نقلا عن صحيفة لوموند
وفقا للمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، وُلد 53 ألفا و900 طفل فقط في فرنسا في يناير/كانون الثاني، أي أقل بنسبة 13% مقارنة بالعام السابق. ويرتبط انخفاض معدل الولادات أساسا بالظروف الاقتصادية والصحية.
وفي تقرير نشرته صحيفة "لوموند" (lemonde) الفرنسية، يشير الكاتب أدريان سينيكات إلى أنه في ربيع عام 2020، كانت التوقعات تنبئ "بطفرة في المواليد" في أعقاب أول حجر صحي وطني، لكنه بعد مرور عام، يسجل معدل المواليد انخفاضا كبيرا في فرنسا، وفقًا للبيانات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية يوم الخميس 25 فبراير/شباط الماضي.
فقد وُلد 53 ألفا و900 طفل فقط في البلاد في يناير/كانون الثاني، في حين وُلد 62 ألفا و180 طفلا في الشهر نفسه قبل عام، ويقدّر التراجع بنسبة 13%.
وتوقع الديمغرافيون هذه الأرقام، لأن الأمر يتعلق بأول شهر كامل يسمح بقياس تأثير الأزمة الصحية في معدل المواليد، بتأخر يقدر بـ9 أشهر (بدأ الحجر الصحي الأول في 17 مارس/آذار 2020).
وتؤكد هذه الأرقام بوضوح أول انخفاض بنسبة 7% في المواليد لوحظ في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نتيجة الأيام الـ15 الأولى من فرض الحجر الصحي في البلاد.
قلق بشأن المستقبل
ويضيف الكاتب أن هذه الأرقام تعدّ ضخمة، حتى في ظل الانخفاض المستمر في معدل المواليد في فرنسا منذ سنوات عدة. ففي عام 2019، على سبيل المثال، بلغت نسبة الانخفاض 0.7% مقارنة بعام 2018.
وتوضح إيزابيل روبرت رئيسة قسم البحوث والدراسات الديمغرافية في المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية أنه "تنبغي العودة إلى نهاية (طفرة المواليد)، في عام 1975 "لملاحظة انخفاض" شبيه بما سُجّل في شهر يناير/كانون الثاني 2020.
ويربط الخبراء الصلة بين الوباء وانخفاض عدد المواليد في الأسابيع الأخيرة، فلم يفاجئهم ذلك. ويؤكد جيل بيسون الباحث المشارك في المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية أنه "منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تسببت الأزمات الاقتصادية في كثير من الأحيان في انخفاض المواليد".
وفقا لهذا الخبير الديمغرافي، "يمكن ربط هذا الأمر بالقلق وعدم اليقين بشأن مستقبل فترات الأزمات، إذ يقرر بعض الأزواج تأجيل خطة الإنجاب إلى وقت لاحق".
ويمكن أن ينطبق الأمر على الأسر التي تأثرت بالوباء بشكل مباشر، لأنها، على سبيل المثال، فقدت أحد أفراد أسرتها أو العمل. وكذلك قد ينطبق على بقية العائلات التي تأثرت بالظروف العامة ببساطة.
وقد يكون لعوامل أخرى أكثر ارتباطا بالأزمة الصحية تأثير أيضًا، وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، أُغلقت مراكز الإنجاب المدعومة طبيًا أثناء الحجر الصحي من مارس/آذار إلى مايو/أيار، علما أنها مسؤولة عن نحو 3% من الولادات في فرنسا كل عام، وفقًا لدراسة أجراها المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية ونُشرت عام 2018.
مخاوف انتقال كورونا إلى الطفل
ومن العوامل الأخرى أيضا، نجد المخاوف بشأن الانتقال المحتمل لفيروس كورونا من الأم إلى الطفل، وهي ظاهرة بات من الواضح اليوم أنها نادرة على الرغم من أنها ممكنة، لكن ذلك لم يكن معلوما في مارس/آذار 2020.
انتعاش المواليد بعد الأزمة؟
وعلى الرغم من أن البيانات غير كافية لتحليل هذا الانخفاض في معدل المواليد بدقة، فإن كل المؤشرات تدل على أن هذه الظاهرة لا تقتصر على فرنسا. ففي الولايات المتحدة، يتوقع المتخصصون أيضًا "انهيار نسبة الولادات"، عوضا عن طفرة المواليد.
وفي مناطق أخرى من أوروبا، يمكن أن تنتج الأسباب نفسها التأثيرات ذاتها كما في فرنسا، لكن بنسب متفاوتة. ويتوقع عالم الديمغرافيا جيل بيسون أنه "على الأرجح، لن تكون بلدان مثل فرنسا التي تعتمد سياسات اجتماعية متطورة، الأكثر تضررًا".
لكن إيطاليا وإسبانيا اللتين تسجلان بالفعل معدل مواليد منخفض، وحيث يكون الدعم الأسري أضعف، يمكن أن تشهدا تراجعًا أكثر وضوحًا في المواليد. ومع ذلك، لا أحد يدرك مدى انتشار الظاهرة على المدى البعيد.
وتعلق روبرت بوبي من المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية على ذلك قائلة "لا نعرف حتى الآن ما إذا كان هذا الانخفاض في عدد المواليد في يناير/كانون الثاني سيكون اتجاها دائما أم ظاهرة مؤقتة". ويحذّر بيسون من أنه بما أن الأزمة الصحية مستمرة منذ عام "فيمكننا توقع انخفاض عدد الولادات في 2021 مقارنة بعام 2020".
لكن الأمر قد يتغير عاجلًا أم آجلًا، فوفقًا للباحث بيسون "تقليديا، لا توقف الأزمة الولادات، لكنها تؤجلها". ويظل السؤال المطروح متمثلا في ما إذا سيتم تسجيل زيادة في المواليد عند انتهاء الوباء، أو أنه سيثبط بشكل دائم أولئك الذين يخططون لتوسيع أسرهم.