نقلاً عن موقع الجزيرة نت
على غرار الأطباء المسلمين الذين كانوا أول من لبى الواجب في المعركة مع فيروس كورنا المستجد (كوفيد-19) انفردت المساجد البريطانية بمبادرات غير مسبوقة في دور العبادة، لعل أهمها تطوع مسجد في العاصمة لندن لاستقبال المرضى في سابقة من نوعها في عموم المملكة المتحدة والعالم.
ووافقت وزارة الصحة على طلب مسجد شمال غرب لندن لتخصيص عدد من غرفه وساحته الكبرى، لاستقبال بعض المرضى، بعد أن قدم المسجد كل الضمانات بأنه سيوفر لهم كل الحاجيات الضرورية من رعاية وتطبيب.
وهذه المرة الأولى التي توافق فيها السلطات الصحية على مثل هذه المبادرات التي تهدف لتخفيف الضغط على المستشفيات، وأيضا الاستفادة من الإمكانيات التي تتوفر لدى المسجد من مساحة ومتطوعين قادرين على تقديم الرعاية للمرضى.
وانبرى عدد من الأطباء المسلمين المشهود لهم بالكفاءة لتقديم المبادرة للسلطات الصحية التي وافقت عليها بعد أن ظهر أن الكادر الطبي الذي سيشرف على العملية له من التجربة والخبرة الطبيتين ما يمكنه من التعامل مع المصابين.
وستخصص قاعات المسجد التي كانت تستخدم لتقديم الدروس للأطفال لفئة معينة من المرضى بلغت مرحلة لا يمكن علاجها من الفيروس وتعيش أيامها الأخيرة.
وهذه الفئة من كبار السن الذين يرى الأطباء أن علاجهم أمر مستعص، وسيتم نقلهم للمسجد لتلقي الرعاية الطبية، بغرض تحرير الأسّرة في المستشفيات لبقية المرضى.
ويتوفر المسجد على 12 غرفة إضافة لساحته الكبرى، وهو ما يجعله قادرا على توفير 23 سريرا في المرحلة الأولى، وذلك بعد حملة تبرعات أطلقها الدكتور محمد جيفا لتوفير المعدات الطبية. وبالفعل نجح في أن يوفر عشرة آلاف جنيه إسترليني (نحو 12300 دولار) في ظرف أيام معدودة، ليتم الإعلان عن استعداد المسجد لاستقبال المرضى مع نهاية الشهر الحالي.
ويقول الدكتور محمد جيفا إن المسجد تواصل معه مع بداية انتشار الوباء ليأخذ رأيه في طريقة التعامل مع هذ المستجد، فكان رده "لماذا لا نقدم شيئا للمجتمع في هذه الظروف؟" مضيفا أن ردة الفعل من طرف الأقلية المسلمة في المنطقة كانت "أكثر من رائعة" ففي أيام تطوع حوالي ستين شخصا من ممرضات وأطباء وشباب "للمساهمة في هذه المبادرة".
ويخطط الدكتور محمد لأن تصل القدرة الاستيعابية للمستشفى لحوالي 55 سريرا خلال المرحلة الثانية، كما يشدد على أن هذه المبادرة لخدمة "الجميع كيفما كان انتماؤهم الديني وليست حكرا على المسلمين فقط".
ويوضح أن المستشفيات عندما ترى أن هناك بعض الحالات التي لا أمل من شفائها، فإن قرارها يكون إما بإعادتها للمنزل أو لدور الرعاية.
وعندما لا تتوفر إمكانية إرجاعهم لدور الرعاية خوفا من نقل العدوى، يقول: "سنكون نحن البديل باستقبال هؤلاء المرضى ونوفر الرعاية اللازمة" على أن ما سيتم تقديمه في المسجد يراعي جميع المعايير الطبية المقدمة في المستشفيات.
وتمكن الدكتور محمد من الحصول على دعم عدد من الأطباء المسلمين، ومن بينهم الدكتور زاهيد شوهان الذي سبق أن حصل على اعتراف ملكي بجهوده في مواجهة ظاهرة التشرد، إضافة لعدد من الدكاترة من مختلف التخصصات الطبية، والذين سيشتغلون تحت قيادة الدكتور محمد جيفا الذي يرأس عادة الهيئة الطبية للبعثات الذاهبة للحج.
وتدخل المساجد البريطانية شهر رمضان في ظروف استثنائية غير مسبوقة، وهو ما يؤكده رئيس مسجد "فينسبري بارك" محمد كزبر الذي كشف أن مسجده قام بوضع خطة عمل لشهر رمضان بالنسبة لكبار السن وكذلك للشباب من أبناء الجالية المسلمة الذين يعيشون لوحدهم وكانوا يعتمدون على المسجد في توفير وجبات الإفطار، مضيفا "الآن المساجد مغلقة وسيكون عليها أن نقدم لهم هذه الوجبات بنقلها إليهم".
وتحدث كزبر أيضا عن مبادرة أطلقها المسجد وهي توزيع وجبات الطعام على العاملين في القطاع الصحي البريطاني، بالتنسيق مع مؤسسات خيرية إسلامية، وبعد نجاح المرحلة الأولى من هذه العملية هناك عمل على توسيع دائرة المستفيدين منها في مختلف المستشفيات في العاصمة لندن.
ومن المبادرات التي أعلن عنها المسجد إطلاق خط ساخن، الهدف منه توفير المتابعة النفسية والدينية للأقلية المسلمة، من خلال الرد على أسئلتهم الدينية والنفسية عن طريق أئمة وكذلك مستشارين نفسيين.
أما الهدف الثاني من هذا الخط فهو منح كبار السن غير القادرين على الخروج الفرصة للاتصال من أجل طلب الغذاء والأدوية.
وقال كزبر: "لدينا العشرات من المتطوعين الذين يقومون بتوصيل الأكل والدواء لهم بالتعاون مع السلطات البلدية".
وأطلق مسجد "فينسبري بارك" حملة توعية في صفوف الجالية المسلمة، من خلال منشورات باللغتين العربية والإنجليزية، عن أهمية التباعد الاجتماعي.
ويؤكد كزبر أن المسلمين "يظهرون التزاما كبيرا بالتعليمات الصحية والحكومية، والمساجد كانت أول من أعلن إغلاق أبوابه حتى قبل إعلان الحكومة عن إجراءات العزل الصحي".
وعن التعامل مع شهر رمضان، كشف المتحدث أن المسجد سيقوم بعرض الدروس عبر الإنترنت، من خلال استضافة شيوخ وعلماء لإلقاء الدروس، عبر البث المباشر.
واختتم بقوله "لعل هذه التقنية تقدم بعض العزاء للجالية المصدومة من إغلاق المساجد لأول مرة في شهر رمضان، لكن الجميع يتفهم هذا الأمر ويعتبر أن السلامة الصحية هي الأولوية في الوقت الراهن".