نقلا عن الجزيرة نت
لم يصلوا لوجهتهم ولم يعودوا من حيث أتوا، بعضهم فقد ذويه وهو في الطريق، ومنهم من تفاقمت أوضاعهم الصحية، وبينهم نساء وشيوخ وأطفال يتضورون جوعا في منطقة باردة جدا، ويستغيثون ولا يُغاثون.
قبل 54 يوما حجز 28 جزائريا تذاكر السفر على الخطوط الجوية لدولتهم، وبدل عناق الوطن بعد ألم الغربة حلّ بهم البلاء من حيث لم يحتسبوا.
فور وصولهم إلى مطار شارل ديغول (Charles-de-Gaulle) في باريس بتاريخ 26 فبراير/شباط الماضي، رفضت شركة الطيران الجزائرية صعودهم على متن رحتلها المتوجهة إلى الوطن لأسباب صحية مرتبطة بالسلالة البريطانية لفيروس كورونا، وظلوا عالقين في المنطقة الدولية بالمطار الرئيسي في باريس رغم صلاحية تذاكرهم وحيازتهم اختبارات سلبية لكورونا وتلقي بعضهم اللقاح.
بعد حوالي 3 أسابيع، تمكن 3 منهم فقط من الوصول إلى الجزائر. ولا يزال البقية في المطار الباريسي يفترشون الأرض وينامون على صوت نداء الرحلات وضجيج المسافرين.
ومن 26 فبراير/شباط إلى 8 مارس/آذار الماضيين، قدمت الخطوط الجوية الجزائرية تعويضا يوميا غير كاف في منطقة العبور في المطار المعروفة بغلاء الأسعار.
وبعدها أهمِلوا ولم يحصلوا على وجبات، وكانوا يستخدمون الماء البارد لتنظيف أنفسهم في مراحيض المطار.
ولم تسلط وسائل الإعلام الضوء على هذه القضية إلا عند تدخل المحامي الفرنسي ألكسندر أوندريه والمحامية كريمة حاج سعيد يوم 21 مارس/آذار الماضي، اللذين نشرا مقاطع فيديو عن محنة العالقين التقطها المسافرون.
وقد قامت مجموعة "إيه دي بي" (ADP) التي تدير مطار شارل ديغول، بتقديم وجبتين لكل شخص، وخصصت 5 غرف لـ26 شخصا في فندق للسماح لهم بالاستحمام بالتناوب بعد ضغوط من المحامين.
ويوم 11 أبريل/نيسان الحالي عاد شخصان إلى لندن و17 توجهوا إلى تونس حيث لا يزالون عالقين. وبعد ذلك بأسبوع، عاد مسافر آخر إلى لندن.
وضع مزر
وفي حديث للجزيرة نت، قال المحامي ألكسندر أوندريه "حصلت إحدى المسافرات على إذن السفر لسبب قاهر بسبب وضع والدتها الخطير، إلا أنها علمت بخبر وفاتها وهي عالقة في المطار".
ويضيف "زرت المطار 10 مرات، إن الوضع مروع".
ولا يزال في المطار الباريسي 5 جزائريين، منهم رجل عمره 55 عاما استقال من وظيفته في لندن لينضم إلى أسرته في الجزائر، وآخر انتهت تأشيرته في أكتوبر/تشرين الأول 2020 ويرغب في العودة بشكل نهائي، بالإضافة إلى سيدة تبلغ من العمر 74 عاما برفقة ابنتيها.
ويقول المحامي أوندريه "جميعهم متعبون ومصابون بالاكتئاب وفي حالة صحية سيئة، نقص وزنهم بشكل ملحوظ ويعانون من الإسهال. لم يتنفسوا الهواء النقي منذ شهرين. إننا قلقون للغاية بشأن الحالة الصحية للأختين".
ويضيف "من المشين التخلي عن أناس بهذا الشكل. نذهب لإنقاذ الناس على بعد آلاف الكيلومترات ونهمل 26 شخصا في مطار في باريس ونتجاهلهم ونسعى للتهرب من المسؤولية".
دعاوى قضائية
في 21 مارس/آذار الماضي رفع المحاميان دعوى ضد السلطات الفرنسية لحملها على تحسين وضعية العالقين وتقديم الرعاية الصحية لهم.
وفي 26 مارس/آذار السابق قدما استئنافا في المحكمة للحصول على إذن الدخول للقاء موكليهما بعد أن منعتهما الإدارة المركزية لشرطة الحدود من دخول المطار لأنهما في منطقة عبور دولية.
ثم قدما استئنافا ضد الشركة الجزائرية لتعويض وترحيل موكليهما إلى الجزائر. إلا أن القضاة الفرنسيين حكموا بأنه لا توجد حالة طوارئ قاهرة للسفر.
وهو القرار الذي فسره المحامي "بعدم رغبتهم في محاكمة الدولة الجزائرية أو إدانتها".
ويعلق المحامي أوندريه "إنها حالة إنسانية في بلد ينادي بحقوق الإنسان. فرنسا مسؤولة عن حرمان هؤلاء الأشخاص من الحرية. نتحدث هنا عن 26 شخصا، بقي منهم 5، ظلوا 26 يوما دون الوصول إلى محامين وأطباء ووسائل إعلام".
تبريرات جزائرية
من جانبها، عرضت الخطوط الجوية الجزائرية نقل العالقين إلى لندن أو إلى الجزائر من دون أي تعويض.
وبحسب المحامي أوندريه، فإن الشركة تختبئ وراء الإجراءات الصحية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية، مع العلم أن الحدود لم تكن مغلقة يوم 26 فبراير/شباط الماضي.
وخلال تلك الفترة، سافر الكثيرون إلى الجزائر من باريس ولندن.
وفي تصريحات صحفية، قال سفير الجزائر في فرنسا إنه تم إبلاغ المسافرين بالعودة إلى بريطانيا بسبب الأزمة الصحية، وإن المسافرين يحملون جوازات سفر لم تصدر في الجزائر.
وينفي المحاميان صحة ما ورد في هذه التصريحات لأن الرحلات الجوية مع فرنسا علقت يوم 17 مارس/آذار السابق، وأن المسافرين لم يتم إعلامهم إلا يوم وصولهم باريس.
كما أن لدى 4 من المسافرين العالقين اليوم جوازات سفر أصدرت في الجزائر.
يذكر أن الجزيرة نت حاولت التواصل مع سفارة الجزائر في باريس وإدارة شركة الطيران، إلا أنهما امتنعتا عن التعليق.
في الوقت نفسه، تنتظر السلطات الفرنسية من الجزائر أن تمنحهم الإذن بالمغادرة، لأن باريس لو قررت ترحيلهم على متن طائرة فرنسية تخشى احتمال أن ترفض الدولة الجزائرية دخولهم.
ويرجع المحامي الفرنسي هذا التعتيم والإهمال إلى العلاقات المتوترة بين باريس والجزائر.
وتفيد بعض الأرقام بوجود 25 ألف جزائري تقطعت بهم السبل في الخارج منذ بدء تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد الذي ظهر في الصين لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2019.