(DW- عربية)
بعد أسبوعين من تخفيف إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، البؤرة الأولى لتفشي الفيروس، تبدو الأمور تحت السيطرة، ولكن الصين تخشى موجة ثانية من العدوى.
ولا تزال الأمور بعيدة كل البعد عما هو معتاد بالنسبة لسكان ووهان، فالحواجز التي تغلق مداخل المنازل، وشوارع بأكملها، في مكانها لم تبرحه.
ولا يزال الناس يرتدون الأقنعة الواقية (الكمامات) ويخضعون لقياس درجة حرارة أجسامهم أينما ذهبوا، ولا تزال المدارس مغلقة. وتم عمل فتحات في الحواجز الزرقاء التي تمتد بطول الشوارع والتي تغلق المحال التجارية، بحيث يستطيع الزبائن الدخول.
وكما كان الحال في السابق، يتحكم أعضاء لجان الأحياء على نحو صارم في الدخول إلى المجمعات السكنية، ويخضع الجميع للرقابة.
وعندما جرى تخفيف إجراءات الإغلاق العام في ووهان قبل أسبوعين، كان ذلك بمثابة إشارة على أن تفشي الفيروس في الصين تحت السيطرة.
والآن، وفي المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 11 مليون نسمة، يستطيع العالم أن يرى كيف يمكن أن يكون شكل الحياة عقب تفشي وباء. باختصار، لا يزال الفيروس هو الذي يحدد شكل الحياة هنا، فالخوف من كورونا قوي على نحو خاص، فهنا أصل الوباء والمنطقة الأكثر تضررا به في جميع أنحاء الصين.
وتقول الطالبة تشو التي تبلغ من العمر 25 عاما وتدرس في إحدى الجامعات بالولايات المتحدة وقد تقطعت بها السبل أثناء زيارة لمدينتها للاحتفال بالعام القمري (الصيني) الجديد: “ما زلت لا أخرج من المنزل، سواء لتناول الطعام أو التسوق”، مضيفة: “أفضل شراء الملابس أو الأشياء الضرورية عبر الإنترنت، بدلا من الخروج للتسوق”.
وتواصل تشو دراستها وهي في المنزل، فقد قامت جامعة “ستوني بروك” بولاية نيويورك، حيث تدرس، بتحويل الدراسة لتكون عن بعد، عبر الإنترنت.
وتقول تشو: “الأمر ليس سيئا إذا لم أخرج من المنزل… وعندما أخرج، أحاول تجنب الآخرين وعدم التحدث إليهم وجها لوجه”.
ويتم قياس درجة حرارة “تشو” في أي مرة تخرج من المنزل، ويتعين عليها إظهار “كود كيو آر” أخضر اللون باستخدام التطبيق الصحي الذي نشرته الصين في أنحاء البلاد. وتعني “الحالة” الخضراء أنها بخير وأنها لم تتواصل مع أي مصاب بعدوى كورونا.
وتضيف “تشو”: “أرتدي الكمامة والقفازات الواقية… وعندما أعود، أغسل يدي وأقوم بتطهير هاتفي المحمول بمادة الكحول”.
وثمة مخاوف واسعة من حدوث موجة تفش ثانية لفيروس كورونا في الصين، ولكن لم يتم حتى الآن رصد زيادة في عدد الإصابات منذ تخفيف إجراءات الإغلاق في ووهان، وفي مقاطعة هوبي، حيث تقع، على نطاق أوسع.
وتبقى الإجراءات الاحترازية كما هي: تتدخل السلطات على الفور لدى الإبلاغ عن أي حالة إصابة جديدة، وتقوم بعزل من خالطوها للحفاظ على سلسلة العدوى تحت السيطرة. ويخضع أي شخص تقرر أن يعود للعمل لاختبار الكشف عن الإصابة بكورونا. ويصل عدد الاختبارات التي تتم في ووهان يوميا إلى 50 ألفا.
وتلجأ مدن كثيرة في الصين إلى إجراء فحوص طبية، وإلى الحجر الصحي، لمن يصل إليها قادما من أي مكان آخر. وتتسم الإجراءات في العاصمة بكين بالصرامة على نحو خاص، ولا تزال المدينة تفرض حظرا على استقبال رحلات الطيران الدولية.
