(فاطمة سلامة\ موقع العهد الإخباري)
لا نبالغ اذا قلنا إنّ القطاع التربوي من أكثر القطاعات المتأثرة بفيروس "كورونا". ثمّة جهود مضاعفة بُذلت وتُبذل لتخطي العام الدراسي بأقل الأضرار الممكنة. تجربة التعلم عن بعد شابها العديد من التحديات التي واجهت التلامذة والأهل والمدارس. تبدو هذه التجربة غير موفّقة كثيراً في بلد لا يملك البنى التحتية اللازمة لهذا النوع من التعليم. ورغم كافة الصعوبات صنع الأهل والمعنيون من الضعف قوّة لتجاوز تحد من أكبر التحديات التي مرّت على العالم ومعه لبنان. وبما أنّ تجربة التعلم "أونلاين" بالكامل دونها العديد من الثغرات، كان القرار في فترة من الفترات السابقة بالتعليم المدمج، قبل أنّ تتدهور الأوضاع الصحية وتلامس الخطوط الحمراء ليتحوّل المسار الى التعلم "أونلاين" بالكامل تزامناً مع الإقفال العام.
اليوم، ومع التخفيف التدريجي لقيود الإغلاق العام، وفتح العديد من القطاعات، تتوجّه الأنظار الى القطاع التربوي. متى ستكون العودة الى التعليم المدمج؟ ما تفاصيل هذه العودة؟ وهل من تغييرات ستطرأ على التجربة السابقة؟.
زلزلي: سنراقب الإصابات الأسبوع القادم وبناء عليها يتم تحديد تاريخ العودة من عدمه
رئيس دائرة التعليم الأساسي في وزارة التربية هادي زلزلي يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ تاريخ العودة الى التعليم المدمج لم يتحدد بشكل دقيق. ثمّة عودة لطلاب الشهادات الرسمية في آذار، ولكن لم يتم تحديد اليوم بعد. هذا الأمر مرتبط بالأوضاع الصحية خلال الأسبوع المقبل، حيث ستتم مراقبة عداد الإصابات بشكل يومي لتحديد تاريخ العودة. يؤكّد زلزلي أنه سيتم وضع جدول زمني للمراحل، ولكنّ البداية ستكون مع صفوف الشهادات الرسمية. قرار مجلس الوزراء الذي صدر لناحية تخفيف قيود الإغلاق قال إنه بإمكان وزارة التربية بالتعاون مع وزارة الصحة أن تُخطّط للعودة الى التعليم المدمج اعتبارا من 22 شباط. ولكن لا يخفى على أحد أنّ 22 شباط مرّ ونسبة الإصابات لا تزال مرتفعة، لذلك تتم دراسة الموضوع، وعندما تسمح الظروف سيتم تحديد الجدول الزمني، يضيف زلزلي.
أستبعد أن تكون العودة في 8 آذار
وحول ما يُشاع عن العودة الى التعليم المدمج بين 8 و15 آذار، يستبعد زلزلي أنّ تكون العودة في 8 آذار، فقرار العودة يجب أن يصدر قبل فترة ليكون الأساتذة والأهل والمدارس في أجواء هذه العودة، وعادةً ما يكون هناك أسبوع بين صدور القرار وتعميمه وتاريخ بدء التدريس. وهنا، يعود زلزلي ليؤكّد أن القرار سيرتبط بالأوضاع الصحية الأسبوع المقبل، على أمل أن تكون أفضل من الأسابيع الماضية.
وردا على سؤال حول المدى الزمني الفاصل بين عودة صفوف الشهادات الرسمية والصفوف الأخرى، يشدّد زلزلي على أنّه عادة ما يكون هناك أسبوعان أو أسبوع بين مجموعة وأخرى. الصفوف التي ستلي صفوف الشهادات الرسمية في العودة لم يتم تحديدها بعد، ولكن عادة ما كان يلي صفوف الشهادات صفا السابع والثامن أساسي والأول والثاني ثانوي، وفي المبدأ لا نزال على التوجه ذاته -يقول زلزلي-، لتأتي في المرحلة اللاحقة الحلقة الأولى والثانية وصفوف الروضات الذين سيكون لهم بطبيعة الحال خصوصية ويتطلّبون متابعة واهتماما.
