(جريدة الأخبار اللبنانية)
يكسر وباء «كورونا» نمطية الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، المصادف في الثامن من آذار من كلّ عام. فالعنف المتنامي بمختلف أشكاله ضدّ المرأة، بات يشكّل جائحة الظل الموازية لجائحة «كوفيد - 19». وبذلك، ترفع الجائحة الصحية مستوى تحدّي المرأة، في يومها العالمي، للعنف الممارَس ضدها، في المجتمعات على اختلاف أنواعها، بينما تأخذ الظاهرة حيّزاً كبيراً من قضاياها.
ولأنّ العنف ضدّ النساء جريمة يجب أن لا تمرّ من دون عقاب، يقع على عاتق صنّاع القرار وواضعي السياسات التعامل معها على مستوى التحدّي نفسه الذي تفرضه، عبر معالجة القصور في السياسات الوطنية والتشريعات المناهضة لها وسبل تطبيقها. وبالتوازي العمل على محاربة الوصمة الاجتماعية وضعف إجراءات العدالة الجنائية لتتمكّن النساء المتعرّضات للعنف من التبليغ بحرية أكبر.
وفي حين يأتي العنف الجسدي كأحد أبرز أشكال العنف نتيجة غلبة الأعراف الاجتماعية على النظم القانونية والحروب والتطرّف، يسجّل العنف النفسي واللفظي أرقاماً عالية في إحصائيات رصد الظاهرة التي يصل انتشارها إلى دول العالم الأول. وتؤكّد تقارير الأمم المتحدة أنّه مع تفشي «كوفيد - 19»، رُصدت زيادة كبيرة في العنف على اختلاف أنواعه، وتحديداً المنزلي منه، في معظم أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة والصين. يترافق ذلك مع ما ينتجه الحظر وتقييد التنقّلات من تراجعٍ في عدد الناجيات اللواتي يحصلن على خدمات الدعم والحماية.
بلغة الأرقام، أظهرت بيانات الأمم المتحدة ارتفاع عدد شكاوى العنف الأسري، بنسبة 30 % في قبرص و33 % في سنغافورة، و30 % في فرنسا، و25 % في الأرجنتين على سبيل المثال. وفي السنوات التي سبقت الجائحة، كانت كل امرأة من بين ثلاث نساء حول العالم تتعرّض لأحد أشكال العنف الجسدي أو الجنسي، وعادة ما يكون على يد شريكها. كذلك، تُقتل 137 امرأة كلّ يوم تقريباً، أكثر من ثلثهن يُقتلن على يد أزواجهنّ أو أسرهنّ. كما أنّ 52% فقط من النساء حول العالم لديهن حرية اتخاذ القرارت الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية. كذلك، تمثل ضحايا الإتجار في البشر من النساء حول العالم 71 في المئة، 3 من أصل 4 منهن يتعرّضن للاستغلال الجنسي. في السياق عينه، كشفت إحصائيات أُجريت عام 2017، أنّ نصف النساء اللاتي يُقتلن حول العالم هنّ ضحايا شركائهنّ أو أحد أفراد العائلة، مقابل رجل واحد من بين عشرين رجلاً يُقتل في ظروف مشابهة. ويبلغ عدد المتزوّجات عالمياً قبل سن الثامنة عشرة 750 مليون فتاة.
نساء العالم العربي: لبنان ومصر والعراق نموذجاً
تتزوّج 14% من الفتيات العربيات تحت سن الثامنة عشرة. كذلك، تتعرّض 37% من النساء لأحد أشكال العنف أو أكثر في حياتها. لكنّ ثمّة مؤشّرات على أنّ النسبة قد تكون أكبر من ذلك في الحقيقة، كون ستّ من كلّ 10 نساء معنّفات، لا يُخبرن أي جهة عن أنهنّ معنّفات، فيما الجزء الآخر يتحدّث عن الأمر للعائلة والأصدقاء وليس للشرطة. وبالتالي، فإنّ غياب الإحصائيات التي يمكنها أن توثّق جميع الحالات يمكن أن يغيّر في النتيجة.
أما حديثاً، وفي ظل تفشي وباء «كورونا»، فقد كشفت دراسة أجراها المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، الخاص بالدول العربية، أنّ العنف بدا أكثر ارتفاعاً في اليمن وفلسطين عمّا هو في الدول الأخرى.
