نقلًا عن موقع "العهد" الاخباري - ياسمين مصطفى
تتكثف الملفات الملحّة وتتضاعف مسؤوليات الحكومة اللبنانية مع قرب سريان قرارها برفع الإغلاق بشكل تدريجي في بعض القطاعات على مراحل متلاحقة تبدأ في 27 من الشهر الحالي. ومع استمرار عداد إصابات فيروس كورونا بالارتفاع بشكل طفيف، تبرز تحديات عدة، تبدأ بتسجيل حالات في مخيم الجليل في البقاع، واقتراب استحقاق وصول الدفعة الثانية من المغتربين اللبنانيين بدءا من الـ 28 من هذا الشهر، اضافة الى تحدي استئناف العام الدراسي للمراحل التعليمية، وفتح الحضانات وتحدي الامتحانات الرسمية.
هذه الملفات وغيرها استدعت طرحها مع مستشار وزير الصحة د. محمود زلزلي، الذي وصف لدى تقييمه وضع لبنان المؤشرات الحالية "بالإيجابية" والتي يبنى عليها، لافتا في مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري إلى أن المطلوب بعض الصبر من اللبنانيين، ومزيد من التزام خطة التعبئة العامة بمختلف إجراءاتها لننجح في رفعها في الوقت المناسب وليس مبكرا، تماما كما نجح لبنان عبر اتخاذ قرار جريء بإغلاق المدارس والجامعات والحضانات في وقت مبكر، بتجنيب اللبنانيين سيناريو الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وفي ما يلي نص المقابلة:
*ما الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة ووزارة الصحة لتجنب سيناريو انتشار الفيروس في مخيم الجليل في البقاع؟
الاكتظاظ السكاني الكبير في المخيمات جعل منها تحديًا كبيرًا لوزارة الصحة في ما يخص انتشار فيروس كورونا. ومع ظهور أول إصابة في مخيم الجليل في البقاع، ورغم كونه أصغر مخيم في لبنان من حيث المساحة وتعداد السكان، إلا أن الاستنفار الحكومي انعكس بإجراءات مباشرة على الأرض بالتنسيق مع منظمة "الأونروا" والمنظمات الدولية العاملة فيه. سريعًا، وصل فريق من مستشفى رفيق الحريري الحكومي إلى المخيم، مؤلف من فرق طبية وتمريضية وفرق للترصد الوبائي، هؤلاء أجروا الفحوصات اللازمة للكشف عن الإصابات المحتملة بالفيروس من مخالطي السيدة الفلسطينية، فكان أن أظهرت النتائج أربع إصابات من أصل 146 عينة أُخذت من المخالطين لها.
كون الإصابات الأربعة من المخالطين للإصابة الأولى، فرض شيئا من الاطمئنان لعدم وجود إصابات مجهولة المصدر تتعلق بالانتشار المجتمعي، وعلى الرغم من ذلك فإن كل الخيارات مفتوحة لجهة إجراء مسح شامل للمخيم والبدء بعينات عشوائية إذا اقتضى الأمر.
ومن الناحية الأمنية كان التعاون من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية في المخيم كبيرا، وكان التشدد واضحًا في تقييد حركة خروج ودخول اللاجئين الفلسطينيين من المخيم وإليه.
* كيف يجري التنسيق مع منظمة "الأونروا"؟
منظمة "أونروا" وضعت خطة ونفذتها في المخيم لجهة تقييد الخروج والدخول منه واليه، ولجهة إجراء المسح، اضافة الى العينات التي تم اختيارها وأخذها، والتحقيق الطبي والاجتماعي الاستقصائي، والذي يعني أخذ كل المعلومات من الشخص المصاب لجهة حركته وعدد الأشخاص الذين احتك بهم في الفترة الأخيرة وحجم الخطورة التي قد تكون لحقت بمحيطه، وطبيعة العوارض التي يعاني منها، وأيضا في ما يخص المخالطين له لجهة نقلهم إلى مراكز للحجر أو بقائهم في منازلهم في حال كانت مجهّزة وقابلة لالتزام الحجر بعيدا عن غير المشتبه بهم، كلها معايير للتقييم يتم التحقق منها بشكل متلاحق والبناء عليها.
وهناك ما يتم تحضيره في مخيم الجليل بالتنسيق مع منظمة "أونروا" له علاقة بكل المخيمات على صعيد لبنان مقرونا بالتشدد بإجراءات الوقاية حرصا على عدم انتشار فيروس كورونا.
