(جريدة الأخبار اللبنانية)
بحجة الحصول على موارد مالية جديدة، تتجه نقابة الأطباء في بيروت إلى فرض رسم شهري على كل اتصال يُجريه أي مريض مع طبيبه. تبرّر النقابة الرسم بالأوضاع الاقتصادية السيئة للأطباء، فيما يُثير الكثير من الأطباء تساؤلات حول آلية التلزيم من دون مناقصة، ويرفضون المسّ بخصوصياتهم، مشيرين إلى أولويات لحل الأزمة المالية في النقابة، عبر وقف الهدر ومعالجة الملفات المالية المشبوهة
في 12 كانون الثاني الماضي، وافق مجلس نقابة الأطباء في بيروت، بالإجماع، على مشروع «خدمة الاتصال المدفوع» (callmed) بالأطباء المُنتسبين إلى النقابة، وتلزيمه لشركة Arbooster التي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال أيمن جمعة. ووفق ما ورد في محضر اللجنة الإدارية (1/2021)، تم تحديد بدل الخدمة للمُتصلين من خارج لبنان بدولار أميركي للدقيقة الواحدة، فيما يُفرض على المُقيمين في لبنان اشتراك شهري بقيمة 7500 ليرة (الاقتراح الأساسي كان يقضي بفرض خمسين ألف ليرة شهرياً!).
حتى الآن، لم تُعلن النقابة موعد بدء تنفيذ المشروع الذي يواجه تحفّظ بعض أعضاء مجلس النقابة (تغريد حاج علي، جورج روحانا وحسين الخنسا) عن توقيت القرار في ظلّ الظروف الصحية والاقتصادية الحالية، ومعارصة قسم كبير من الأطباء لأسباب عدة، أبرزها «تفرّد مجلس النقابة في اتخاذ القرار والاكتفاء بتصويت مجلس النقابة من دون الرجوع إلى الجمعية العمومية، خصوصاً أن إلزامية القرار تُعدّ مسّاً بخصوصية الطبيب الذي لم يؤخذ رأيه»، بحسب أحد الأطباء المعترضين على المشروع.
المُفارقة أن مسودة القرار نصّت في بندها الثاني على «إلزامية الخدمة»، بمعنى أن تشمل أرقام هواتف كل الأطباء المُنتسبين إلى النقابة، فيما نصّت في الوقت نفسه على ضرورة إرسال رسالة إلى الأطباء «لإعلامهم عن الخدمة، ومن لا يرغب بها لا نعطي رقمه للشركة»، وفي ذلك التباس واضح يستوجب التوضيح.
عضو مجلس النقابة مروان الزعبي أوضح لـ«الأخبار» أن الإلزامية تعني أن على كل طبيب إنزال التطبيق ليتم إدراج رقم هاتفه، «لكنه يستطيع أن لا يفعّل الخدمة ويبقي على مجانية الاتصال»واعتبر أن إثارة القضية «جزء من التجاذبات السياسية» التي يثيرها بعض الأطباء، لأن النقابة «سبق أن أوضحت هذا الأمر».
إلا أن معلومات «الأخبار» تُفيد بأن الشركة الملتزمة اشترطت ألّا تقل نسبة المشتركين في الخدمة عن 70% من الأطباء لضمان حصولها على هامش مربح لها، فيما يؤكد أطباء معارضون أن Arbooster طلبت إلزام كل الأطباء بالخدمة.
واستندت التقديرات الأولية إلى اعتبار أن معدل المرضى الذين يتواصلون مع طبيبهم شهرياً يصل إلى نحو عشرين شخصاً. ومع احتساب عدد الأطباء المنتسبين إلى النقابة والبالغ نحو 12 ألفاً و500 طبيب، فإن نحو مليار و875 مليون ليرة ستجبيها النقابة من الاتصالات المدفوعة داخلياً فقط، عدا عن كلفة الدولار على كل دقيقة اتصال يجريها المريض المقيم في الخارج، ناهيك عن أن الـ7500 ليرة «ستشمل أقارب الطبيب وأصدقاءه وكل من يتواصل معه»، بحسب المعارضين. وبحسب الاتفاق، فإن النقابة ستحصل على 50% من العائدات، تذهب 20% منها إلى صندوق النقابة و80% إلى الأطباء. وتكون الـ50% المتبقية من نصيب شركة arbooster التي تتكفّل بدفع حصة شركات الاتصالات.