الدراسة التي شملت أكثر من 16 ألف شخص في 9 دول عربية، هي مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين وتونس واليمن، بيّنت أنّ الإبلاغ عن العنف المنزلي ارتفع بنسبة لامست الـ40%. ومن أعلى أنواع العنف المبلّغ عنه، كانت المضايقات الإلكترونية، التي بلغت ذروتها في مصر حيث وصلت نسبة الإبلاغ إلى 42%، وأدنى مستوياتها سُجِّل في لبنان مع نسبة 24%.
لبنانياً، وبينما كان هذا البلد الغارق بأزماته السياسية والاقتصادية الأشدّ، وظروفه الأمنية غير المستقرّة، يحاول الاستجابة لجائحة «كورونا»، كانت نساؤه يُقتَلن في منازلهن التي تحوّلت إلى أماكن غير آمنة. لم يمرّ وقت طويل على تطوير قوانين متعلّقة بالمرأة، كتجريم التحرّش الجنسي وإدخال إصلاحاتٍ على قانون العنف الأسري، في كانون الأول من العام الماضي، حتى هزّت الرأي العام اللبناني ثلاث جرائم قتل لنساء في فترة زمنية متقاربة، كانت آخرها زينة كنجو، عارضة الأزياء التي قضت خنقاً على يد زوجها.
ليس وحده النظام البطريركي - الأبوي الحاكم في لبنان، والعقلية التي تبرّر تلك الجرائم، مسؤوليْن عن ارتفاع معدّلاتها، إذ تدخل الأزمة الاقتصادية على خط الأسباب لما لذلك النوع من الأزمات من رابط وثيق مع الممارسات العنفية. وفي أحدث أرقامٍ لها، كشفت قوى الأمن الداخلي، من خلال عملية رصد أعداد المتّصلات على الخط الساخن 1745 المخصّص للتبليغ عن شكاوى العنف الأسري، أنّ الأعداد ازدادت بشكل مقلق، فهي تلقّت 1468 شكوى عام 2020، مقارنة مع 747 عام 2019. ما يعني أنّ الجائحة الصحية ضاعفت على أقل تقدير نسب العنف. وأوضحت أنّ 61% فقط من المعنّفات يلجأن إلى التبليغ عبر الرقم 1745، 88% منهن لبنانيات و16% من جنسيات مختلفة.
بالتوازي، تمّ التبليغ عن 221 حالة تحرّش إلكتروني، خلال الفترة الممتدّة ما بين كانون الثاني 2020 وتشرين الأول 2020. وفي السياق، تتطابق أرقام المنظّمات الحقوقية المعنية بقضايا المرأة مع الأرقام الرسمية للدولة، ومن بينها جمعية «أبعاد»، التي تلقّت 4127 مكالمة منذ بداية أزمة «كورونا» عام 2020، مقابل 1375 عام 2019. وبالعودة إلى عام 2017، تشير دراسة للجمعية إلى أنّ واحدة من بين كل أربع لبنانيات تعرّضت للاغتصاب، وقبل ذلك بعام تبيّن أنّ 18% من حالات العنف المبلّغ عنها ضدّ النساء هي عنف جنسي، 8% منها اغتصاب.
وكمعدّل سنوي، تلفت المنظمة غير الحكومية «كفى»، إلى أنها تتلقّى أكثر من 2600 بلاغ عن حالات عنف أسري عبر خط ساخن خُصص للغاية، وفقط بين عامَي 2010 و2013 تلقّت المنظمة بلاغات عن مقتل 25 سيدة لبنانية على أيدي أقاربهن.
عربياً أيضاً، تبقى نسبة الختان (تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة) في مصر هي الأعلى عالمياً، إذ تخضع 92% من المصريات للختان بين سن 15 و49 عاماً. في حين خضعت 200 مليون امرأة حول العالم للتشويه نفسه بحسب الأمم المتحدة. أما «المركز المصري لحقوق المرأة»، فتحدث في تقريره الأخير عن أنّ واحدة من كلّ 4 نساء مصريات تتعرّض للعنف المنزلي من قبل زوجها. ووفقاً للمركز، تسجّل البلاد سنوياً أكثر من 200 ألف حالة اغتصاب.
وبالانتقال إلى العراق، وبالرغم من إقرار الحكومة لاستراتيجية مناهضة العنف ضد النساء على أن تمتدّ بين عامَي 2018 - 2030، واستحداث مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية، منذ عام 2019، تعكس الأرقام المرتفعة للعنف عجز السلطات عن مكافحة تلك الطفرة.