الأمر متروك لإدارة الجامعات الخاصة
أما في ما يتعلّق بالجامعات، فالأمر متروك لإدارة الجامعات الخاصة وكيفية متابعتها لقضية التعلم عن بعد، خاصة أن مسألة التعليم "أونلاين" مؤمّنة في الجامعات أكثر من بقية المراحل، فالتجهيزات لدى الطلاب متوفرة وعددهم أقل، وإمكانيات الجامعات متوفّرة أكثر من المراحل الأخرى.
نحن في مرحلة ضاغطة تحتّم علينا استكمال المناهج
سألناه: هل هناك مشاكل جرى لحظها في فترة التعليم المدمج السابقة ويجري العمل على تفاديها؟، فأجاب زلزلي: " في المرحلة الأولى من التعليم المدمج كنا نعمل على مجموعتين لكل شعبة، 80 بالمئة حضورياً و20 بالمئة عن بعد. هذه النسبة تعدّلت في بعض المدراس بحسب ظروف المدارس والتلامذة والأهالي. فإمكانية التعلم عن بعد كانت ضئيلة جداً للمدارس الذين لا مدرسين لديهم للمواد الإجرائية، وكان يصار لديهم الى تعزيز التعلم الحضوري أكثر، فيما كان يتم الاعتماد على التعلم عن بعد أكثر في بعض المناطق التي شهدت إقفالاً. هذه المسألة كانت متروكة بحسب إدارة كل مدرسة التي تعمل على تكييف البرنامج ضمن المجموعات "الحضورية" و"الأونلاين"".
أما اليوم فالمسألة -برأي زلزلي- مختلفة نوعاً ما عن الفترة الأولى لأنّنا في مرحلة استكمال المناهج. برأيه، لا نكون في بداية العام الدراسي في سباق مع الوقت كما الفترة الفاصلة عن نهاية العام الدراسي وقرب الامتحانات. اليوم الوضع مختلف، فهذه الفترة تشكّل ضغطاً إضافياً، ومن هنا يتم البحث عن حلول للتلامذة الذين لم يتمكنوا من التواجد حضورياً لأسباب صحية لديهم أو لدى عائلاتهم أو بسبب مخاوف وهواجس. في بداية العام الدراسي قد يتم غض النظر عن هذا الأمر وتأجيل هذه القضايا، أما اليوم فهناك مشكلة حقيقية، خاصة أن هناك تلامذة لم تتمكن من المشاركة في عملية التعليم عن بعد بسبب عدم وجود أجهزة متوفّرة لديها أو وسائل تربوية، أو نتيجة قرار ذاتي من التلميذ بعدم الالتزام بالمتابعة على المنصة أو غيرها.
هناك إلزامية حضور للتقييم والامتحانات
كل هذه الأمور يجب الالتفات اليها -يقول زلزلي- اذ بتنا في القسم المتبقي من العام الدراسي، ومطلوب منا إجراء تقييم خصوصاً أنه قد يبرز لدينا مجموعة ثالثة لن تستطيع أن تكون موجودة فعليا ًفي الدوام الحضوري أو لن تستطيع المشاركة بشكل فعال في الدوام عن بعد. هذا واحد من التحديات التي نعمل على إيجاد حل لها. وفق زلزلي، تعمل الوزارة مع الجهات المعنية على تأمين مشاركة التلميذ عن بعد والبحث في الأسباب المبرّرة لذلك، فنحن ننطلق من مبدأ أساسي أن الامتحان أو التقييم لا يمكن أن يكون إلا حضورياً اذ لا إمكانية لإنجاز الامتحانات المدرسية عن بعد. فإذا لم يتمكن التلميذ من الحضور خلال فترة التدريس في العام الدراسي، هناك إلزامية حضور خلال الفترات التي تتحدد من إدارة المدرسة للتقييم والامتحانات.