أما الخطر الأكبر المتعلق بتفشي كورونا، فهو حالات الإصابة المستوردة، التي تفد من الخارج، ويعني ذلك المواطنين الصينيين العائدين من أوروبا أو الولايات المتحدة أو روسيا، إلى بلادهم. أما بالنسبة للأجانب، فإن الحدود تخضع لإجراءات مشددة أكثر من المعتاد.
وثمة كارثة تلوح في الأفق على الحدود الشمالية الغربية للبلاد، مع روسيا، حيث يوجد كثير من الصينيين العالقين في روسيا ولا يستطيع أي منهم الحصول على مقعد على أي من رحلات الطيران النادرة للعودة إلى وطنه. ويتوجه هؤلاء بدلا من ذلك إلى مدينة فلاديفوستوك الروسية، ومن هناك يستقلون حافلات إلى الحدود في رحلة تستغرق ساعتين.
ويقول مسؤولون إن اثنين من بين كل عشرة من هؤلاء مصابان بكورونا، ويجرى حاليا إقامة مستشفى محلي بطاقة 600 سرير في مدينة سويفنه الحدودية الصينية.
وفي مدينة هاربين، بشمال شرق الصين، جرى اتخاذ إجراءات تأديبية بحق 18 من المسؤولين لتجاهلهم امرأة صينية عادت من الولايات المتحدة ثم اكتشف لاحقا أنها مصابة وقد نقلت العدوى إلى 50 شخصا آخرين.
وجرى حظر دخول الأشخاص والسيارات من أي مكان آخر إلى المناطق السكنية في هاربين، كما فرض 14 من أحياء المدينة حظر تجول على السكان.
وتعلن وزارة الصحة الصينية في الوقت الحالي عن قليل من الإصابات في أنحاء البلاد، وعلى نحو متزايد، تراجعا في حالات الإصابة القادمة من الخارج. وهناك شكوك بشأن مصداقية هذه الأرقام.
وفجأة، أعلنت ووهان الأسبوع الماضي مراجعة الإحصاءات الخاصة بحالات الوفاة جراء الإصابة بفيروس كورونا، لتضيف 1290 وفاة لم تعلن من قبل. وبذلك ارتفع عدد الوفيات في الصين إجمالا إلى 3896.
وألقى المسؤولون باللوم في ذلك على “تقارير متأخرة، أو مفقودة أو خاطئة”، وقالوا إن كثيرين توفوا في منازلهم في الوقت الذي كانت فيه المستشفيات تتحمل فوق طاقتها.
ومن المرجح أن تتضمن الإحصاءات الصينية الرسمية -والتي تتحدث عن 83 ألف حالة إصابة مؤكدة بكورونا في البلاد- بشطب حالات كثيرة، رغم أن مراقبا أجنبيا قال لوكالة الأنباء الألمانية إنهم يصدقون هذا الاتجاه.
ويتم تصنيف الأحياء الـ13 في ووهان حاليا على أنها “منخفضة الخطورة”، حيث يمكن رؤية أعداد متزايدة من الناس والسيارات في الشوارع.
ويقول المدرب وانغ تيانشين: “الأمر طبيعي للغاية في السوبر ماركت”، مشيرا إلى استمرار إغلاق سوق الخضروات وصالة الألعاب الرياضية الخاصة به.
وتعافى الرجل الذي يبلغ من العمر 45 عاما من الإصابة بكورونا، ولكن الفيروس القاتل أودى بحياة حماته. ويقول وانغ إنه لا يخشى أن تعاوده الإصابة، ولكنه عندما يعود إلى بيته يقوم برش الكحول على معطفه لتطهيره، ثم يعلقه في الهواء الطلق.
ويعكس وانغ رأي كثير من الصينيين عندما يقول إن القيود الصارمة المطبقة حاليا لمكافحة فيروس كورونا ليست زائدة عن الحد على الإطلاق.
ويشرح: “إنها ليست شديدة الصرامة، وإنما ملائمة. يجب أن تستمر على هذا المنوال”. وعندما يتحدث البعض عن “الوضع الطبيعي الجديد” أو حتى “الوضع غير الطبيعي الجديد”، يرد وانغ بالقول: “نحن في مرحلة انتقالية من اللا طبيعي إلى الطبيعي”.