وفي منتصف نيسان 2020، حثّت البعثة الأممية البرلمان العراقي على الإسراع في إقرار قانون مناهضة العنف الأسري، وسط تقارير مثيرة للقلق عن ارتفاع في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، كانت قد وثّقتها الأمم المتحدة تتعلّق بإساءات مروّعة بحق النساء والفتيات في البلاد، من بينها اغتصاب امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وإساءة الأزواج لزوجاتهن، وتحرّش جنسي بالقصّر وانتحار بسبب العنف المنزلي.
وفي حين أصدر مجلس القضاء الأعلى العراقي عقب ذلك، تعميماً يدعو القضاة إلى استخدام جميع الأحكام القانونية للردع، رأت رئيسة مكتب حقوق الإنسان في العراق، دانييل بيل، «أنّ النساء يواجهن تحدّيات إضافية تفاقمها جائحة كوفيد - 19. بحيث إنّ إجراءات التقييد التي اعتُمدت للتصدّي للفيروس زادت من مخاطر العنف المنزلي، وفي الوقت نفسه قلّلت من قدرة الضحايا على الإبلاغ عن الإساءة والبحث عن المأوى الآمن للحصول على الدعم والوصول إلى العدالة».
العنف في الغرب: نتائج صادمة
النساء يُعنَّفنَ ويُقتَلنَ في الغرب، أيضاً، بالرغم من الصورة البرّاقة التي تُروَّج عن المرأة في تلك المجتمعات، التي تمكّنت من تحقيق «المساواة» بين الجنسين، وتحصين المرأة بقوانين صارمة لحمايتها من عنف الرجل، وتوقيع مجلس أوروبا لاتفاقية الوقاية من العنف ضدّ النساء والعنف المنزلي ومكافحتهما، عام 2011، والمعروفة باتفاقية إسطنبول.
وفي قائمة الجرائم التي تهدّد حياة النساء في الغرب، هي تلك التي يتعرّضن لها على يد شركائهن. ففي عام 2019، قُتلت 122 امرأة على يد شركائهنّ. وخلال العام نفسه، أشارت معطيات رئاسة الوزراء الإسبانية، إلى مقتل 55 سيدة بعد اعتداء أزواجهن أو شركاء حياتهن عليهنّ.
ووفقاً لدراسة استقصائية قامت بها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية FRA، سنة 2014، تعرّضت 75% من النساء في وظائف مهنية للتحرّش الجنسي في الدول الأوروبية. الصادم في الاستقصاء، احتلال كل من السويد وهولندا والدنمارك مراتب متقدّمة في لائحة الدول التي تعرف أكبر نسب للعنف الجنسي. ففي السويد، أثبتت الدراسات أنّ عام 2016 شهد أكثر من 20 ألف جريمة جنسية، صُنّفت منها سبعة آلاف تحت بند الاغتصاب.
وبالعودة إلى عام 2005، أظهرت إحصائيات المديرية العامة للمفوضية الأوروبية (EUROSTAT) التي نشرتها عام 2005، تصدُّر ألمانيا قائمة البلدان التي تعرّضت فيها المرأة للعنف الجسدي، بواقع أكثر من 30 ألف حالة، وأكثر من 25 ألف حالة اعتداء جنسي، وحوالى سبعة آلاف حالة اغتصاب، تلتها فرنسا والسويد وبلجيكا، فيما لم تُسجّل أي حالة عنف جسدي في كل من إيطاليا وسكوتلندا وآيسلندا وإنكلترا.
وفي اليابان مثلاً، أبلغت 15% من النساء و71% في إثيوبيا والبيرو عن تعرّضهن لعنف جسدي و/ أو جنسي مارسه ضدّهن عشراؤهن. وبطلب من الحكومة الفرنسية، أُجريت في عام 2002 دراسة كشفت أنّ امرأة واحدة من كل عشر فرنسيات تتعرّض للضرب في البيت. وأعلنت ماري دوفينيك رئيسة الاتحاد الوطني للتضامن مع المرأة، أنّ مليون ونصف مليون امرأة في فرنسا يتعرّضن لسوء المعاملة، جسمياً وجنسياً ونفسياً، على أيدي أزواجهن أو شركائهن.