وكانت نقابة المُحامين سبقت نقابة الأطباء في بيروت إلى اعتماد ما عرف بخدمة الـ Cash In، بموجب اتفاقية عقدت عام 2015 بينها وبين الشركة نفسها. «إلا أنّ وضع الأطباء مختلف، ولا يمكن مقارنة الخدمات الاستشارية التي يُقدّمها المحامي بتلك التي يقدمها الطبيب»، وفق مصادر طبية مطّلعة على الملف، مُشيرةً إلى أن القرار من شأنه أن يُشجع على تقديم العلاجات على الهاتف، «نتيجة شعور المريض المتصل الذي يدفع ثمن اتصاله بحقه في الحصول على العلاج المطلوب. وهذا أمر في غاية الخطورة».
وثمة جانب آخر يثيره المعترضون على المشروع يرتبط بعدم لجوء مجلس النقابة إلى إعداد مناقصة أو استدراج عروض. وتنقل المصادر أن آلية اعتماد الشركة اقتصرت على سؤال النقيب شرف أبو شرف ممثل الشركة عما إذا كانت في لبنان شركة منافسة تقدم الخدمة نفسها، فأجابه الأخير بالنفي، الأمر الذي حال تلقائياً إلى تكليف شركة Arbooster تنفيذ المشروع.
الزعبي أكّد أن المشروع «يعود إلى عشر سنوات مضت»، وقد بحثه مجلس النقابة خمس مرات، وكان هناك عرض قدّمته شركة «كول ميد». و«أُعيد إحياؤه بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها الأطباء وعجز صندوق النقابة عن تقديم المُساعدات المالية اللازمة لعائلاتهم»، لافتاً إلى أن عدداً من أعضاء المجلس «غير متمسكين بالمشروع».
وكانت «جمعية الأطباء المسلمين» عبّرت، في بيان أمس، عن رفضها المشروع في «هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها اللبنانيون وفي ظل انتشار جائحة كورونا التي تمنع كثيرين منهم من الحضور إلى المراكز الصحية والعيادات». فيما رأت «لجنة متابعة الحراك معاً لقرار واحد» أن «هاتفنا الخليوي ملك خاص للاستعمال العائلي والشخصي بشكل أساسي، والمساس بخطوطنا جرم يعاقب عليه القانون»، واعتبرت أن زيادة واردات صندوق النقابة «الذي أُفرغ أساساً بسبب سوء الإدارة المالية والهدر والفساد لا يكون على حساب مرضانا، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة... فهل هي مسؤولية المريض أن يصلح ما أفسدته سياسة الصفقات والهدر في نقابة الأطباء أيضاً؟».
«الضريبة» تشمل أقارب الطبيب وأصدقاءه وكلّ من يتواصل معه
وبمعزل من دوافع المعارضين للمشروع، يبقى الشق الأهم هو المرتبط بأولوية معالجة الهدر المالي في النقابة، والذي أثبته تقرير المُستشار المالي لوزير الصحة السابق جميل جبق، وخلُص إلى ضرورة إعادة دراسة كامل ملفات الأطباء منذ تأسيس النقابة لافتاً إلى غياب أسس المحاسبة السليمة وعجز النقابة عن إصدار بيانات مالية صحيحة.
كذلك، ثمة من يتطرّق إلى ملف التوظيفات في مجلس النقابة ليُشير إلى أهمية إدارة الأولويات. ويستذكر هؤلاء تقاضي خمسة محامين مبلغ 140 ألف دولار سنوياً لإعطاء نموذج عن آلية التوظيفات. وفيما لم يتجدد العقد لأعضاء الدائرة القانونية بعد الانقسام الذي شهدته النقابة حيال التجديد لهم في آب الماضي، تُشير المعلومات إلى لجوء النقيب أبو شرف إلى الاستعانة بقاضٍ سابق كمستشار قانوني بكلفة عالية، ومن دون أن يتم لحظ أي توصيف وظيفي واضح له. والجدير ذكره أن إقرار مشروع الاتصال المدفوع من دون اللجوء إلى الجمعية العمومية، كان برعاية هذا المُستشار.