* وفق أي معايير يجري اختيار "العينة العشوائية" في المناطق والأقضية؟
صحيح أنها تسمى عشوائية لكن المصطلح لا يعبر فعليًا عن المقصود منها، هناك أقضية لم نجد فيها أية حالة مثل البقاع الغربي، راشيا، الهرمل، البقاع الأوسط، هذه الأقضية تم أخذ عينات منها، وتم التوجه أيضًا إلى الحدود السورية وعكار واخترنا عينات للأكثر اختلاطا مع الناس مثل العاملين في الملاحم، سائقي سيارات الأجرة، المخاتير، وغيرهم من كثيري الاحتكاك بالناس.
والفكرة كانت إجراء 10000 فحص إضافي لاكتشاف فيروس كورونا لدى مواطنين غير مشتبه بهم وليس لديهم عوارض الإصابة ولا احتكوا بأناس مصابين أو محتملي الإصابة، هذا الإجراء كان من ضمن المؤشرات التي نحضرها لتقديمها للحكومة في حال قررت اتخاذ قرار برفع التعبئة العامة تدريجيًا في لبنان. كل الدول اليوم بدأت البحث في كيفية رفع إجراءات التعبئة العامة تدريجيا، والهدف من الإجراء الجديد الذي اعتمدته الوزارة كان التأكد أنه ليس هناك انتشار كبير وخفي للفيروس في كل مناطق لبنان، ونتائج العينات حتى اليوم كلها سلبية والجو كان إيجابيا.
*كيف ستخوض الدولة تحدي المرحلة الثانية من عودة المغتربين؟ وهل من إجراءات إضافية عن المرحلة الأولى؟
الثلاثاء المقبل ستنطلق المرحلة الثانية من استعادة المغتربين اللبنانيين من الخارج. وعلى مدى أسبوع سيدخل البلد حوالي 4500 إلى 5000 مغترب من دول عدة في أوروبا وإفريقيا وبعض دول الخليج، والإجراءات ستحكم السيطرة وتحد من الأخطار، وطبعا لا يمكن لأحد الادعاء بالسيطرة على الوباء اليوم بنسبة 100%، لكننا نحاول الحد من الأخطار، والتخفيف من العقبات للتعامل معها بشكل تدريجي حتى يتحملها القطاع الصحي وطاقاته الاستيعابية.الأمور إيجابية وحتى اليوم وزارة الصحة لم تقم بأية "دعسة ناقصة". هناك 4000 راكب من اللبنانيين على متن طائرات عادية فضلا عن 1000 على متن طائرات خاصة، والإجراءات تقريبا هي نفسها التي خضع لها العائدون في المرحلة الأولى، فكل من يدخل مطار بيروت قادما من الخارج سيخضع لفحص PCR.
نحن منذ بدء المرحلة الأولى لعودة المغتربين كنا نشجعهم على إجراء الفحص قبل 72 ساعة من دخولهم الطائرة العائدة إلى لبنان، لكن بمجرد دخولهم مطار لبنان يعاد لهم الفحص وبعدها يتم إرسالهم للحجر المنزلي في حال لم تثبت الإصابة، أما من يأتي من بلد لم يجرَ له فيه الفحص فيجرى له في مطار بيروت ومن ثم يتم حجره في فندق لمدة 24 ساعة حتى صدور نتيجة الفحص وعلى إثره يتم نقله إلى الحجر المنزلي فيما بعد في حال كانت النتيجة سلبية.
في المرحلة الثانية سنتشدد أكثر في إجراء فحوصات اكتشاف عدوى كورونا حتى للمغتربين الذين خضعوا للفحص في الخارج إذ تبين في المرحلة الأولى وجود بعض الأخطاء في إجراء هذه الفحوصات في دول العالم. في البدء يجري تقييم صحي للمغترب على متن الطائرة قبل أن تحط أرض على المطار، ووفقه يتم فرز المغتربين العائدين لأربعة أقسام: المصابين، المسنين، الذين يعانون من أعراض شبيهة بأعراض الفيروس، والسليمين. كلهم يتم إجراء الفحص لهم ويخضعون للحجر المنزلي لمدة 14 يوما بمرافقة وإشراف القوى الأمنية والبلديات.
