(القبس الكويتية)
لا تزال نهاية وباء «كورونا» غامضة أمام البشرية، رغم معرفتها الكثير عن بدايات الفيروس وكيفية نشوئه وبعض أساليب مقاومته.
لكن التاريخ يقدم لنا بعض اللمحات من خلال تجارب البشرية مع الأوبئة خلال المئة عام الأخيرة، التي عرضتها مجلة «ساينتفك أميركان» العلمية المرموقة.
وفق التجارب السابقة، فإن المجتمعات تكتسب مناعة جماعية من خلال الأجسام المضادة، بعد أن يطال الوباء عدداً كافياً من التعداد السكاني، إلا أن الأمر يحتاج لسنوات عدة، ويسبق حدوثه خراب.
الإنفلونزا الأسبانية
يعتبر تفشي الإنفلونزا الأسبانية بين 1918 و1919 أحد أبرز الأمثلة في التاريخ الحديث على كيفية التعايش مع المرض، حيث لم يكن لدى الأطباء أساليب المواجهة نفسها التي نمتلكها الآن.
وأصاب المرض خلال عامين وثلاث موجات تفشي نحو 500 مليون شخص، وقتل ما بين 50 إلى 100 مليون، وقد انتهى الأمر بتحوله إلى عدوى طبيعية تمنح مناعة للمتعافين منه.
وقد توطنت سلالة الإنفلونزا الأسبانية أو كما تعرف بـ H1N1، حيث انتشرت بعدها بمستوى مخفض كفيروس موسمي خلال 40 عاماً لاحقة، وقد أُخمد الوباء على يد وباء جديد في عام 1957، وهو H2N2 أو الإنفلونزا الآسيوية.
الأمر أشبه بأن يقوم فيروس بطرد الآخر، ولا يفهم العلماء كيف يحدث ذلك، وفق تقرير «ساينتفك أميركان».
وباء سارس
نشأ وباء «سارس» في عام 2003 عن فيروس تاجي، وليس عن طريق فيروس الإنفلونزا، وهو يشبه نوعا ما فيروس «كورونا» الذي نعاني منه حاليا.
ويعتبر الفيروس الذي تسبب في وباء سارس الأشد من بين جميع عائلة الفيروسات التاجية، لكن بفضل التكتيكات الدفاعية مثل عزل المرضى، وعزل جهات الاتصال الخاصة بهم، وتنفيذ الضوابط الاجتماعية، اقتصرت حالات التفشي السيئة على عدد قليل من الإصابات في بعض المواقع مثل، هونغ كونغ، وتورنتو.
وفي حالة سارس، كان الاحتواء هذا ممكنا لأن أعراض المرض تظهر بسرعة وبوضوح، حيث عانى المصابون من الحمى ومشاكل التنفس الشديدة بعد إصابتهم.
ويقول عالم الوبائيات بنيامين جولينغ من جامعة هونغ كونغ إن معظم مرضى سارس لم يكونوا معديين، إلا بعد مرور أسبوع على ظهور الأعراض، كما أنه في حالة التعرف عليهم خلال فترة الأسبوع وعزلهم، فلن يحدث انتشار للمرض.
إنفلونزا الخنازير
عندما تسبب فيروس H1N1 بإنفلونزا الخنازير في عام 2009، خاف العالم من أن يؤدي إلى مصير الإنفلونزا الأسبانية عام 1918، إلا أن المرض الجديد لم يكن بالشدة نفسها.
واستطاع العلماء الوصول إلى لقاح لمواجهة الوباء بعد مرور ستة أشهر من ظهوره، وبعكس لقاحات الحصبة والجدري، فإن لقاح الإنفلونزا يمنح مناعة لبضع سنوات.
ونتيجة لذلك، يجب تحديث اللقاحات ومنحها بانتظام، وقد استطاع لقاح الإنفلونزا في تخفيف الموجة الثانية من الوباء في شتاء 2009.
وفي نهاية المطاف، أصبح مصير الفيروس مشابها لمصير الإنفلونزا الأسبانية، من حيث كونه إنفلونزا موسمية، يستطيع الناس تجنب الإصابة منها بفضل لقاحات الإنفلونزا والأجسام المضادة الناشئة من العدوى السابقة.
ماذا عن «كوفيد - 19»؟
يتوقع تقرير «ساينتفك أميركان» أن تكون نهاية «كوفيد-19» على يد مزيج من الأساليب، كالتباعد الاجتماعي من أجل كسب الوقت، والعلاجات المضادة للفيروسات لتخفيف الأعراض، بالإضافة إلى اللقاحات.
وستظل مدة تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي مرهونة بشكل كبير باستجابة الناس للقيود وكيفية استجابة الحكومات.
أما بالنسبة للنصف الآخر المتعلّق بالعلم، فقد تكاتف العلماء من أجل التوصل لاختبار للكشف عن الأجسام المضادة، ما سيعيد الناس إلى أعمالهم بسرعة إذا تم التعرف على أصحاب المناعة المكتسبة.
بالنسبة للقاح، فإن الأمر قد يستغرق عاما من الآن. ومع ذلك، فإن هناك سبباً للاعتقاد بأن اللقاح سيعمل بشكل فاعل، فبالمقارنة مع فيروس الإنفلونزا، فإن فيروس «كورونا» المستجد لا يمتلك العديد من الطرق للتفاعل مع الخلايا المضيفة.
ويخلص تقرير «ساينتفك أميركان»، إلى أنه إذا لم يتم منح اللقاح لسكان العالم، فإن «كوفيد - 19» سيصبح متوطّناً، بحيث سينتشر ويصيب الناس بشكل موسمي، وأحياناً سيكونون مرضى بشدة نتيجة الإصابة. وفي حال استمر المرض وسط البشر لفترة طويلة، فإنه سيبدأ في إصابة الأطفال في سن مبكرة، ولكن بأعراض خفيفة، وحتى الآن يبدو أن الأطفال أقل عرضة للإصابة بمرض شديد، في حال ما أصيبوا به مجددا كبالغين.
ويختتم تقرير المجلة الأميركية بالقول أن «مزيج اللقاح والمناعة الطبيعية سيحمي الكثير منا، إن فيروس كورونا سيعيش مثل معظم الفيروسات، ولكن ليس كطاعون يملأ الكوكب».
https://alqabas.com/article/5771108-نهاية-كورونا-عبر-مزيج-من-الأساليب