(جريدة الأخبار اللبنانية)
تشغل مرحلة «ما بعد كورونا» مراكزَ البحث والدراسات في عدد من الدول التي تولي «مراكز التفكير» مكانة على طاولة التقدير والقرار، ومن بينها الكيان الإسرائيلي الذي لا تفارق وجوده التهديدات على اختلافها
من الأسئلة التي تشغل مراكز التفكير في تل أبيب مواكبةُ وتقدير تبعات فيروس كورونا الحالية على مجمل الدول والكيانات في المنطقة والعالم، وخاصة من لديها تأثير في تكوين وتنامي الفرص والتهديدات في مواجهة إسرائيل، وفي المقدمة المحور المعادي بقيادة إيران، وكيانات من غير الدول في مقدمتها حزب الله في لبنان. من بين مراكز التفكير الإسرائيلية، يبرز «معهد القدس للاستراتيجيا والأمن» الذي يعدّ واحداً من أهم مصادر المشورة في دائرة القرارات الاستراتيجية لتل أبيب الرسمية بقطاعاتها الحكومية، على خلفية مكانة خبرائه وباحثيه وتجاربهم، ممن يغلب عليهم الاتجاه اليميني المسيطر بدوره على بلورة القرارات.
هل تعزز أزمة كورونا التهديدات وتعاظمها أم تقلصها؟ وماذا عن الفرص الكامنة فيها؟ هذه الأسئلة كانت في صلب ورقة بحثية صدرت عن المعهد تحت عنوان «أزمة كورونا والشرق الأوسط»، خلصت إلى «خليط» من التقديرات بين بقاء الاتجاهات في المنطقة في مسارها الذي كانت عليه قبل «كورونا»، ومن قدر معتبر من غياب اليقين. في الخلاصة العامة للورقة، التي جاءت بعنوان «نظرة على المستقبل القريب»، يرد الآتي:
ــ لا ترجح التقديرات حدوث تغييرات كبيرة في ميزان القوى في المنطقة في مرحلة «ما بعد كورونا»، ومن المحتمل أن استمرار الاتجاهات التي سادت ما قبل الفيروس على حالها هي أكثر التوقعات دقة.
ــ الصراعات في الشرق الأوسط لم تتجمد، والصقور يواصلون نشاطهم، وإن كان لكورونا التأثير في القدرات الحالية للكيانات السياسية في المنطقة، فستكون تأثيرات على المدى القصير وتتسبب في تركيز جميع أنشطة هذه الكيانات على بقائها والحد من الأضرار البشرية والاقتصادية. لكن لا يوجد حتى الآن أي انطباع عن دوافع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة وطاقاتهم.
الصراعات في الشرق الأوسط لم تتجمد، والصقور يواصلون نشاطهم
ــ في بعض الحالات، قد يؤدي فشل الأنظمة في مواجهة الفيروس، مع حقائق اقتصادية قاسية في الدول العربية مثل مصر التي تواجه انهياراً للقطاع السياحي، إلى تشجيع الإسلاميين على العودة إلى الساحة السياسية ومحاولة تقويض الاستقرار. وفي المقابل، الدولتان الأكبر حجماً وغير العربيتين، تركيا وإيران، مع نموذجين مختلفين جداً من الأيديولوجية الإسلامية، تأخرتا في مواجهة الوباء، وحاولتا التقليل من أهميته. مع ذلك، لا تزال الآثار السياسية الداخلية للفيروس غير واضحة على النظامين.
أما من جملة الاتجاهات التي كانت سائدة في المنطقة قبل أزمة كورونا، ويقدّر لها أن تستمر، فيشار إلى:
ــ رغم أن كورونا ضربت إيران، فإن أولويات النظام لم تتغير في زمن كورونا، إذ تستمر طهران في دعم الميليشيات الموالية لها في العراق لإخراج القوات الأميركية، ومساعدة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد والميليشيات الموالية لها في سوريا، وكذلك تأمين المساعدة المالية لحزب الله، وإن كانت مخففة، لتعزيز سيطرته في لبنان، فضلاً عن دعم الحوثيين (أنصار الله) في اليمن. تستمر إيران أيضاً في مضايقة السفن الحربية الأميركية في الخليج، ما تسبب في رد فعل عنيف من الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب. ومع غياب أي إشارة مؤكدة إزاء تغيير الاتجاه من جانبها، يتوقع المزيد من التصعيد مع الإدارة الأميركية الحالية، وإن كان التقدير أن يتبع الحزب الديموقراطي خطاً أكثر تصالحاً.
ــ هناك احتمال كبير لاستمرار الاتجاهات التي ميّزت سياسات القوى الكبرى في الشرق الأوسط: الولايات المتحدة والصين وروسيا، إذ يقدر أن تستمر الولايات المتحدة في تقليص وجودها في المنطقة بغض النظر عن هوية الرئيس المقبل. أما روسيا، فترى في الشرق الأوسط ساحة خلفية استثمرت فيها استثماراً صغيراً نسبياً لإثبات أنها حليف مخلص، الأمر الذي جعلها تسجل اختراقات في دول أخرى في المنطقة، والوباء مهما كان قاتلاً لا يغير من الاعتبارات الاستراتيجية.
ــ يقدر أن تستمر الصين، التي ترغب في دور أكثر مركزية في النظام الدولي، في محاولة بناء نفوذها في المنطقة، عبر المنح والاستثمارات والحملات الدعائية.
لكن، يعتمد الانتعاش الاقتصادي لبلدان الشرق الأوسط على الاتجاهات اللاحقة في الاقتصاد العالمي، التي لا تزال غير واضحة، فماذا سيكون مصير أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين؟ هل ستعود الأخيرة قريباً إلى شراء النفط من الخليج كما كان الأمر قبل تفشي الوباء، ما يعني إرجاع سعره إلى مستوياته السابقة؟ وماذا عن السوق الأميركية، وهل ستعود لشراء سلع من أنحاء العالم؟ هذه هي الأسئلة المفتاحية لتحليل وتقدير إمكانية الخروج من الأزمة الاقتصادية.
من ناحية إسرائيل، الواضح أن أزمة كورونا، التي تسببت في خسارة مالية واقتصادية ضخمة، تقلص فرص تحقيق خطة الجيش المتعددة السنوات (تنوفا)، التي تتطلب ميزانية إضافية للمؤسسة العسكرية تبلغ 20 مليار شيكل (5.7 مليارات دولار)، أي التسبب في رفض مطالب زيادة الميزانية الأمنية، القائمة على تحليل الواقع الاستراتيجي الذي تعيشه إسرائيل، وهي خسارة صعبة. وفي حال خرجت إسرائيل في نهاية المطاف من الأزمة بنتيجة جيدة، فستضيف بالطبع نقاطاً إلى صورتها الدولية كدولة ناجحة. لذلك، إن مقاومة الاختبار المتمثل في «كورونا» والخروج منه بأقل قدر من الضرر الاقتصادي، يعدّان أمرين مهمين وضروريين لتعزيز الردع الإسرائيلي في المنطقة وإبعاد الحرب عن فلسطين المحتلة.
https://www.al-akhbar.com/World/287886/إسرائيل-مشغولة-بـ-تغييرات-الشرق-الأوسط-بعد-كورونا