(جريدة الأخبار اللبنانية)
مشكلة حكوماتنا المتعاقبة هي التقليد الأعمى للغرب، دون الأخذ في الاعتبار أوضاع بلدنا، فنتحول إلى بطّة عرجاء لا تستطيع المشي كما كانت تفعل، وهي أعجز من مجاراة دول الغرب بسبب انهيار اقتصادها وإفلاسها.
أولوية تلقيح المسنّين
اتخذت وزارتنا قراراً بتقديم اللقاح للمسنّين قبل أي فئة أخرى أسوة بالغرب. فهل هذا هو القرار الصحيح في بلد متهالك، أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر؟ إن بلدان الغرب والدول المتقدمة تضع حلولاً من هذا النوع لأنها تدعم مالياً القطاع الاقتصادي المنكفئ بسبب وباء الكوفيد، وهذا ليس متوافراً هنا. لذلك اتخذت دول أخرى قرارات مغايرة، فقررت أندونيسيا مثلاً بدء التلقيح في كل مراكز الإنتاج الاقتصادي والصناعي، والهيئات التعليمية، لتعود الحياة الطبيعية في أسرع ما يمكن وتقليل الخسائر، وخاصة أن المسنّين متقاعدون، غير منتجين، ويمكن إلزامهم بالبقاء في بيوتهم على أن يتم تلقيحهم لاحقاً.
اللقاح مجاني للأثرياء والميسورين
منذ البداية كان معروفاً أن لبنان مفلس وهو سيستجدي اللقاحات، لذلك لن يكون بمقدوره شراء كميات كافية لتلقيح عموم اللبنانيين. كانت النتيجة أنه بدلَ أن يقدم هذا اللقاح المجاني للطبقات الفقيرة والمعدمة والتي هي بحاجة ماسّة إلى العمل اليومي لتأمين قوتها، وجدنا أن الأغنياء المسنّين والميسورين، هم أول من تلقّوا اللقاح، لأن في حوزتهم هواتف ذكية يستطيعون عبرها تعبئة استمارات المنصة الإلكترونية! بربّكم من أصل أربعة ملايين لبناني كم واحداً عنده هاتف ذكي؟ ثم يتذمّرون من أن الشعب في الأرياف والمناطق الفقيرة غير متحمّس للقاح. كان المفترض تعبئة المعلومات المطلوبة عند الدخول إلى المستشفيات للتلقيح، ووجود جهاز فني لإنجاز هذا الأمر، وخاصة أن الأطباء لا يتوقفون من ترداد أن الخلاص الوحيد هو بتلقيح 70 إلى 80 % من السكان.
الشركات الخاصة
في البدء شدّدت الحكومة على أنها الجهة الوحيدة المولَجة بإحضار اللقاح. لماذا الاحتكار في بلد سائب، يمتهن الاقتصاد الحر، ويبزّ فيه أكبر الدول الرأسمالية. في الثلاثين سنة الماضية لم يبق صنف من المأكولات أو الملابس الفاخرة، أو السيارات، إلا ودخل البلد، وكأننا من أثرى بلدان العالم، وحين وصلنا إلى اللقاح مُنع عنا بحجة أن الدول لا تقبل بذلك، لنجد أن هذا الكلام ليس صحيحاً، وأن الكثير من الدول حاضرة بأن تبيعنا اللقاحات الضرورية لإنقاذنا.
أوقفوا إعطاء اللقاح المجاني للأغنياء، وحوّلوه إلى الفقراء، واسمحوا للشركات الخاصة بإدخال اللقاحات، فالطبقة الوسطى وما فوق تستطيع دفع مبالغ هي زهيدة مقارنة بالبذخ الذي عاشته في العقود الماضية.