضي وقتها في التنقل بين منازل أولادها. اليوم، مُنعت من «الطلعة والفوتة» حتى لا تلتقط العدوى، فبدأت رحلة «الاكتئاب الشديد بسبب الفراغ الذي تعيشه».
يجزم برجي بأن «معاناة المسنّين هي نتيجة تغيّر نمط حياتهم بالكامل، بالتزامن مع وصول وباء كورونا». إذ يعاني كبار السن، عادة، الاكتئاب والألزهايمر. المفارقة اليوم هي تضاعف الاكتئاب والقلق والتوتر ضمن هذه الفئة العمرية، «وهذه ظاهرة جديدة»، بالنسبة إلى برجي، سببها «المبالغة في تطبيق سبل الوقاية من فيروس كورونا». فإلى جانب عزلتهم الاجتماعية ووحدتهم، يعيش كثير من المسنّين اليوم هاجس الإصابة بالفيروس. وهم يسمعون على كل لسان بأن «كورونا يحصد الكبار». وهم، في الحالات الطبيعية، «يشعرون بأن العدّ العكسي لحياتهم قد بدأ. فكيف الحال اليوم والجميع من حولهم يخوّفهم من خطر الوفاة بالوباء؟». لذلك، «تزداد أفكارهم الاكتئابية. ويصلون إلى مرحلة اليأس حيث لا ينتظرون إلا الموت». وفي الآونة الأخيرة، ازدادت مخاوف كثيرين عندما بلغت المستشفيات قدرتها الاستيعابية القصوى. هنا، عادت إلى ذاكرة كثيرين مشاهد المفاضلة بين المرضى في النموذج الإيطالي. وشعروا بأنه «قريباً سيأتي من يسحب عنهم أجهزة التنفس ويوقف حياتهم»، على ما يقول أحد المسنّين.
كبار السنّ هم الأكثر عرضة للتأثّر نفسيّاً وصحيّاً بالعزلة الاجتماعية والوحدة
صحيح أن كل الفئات العمرية معرّضة للآثار السيئة للعزلة الاجتماعية والوحدة، لكنّ كبار السن هم الأكثر عرضة للتأثر بهذه الظروف، بحسب تقرير صدر حديثاً عن الأكاديمية الوطنية للعلوم الأميركية. فهؤلاء، وخصوصاً في الغرب، يفتقدون الأجواء الأسرية، ويفتقرون إلى الأصدقاء، فضلاً عن إصابتهم بأمراض مزمنة وإعاقات حسيّة تعوّق التفاعل مع الآخرين، كفقدان السمع أو البصر، علماً بأن الاضطرابات النفسية التي تتراوح بين القلق والاكتئاب وبين الخرف وإيذاء النفس والرغبة في الانتحار تزيد خطر الوفاة بفيروس «كورونا» بنسبة 42%، وفق دراسة أجراها باحثون في جامعة ييل الأميركية.