أبو شرف: لا مخالفة للآداب الطبية... ومردود للطبيب!
أكّد نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف أن خدمة الـcallmed جاءت «بناء على طلب العديد من الزملاء في زمن الانتفاضة ووباء كورونا لصعوبة المعاينة الميدانية بسبب صعوبة التنقلات والتعبئة العامة والحجر المنزلي، والتدابير الوقائية كالتباعد الاجتماعي والكمامات والتعقيم». ودان في بيان، أمس، إثارة بعض الأطباء شبهات تتعلق بأهداف المشروع على بعض مواقع التواصل الإجتماعي.
أبو شرف لفت الى أن خدمة الـcallmed «توفر على المريض عناء التنقل والوقت وتحافظ على صحته عن بعد بكلفة زهيدة جدا إذا ما قورنت بثمن معاينة طبية». إلا أنه، في البيان نفسه، شدّد على أن الخدمة «ليست بديلا عن المعاينة الطبية بأي شكل من الأشكال، ولا تلزم الطبيب باستقبال الاتصالات الا ضمن قدرته، وبما يسمح به وقته. ويبقى للطبيب الحق في احضار المريض الى العيادة للمعاينة عندما يجد ذلك ضرورياً». وأشار الى أن هذه الخدمة «تؤمّن موردا للطبيب وصندوق التقاعد في نقابة الأطباء من دون اضافة اية اعباء مالية على النقابة او الطبيب. وهذا القرار ليس من مهام الجمعية العمومية بل يعود للمجلس ان يبت فيه». كما أكّد أنّ هذه الخدمة «لا تخالف قانون الآداب الطبية، ولا تتعارض مع إذن مزاولة المهنة ومعمول بها في الغرب منذ سنوات»، أما الطبيب الذي لا يرغب بالمُشاركة فيها، فيمكنه أن يطلب white list لمرضاه ويُصبح خارج الإستفادة. وأوضح آلية عمل الخدمة، إذ «يتم الاتصال بالرقم المهني للطبيب، وتقدّر حصته بحسب نسبة الاتصالات التي يتلقاها. ويكون التوزيع عادلًا بحسب نسبة الاستخدام»، مُعتبراً أن المشروع لا يلزم الطبيب بالرد على هاتفه، «لكن عندما يجيب يترتب مدخول مالي له». ولفت الى أن المشروع سيُعمل به لفترة تجريبية بالكلفة المقترحة لمدة سنة على الأقل بسبب تكاليف الشركة، «ويصار بعدها الى اعادة تقييمه».
معارضون في النقابة: استغلال لآلام الناس
خلافا لما ورد في نص محضر اجتماع مجلس نقابة الأطباء عن تصويت اعضاء المجلس بالاجماع على خدمة الـcallmed، أصدر أربعة أعضاء (أسامة شمص، وفيق سلوم، حسين الخنسا، تغريدالحاج علي)، مساء امس، بياناً «مضاداً»، رداً على بيان نقيب الاطباء شرف ابو شرف، أكّدوا فيه رفضهم للمشروع «لما فيه من استغلال لآلام الناس في هذه الظروف الصعبة». وأكد هؤلاء أن النقيب طالعهم «من خارج جدول أعمال اجتماع المجلس بمشروع للتصويت عليه من دون مقدمات وبطريقة تخلو من الشفافية وفي غياب كامل لتفاصيل العقد موضوع التداول». واستغربوا عدم وصول العقد المنوي توقيعه مع الشركة مقدمة الخدمة الى امانة السر واستحواذ النقيب عليه، «مما يثير لدينا تساؤلات عن الهدف من ذلك». وختم البيان بمطالبة النقيب بأن يضع في أولوياته «صحة الاطباء وتحسين أوضاعهم وحصانتهم ووقف الهجرة، لا أن نتوسل بمشاريع وهمية يعود معظم عائداتها للشركات الخاصة».
يذكر ان عضوي المجلس مريم رجب وباسم بو مرعي اعلنا سابقاً رفضهما للمشروع ما يرفع عدد الرافضين الى ستة اعضاء من أصل ١٥.