صحيفة الأخبار اللبنانية - حسين إسماعيل
لم يشعر المجتمع أبدًا بتأثير المرض والصحة كما هي الحال خلال جائحة «كورونا». كانت إحدى الرسائل المتكررة، المزعجة للغاية، في كل التقارير، تشير الى ارتفاع معدل الوفيات بين كبار السن والى أن الموتى كانوا يعانون من أمراض مزمنة.
اليوم، مع وجود تقنيتي mRNA و CRISPR المعتمدتين في إنتاج بعض اللقاحات، يبدو النجاح واعداً ليس فقط في سحق «كوفيد-19» المأمول، ولكن أيضًا في فتح مسارات لعلاج عدد من الأمراض الأخرى. لذا سيكون كبار السن أكثر هدوءًا، وسيتم تأكيد أعدادهم ومساهماتهم في المجتمع بقوة على الجانب التصاعدي من المنحنى. ولئن كانت هذه الأخبار مُفرحة لجهة إطالة عمر الفئات المُسنّة وصاحبة الأمراض المزمنة، إلا أنها تفتح تحديات كبيرة ستفرضها مسألة شيخوخة السكان، وهو ما يفرض النقاش المرتبط بكيفية استجابة الحكومات لتلك التحديات.
قبل الوباء، كانت الحكومات «تُصارع» التكلفة المتزايدة للرعاية الصحية. في بعض البلدان، مثلاً، تجاوز الإنفاق على الرعاية الصحية عتبة الـ 10% من إجمالي الناتج المحلي، وأثقلت الميزانيات السنوية الحكومية. ومن المعلوم أن 50% من الإنفاق على الرعاية الصحية يكون من نصيب 5% من السكان الأكثر مرضاً. وغالباً ما ينتمي هؤلاء إلى فئات عمرية أكبر ويعانون من أمراض مشتركة متعددة. ومن بين الأمراض المصاحبة الرئيسية لتقدم العمر، السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية. وعليه، لا شكّ في أن زيادة عدد المسنين ستفرض تحديات مختلفة.
وقد تعزّز النقاش المرتبط بقضايا دور الرعاية الطويلة الأجل للمسنين في زمن كورونا بشكل كبير. كان هذا واضحًا في إيطاليا والسويد والمملكة المتحدة (اتهمت الصحافة البريطانية مثلاً الحكومة بالفشل في حماية كبار السن وشككت في أخلاقيات سياسة بوريس جونسون. ومن المتوقع أن يؤثر ذلك على تصويت كثيرين في الانتخابات المقبلة).
من زاوية أخرى، صاغ البعض مصطلح «الاقتصاد الفضي» لوصف اقتصاد الأشخاص فوق سن الخمسين، والذي يشمل ميزات «ابتكار أقل وبراءات اختراع أقل»، فضلاً عن متطلبات ثقيلة للرعاية الصحية وغيرها من الخدمات لمعالجة «الوحدة» والاعتماد على الغير. ويتوقع أن الميزة الأخيرة ستضغط على نسيج مجتمعات معينة غير معتادة أو مستعدة لذلك.
هذا السرد يقود إلى التنبّه إلى أن أحد التحديات التي ستفرضها شيخوخة السكان هو تمويل الرعاية الصحية وإدارة الضرائب المخصصة لذلك، الأمر الذي سيثير قضايا العدالة بين الأجيال من زاوية تخصيص الموارد. لذلك يصبح من الضروري أن تدرك المجتمعات ما ورد أعلاه وتخطط للتكيّف. فهل سيكون التكيّف مع عيون مفتوحة أم مغلقة؟
في هذا الصدد أستذكر قصة رواها لي زميل من علم النفس حول تجربة التكيّف عند أحد الأطفال. سئل الطفل: ماذا ستفعل إذا أزعجتك لمبة مضاءة؟ فردّ: «أغمض عيني!». وبالتالي، يجب تصنيف استجابة الحكومات للتحديات التي تفرضها شيخوخة السكان على أنها إما مفتوحة العيون مع خطة أو مغمضة الأعين تقود إلى الهاوية. ويمكن لنهج مفتوح الأعين أن يبني على تقرير الشيخوخة لعام 2018 الصادر عن المفوضية الأوروبية: «تحديات السياسات للمجتمعات المسنة». من دون تفصيل هذا التقرير، يكفي القول إن محاولة توقع أعداد كبار السن من السكان والقضايا ذات الصلة (نفقات الرعاية الصحية، خطط التقاعد ومزاياه... إلخ) تشكل نموذجًا ممتازًا للبلدان الأخرى. ورغم أن الدول الأوروبية وكندا والولايات المتحدة واليابان معترف بها عالميًا على رأس قائمة البلدان التي تعاني من صراع سكاني مع شيخوخة السكان، فإن دولًا في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية تتبعها. ومع النجاحات المذكورة أعلاه في مجال التقنيات الطبية، فإن الوقت يختصر وأصبحت المشاكل المستقبلية في هذه القارات مطروحة اليوم. من باب ضرب مثال سيّئ للتخطيط، تكفي قراءة الموازنة المقدمة في لبنان من قبل الحكومة المستقيلة ومراجعة كيف اتجهت إلى خفض النفقات عبر استهداف التقديمات الصحية وتهديد أنظمة التقاعد بحسب مدير عام تعاونية موظفي الدولة يحيى خميس.
أخيرًا، كلما زاد عدد اللقاحات المعتمدة للوقاية من COVID-19 بشكل أسرع وزاد إنتاجها أيضًا لتلبية الطلب العالمي، وصلنا مبكرًا إلى مناعة القطيع العالمية. بمجرد تحقيق هذا الهدف، سيحضر العالم لالتقاط أنفاسه ومعه سيبدأ الاقتصاد بالتعافي. ومع ذلك، فإن عدد الضحايا الذي تمّ تكبّده خلال هذه الفترة يجب أن يكون تذكيرًا إلى الأبد بما كان من الممكن أن ينجزه الاستعداد الأفضل. والأهم من ذلك، سنقدم أفضل خدمة لذكرى أولئك الذين عانوا أكثر، أي الفئات العمرية الأكبر سنًا، من خلال التأكد من أننا عندما ندخل هذه الفئة أنفسنا، لا يُنظر إلينا على أننا عبء بل نعمة.
*طبيب أمراض قلب، مدير برنامج طب الشرايين في الجامعة الأميركية في بيروت