اذا ما كان هناك أي خطر على التلامذة لن تبادر وزارة التربية الى فتح المدراس
وفي سياق حديثه عن أهمية الجانب الصحي بالنسبة لوزارة التربية، يوضح زلزلي أن تجارب الوزارة مع محطات مختلفة العام الحالي وما سبقه، بيّنت أنّها تولي أهمية كبيرة للجانب الصحي. خير مثال على ذلك، إقفال وزارة التربية المدارس بفترات العواصف حفاظاً على سلامة التلاميذ. وعليه، فالوزارة تراقب الوضع واذا ما كان هناك أي خطر على التلامذة، فلن تبادر الوزارة الى فتح المدارس. وفي المقابل، يؤكّد المتحدّث أنّ النتاج الفعلي للتدريس لن يكون الا حضورياً، لأنّ نسبة التلامذة التي تشارك في التعلم عن بعد تكون متفاوتة بين مدرسة وأخرى وصف وآخر، لذلك لا إمكانية للاتكال على نسبة مؤكدة أو حاسمة نقول معها إننا أعطينا التلامذة البرنامج المطلوب. من المؤكّد أنّ المتابعة للوضع الصحي أساسية، ولكن في الوقت نفسه علينا الالتفات الى أنّ كل القطاعات متجهة للفتح في أول آذار، وأكثر قطاع يتعرض للمساءلة من الرأي العام هو القطاع التربوي. أكثر من ذلك، تعاطي الناس مع باقي القطاعات وكأنها غير مقفلة، لتبقى المدارس بمفردها ضمن القطاعات المقفلة.
القطاع التربوي يواجه تحديات مالية
لا يخفي زلزلي أن الوزارة أجرت تقييما لتجربة التعليم المدمج السابقة، ووجدت أنّ هناك تفاوتاً بين منطقة وأخرى ومدرسة وأخرى، وهناك ظروف ضاغطة، فمختلف الدول تعاني اليوم من انتشار المرض والانتقال الى التعلم عن بعد، ولكن لبنان يعاني من وضع أصعب يتمثّل في الجانب الاقتصادي الضاغط، وهذا ما يُلقي بمعاناة إضافية على القطاع التربوي. كلنا يعلم أن سلسلة "الرتب والرواتب" صدرت عام 2017، وفي عام 2019 تضمّن قانون الموازنة مادة تمنع التعاقد والتوظيف، لذلك لا بديل عن الأساتذة الذين يحالون الى التقاعد، ما يزيد الضغط على الأساتذة الحاليين خصوصا مع فتح شعب جديدة، وسط ضغط على الإدارة التربوية ككل لتأمين مدرّسين، فهناك مدارس كثيرة لم تتمكّن حتى مطلع العام الدراسي من تأمين الأساتذة، في الوقت الذي تشهد فيه المدارس الخاصة ضغطاً، بالإضافة الى أنّ إمكانيات المدرسة الرسمية والاعتمادات الموجودة في الصندوق المالي لديها غير كافية، وسط وجود صعوبات بتأمين أي تجهيزات.
وفي هذا الإطار، يلفت زلزلي الى أنّ وزير التربية الدكتور طارق المجذوب عمل على تأمين التجهيزات مع الجهات المانحة، ولكن لم نتمكن من الحصول على تجهيزات سريعاً. ثمّة تجهيزات تأمنت للمدارس للتدريس من داخلها، ولكن لم يتأمن بالشكل الكافي ولم يتأمّن للتلامذة. هذه الأزمة أضيفت الى أزمة موازنة وزارة التربية التي تذهب لنفقات تشغيلية إلزامية ولا إمكانية معها للعمل على مشاريع إضافية، يُضاف الى ذلك مسألة تدني قيمة الرواتب وتآكلها وعدم تأمين التمويل الكافي لكل المجالات التشغيلية بالتعليم والمدرسة، فضلاً عن الأزمة الصحية. كل هذه الأزمات تحتاج الى التعاون بين كافة أطراف العملية التربوية لنخرج بعام دراسي بأقل الأضرار قدر الإمكان، يختم زلزلي.