بينما تتضافر جهود العلماء للوصول إلى لقاح فعال ضد فيروس كورونا المستجد، يواصل الفيروس تحوّره ليضعنا أمام تحديات كثيرة. ولهذا السبب، فإن رصْد مصدر الطفرات الجديدة وتتبعها، وكذلك معرفة مدى خطورة كل منها، أصبح أمرا ذا أهمية للسيطرة على الفيروس.
وحديثا، طوّر علماء في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" (KAUST) في المملكة العربية السعودية، أداة -أتيحت عبر الإنترنت- يمكنها تتبع طفرات فيروس كورونا، وهو ما من شأنه أن يساعد الباحثين وصناع القرار على فهم تطورات الفيروس.
كما قد تُمكِّن هذه الأداة السياسيين من اتخاذ التدابير اللازمة، جراء رصد أي من الطفرات الجديدة التي تنتشر في بلدانهم. وقد أُطلق على الأداة اسم "كوفمت" (CovMT).
ووفقا للبيان الصحفي الذي نشرته الجامعة تعقيبا على المُرَاسَلَة التي نشرتها دورية "ذا لانسيت إنفكشس دِزيزس" (The Lancet Infectious Diseases) في 8 فبراير/شباط الماضي، يقول عالم الأحياء الحاسوبية وقائد الدراسة انتخاب عَالَم إن الأداة الجديدة "ستساعد الباحثين والسياسيين وكذلك عامة الناس على الوصول إلى معلومات محدثة تخص كل بلد على حدة، وذلك فيما يتعلق بطفرات الفيروس الجديدة ومدى خطورة كل منها".
وتعتمد هذه الأداة الجديدة على البيانات الجينية التي تجمعها منصة "جيسايد" (GISAID)، وهي مبادرة علمية عالمية غير ربحية أُسِسَت عام 2008، بهدف إتاحة الوصول للبيانات الجينية لفيروسات الإنفلونزا. وتؤكد منظمة الصحة العالمية دوما على الدول ضرورة تكثيف جهود تتبع التسلسل الجيني لسلالات الفيروسات الموجودة فيها.
وفيما يتعلق بفيروس "سارس-كوف-2"، فإن منصة "جيسايد" تجمع يوميا التسلسلات الجينية والبيانات السريرية والوبائية من مختلف بلدان العالم. وتقوم أداة "كوفمت" بمعالجة هذه البيانات لاكتشاف الطفرات الجديدة وتصنيفها، ومن ثم تقوم بعرض نتائجها في شكل رسوم بيانية وصور توضيحية مبسطة يسهل على الجمهور العام استخدامها والتفاعل معها.
في البداية، ابتكر الفريق صيغة مفاهيمية عرفت باسم "البصمات الطفرية"، وهي تصف عَزَلَات الفيروس التي تحمل نفس الطفرات. وساعد ذلك على تحديد المكان الذي نشأت فيه كل "بصمة طفرية"، ومن ثم سَهّل ذلك على العلماء تتبع انتشار هذه الطفرات إلى البلدان الأخرى.
ولأن منصة "جيسايد" تجمع أيضا بيانات المريض ومدى شدة المرض المرتبطة بكل سلالة طافرة، فإن أداة التتبع يمكنها التنبؤ بشدة المرض الخاصة بعَزَلَات الفيروس التي لها نفس "البصمات الطفرية"، ولكنها تفتقر لأي بيانات خاصة بالمريض.
دلالات ونتائج جديدة
وقد أظهرت الأداة الجديدة أن انتشار السلالات يختلف من قارة لأخرى، كما أظهرت أن السلالة الطافرة (B.1.1.7) التي انتشرت بشكل سريع في خريف 2020 وشتاء 2021 في المملكة المتحدة، قد اكتسبت طفرة أخرى جديدة -(E484K)، وهي تغير الحمض الأميني الغلوتاميك 484 إلى حمض أميني آخر يسمى اللايسين- مما قد يحمل تبعات على فعالية اللقاح ضد هذه السلالة.
كما أظهرت 510 عزلات فيروسية لسلالة (B.1.351) احتواءها على 3 طفرات في منطقة الارتباط الموجودة على البروتين الشوكي للفيروس المسؤول عن ارتباطه بخلايا العائل.
ومن المعروف أن الطفرات التي تحدث في هذه المنطقة على وجه الخصوص تجعل الفيروس أكثر عدوى. وقد عُثر على السلالة الطافرة التي تحتوي المتغيرات الثلاثة السابقة الذكر في جنوب أفريقيا والمملكة المتحدة و22 دولة أخرى.
ويذكر عالم الأحياء الجزيئية تكاشي قوجوبوري المدير المكلف بمركز أبحاث العلوم البيولوجية الحاسوبية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، أنه "من الممكن التحكم بهذه الأداة لتلائم أي أمراض معدية أخرى في المستقبل".
وبالطبع فإن أداة كتلك تضاف باعتبارها واحدة من الجهود اللازمة للسيطرة على الفيروس واحتوائه، خاصة في ظل ما يشهده الفيروس من طفرات مستمرة في هذه الأيام.
المصدر: الجزيرة