اليوم في ظل اتجاه العديد من الدول لرفع قرار الإغلاق لا بد من لحاظ الحالات الإنسانية لدى المغتربين الذين من حقهم الطبيعي العودة إلى لبنان خاصة في ظل صعوبة الوضع في الخارج، فبعض الطلاب من العالقين في الخارج دون سيولة نتيجة إجراءات المصارف لجهة تقييد التحويلات بالدولار فضلا عن تحليق سعر الصرف مؤخرا يحتاجون ليد المساعدة، خاصة أن الدول ابتداء من أيار ستخفف من إجراءات الحجر وعليه ستخفف من تقديم المساعدات التي كانت مصحوبة بالإجراءات المشددة.
* ماذا عن مصير استئناف العام الدراسي؟
استئناف العام الدراسي لا يزال مثار جدل كبير في الأوساط الحكومية وقد أخذ حيزا كبيرا من توصيات الصادرة عن مجلس الوزراء، السيناريوهات كثيرة ويعود لمجلس الوزراء البت فيها واختيار الأنسب. واليوم تجري المباحثات بين وزارة التربية والمديريات المعنية ولجنة إدارة الكوارث للبت بهذا الأمر. وإذا أردنا مقاربة تجارب الدول في الخارج فمثلا في أوروبا عمدت دول إلى فتح الحضانات أولا لأن الحركة الاقتصادية تتعثر في حال بقيت الحضانات مغلقة لكون الأمهات العاملات يلتزمن البيوت إلى جانب أطفالهن، بينما اعتبرت الأكثر خطورة هي مرحلة الابتدائي، فأعمار هذه الفئة من الطلاب صغيرة والاختلاط نسبته عالية في حين أنه في الحضانة السيطرة على الأطفال أكبر. في الجامعات هناك رأي يقول إن الجامعات تتعلم عبر تقنيات التعلم عن بعد بسهولة وسلاسة ولا داعي لاستئناف العودة إلى قاعاتها، وهناك رأي آخر يقول إن هؤلاء الطلاب الجامعيين على قدر من المسؤولية وإمكانية التزامهم الإجراءات الوقائية عالية النسبة.
*ماذا عن جهوزية المستشفيات الحكومية والخاصة؟
الجهوزية لدى المشافي الخاصة والحكومية المعنية باستقبال مرضى كورونا تستند إلى تجهيزات متنوعة، أولها المختبرات لفحص كورونا مع كل مستلزماتها ومعداتها الطبية، هناك 5 مشافٍ حكومية في لبنان تقوم بفحص الـpcr وهي مستشفى رفيق الحريري الجامعي، مستشفى دار الأمل في البقاع، مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، مستشفى رزق، وهناك 10 أخرى يتم تجهيزها لإجراء هذا الفحص. هناك المعدات الطبية أيضا، وهناك تأهيل أقسام العناية لتحويلها إلى غرف ضغط سلبي negative pressure، وعددها مرتبط بالتوقع لارتفاع الإصابات، العدد الموجود اليوم يكفي لما هو موجود من الإصابات الحالية ويزيد، المشافي أنهت المرحلة الأولى والثانية لجهة تجهيزها، والأسبوع المقبل تنطلق المرحلة الثالثة، وعلى مستوى لبنان ستغطي المشافي الحكومية والخاصة الحاجة لإجراء مزيد من الفحوصات.
لدينا حتى اليوم خطة للوصول إلى ما يفوق 1500 جهاز تنفس اصطناعي في هذه المستشفيات على صعيد لبنان، اليوم هناك 1200 جهاز، لكن عمليا في المرحلة المقبلة سندخل 400 جهاز، وفي مرحلة لاحقة اتفقنا مع البنك الدولي ومنظمات الـWHO عبر قروض ومنح على إضافة المزيد من الأعداد.
في غرف العناية لا يتعدى عدد مرضى فيروس كورونا اليوم 9 أو 10 مرضى على صعيد لبنان، ومن يأخذ عناية طبية حقيقية لا يتعدى عددهم 100 مريض من كل الإصابات المسجلة حتى اليوم، ومع تخفيف إجراءات التعبئة العامة في حال حصول أي تطور سلبي لجهة عودة انتشار الفيروس سيكون لبنان قادرا على استيعابه، وهناك تقييم دائم للتطورات حتى لا نصل إلى سيناريو دول أوروبا والولايات المتحدة.
لقراءة المقال من الموقع اضغط هنا