(الراي الكويتية)
على الرغم من محاولات الصين إخفاء أرقام الإصابات وفحوصات الكشف عن فيروس كورونا المستجد بين سكانها. وعلى الرغم من محاولاتها إظهار أنها تفاعلت بسرعة لمكافحة انتشار الوباء، إلا أن إجماعاً بين الأميركيين ووسائل إعلامهم، من الحزبين الجمهوري الحاكم والديموقراطي المعارض، يظهر أن غالبيتهم تلوم الحكم الديكتاتوري على سوء إدارته الأزمة، وأنه بدلا من أن تنجح بكين في وأد الوباء في مهده، تساهلت مما أدى إلى انتشاره عالمياً.
وزاد في الطين بلّة، سوء الصناعة الطبية التي صدرتها بكين الى دول العالم، فلا الأقنعة منعت انتقال الفيروس، ولا الفحوصات كشفت إصابة الناس به، بل إن فحوصا كثيرة جاءت سلبية لناس مصابين، وهو ما أدى الى عدم عزلهم وتالياً اختلاطهم مع آخرين ومساهمتهم في نشر الوباء على نطاق أوسع.
في هذه الأثناء، أظهر النقص في المواد الطبية الخطأ الفادح الذي ارتكبته الإدارات الأميركية المتعاقبة بموافقتها على نقل عدد كبير من الصناعات، منها استراتيجية مثل الصناعات الطبية، الى الصين. وعزز النقاش، وفساد المواد الصينية، موقف اليمين المطالب بالتراجع عن خطوات العولمة الاقتصادية التي أدت لانتقال عدد من الصناعات الى الصين، بل إعادة هذه الصناعات إلى الولايات المتحدة، مع ما يعني ذلك من إغلاق حدود ورفع رسوم جمركية في وجه الصادرات الصينية الى أميركا.
وتوسّع النقاش الأميركي ليصل شواطئ أوروبا، التي صارت تبدي انزعاجها من الممارسات الصينية معها، فالصين تكاد تشتري إيطاليا واقتصادها بأكمله، وهي تشتري شركات، وتنقل منها التكنولوجيا الى نظيراتها الصينية، ثم تترك هذه الشركات تفلس، فتنفرد الصينية بالأسواق العالمية، ويخسر الإيطاليون أعمالهم التي هاجرت الى الصين.
ويعتبر بعض الخبراء أن أحد أسباب تفشي كورونا السريع في إيطاليا، سببه العلاقة الوطيدة بين بكين والمصالح الإيطالية، وخوف روما من إعلان حال طوارئ ضد فيروس وارد من الصين، وهو ما أدى الى اندلاع الكابوس الذي خطف حياة أكثر من 27 ألف إيطالي حتى الآن.
لوك باتي، مؤلف كتاب «كيف تخسر الصين: مواجهة طموحات الصين العالمية»، يعتقد أن الأوروبيين يتوهمون من القدرات الصينية التجارية. ويقول: «أساء العديد من صانعي السياسة الأوروبيين قراءة أهمية التجارة مع الصين، اذ غالباً ما يتباهى مسؤولو الاتحاد الأوروبي بأن تدفق البضائع يومياً بين الهيئة الإقليمية والصين يزيد على 1.6 مليار دولار».
ويضيف: «لكن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتداول ما يقرب من 30 مليار دولار يومياً كتجارة بين الشركاء الداخليين والخارجيين من غير الصين».
ويعتبر الخبير الأميركي من أصل أوروبي، في دراسة في دورية «فورين بوليسي»، أن «تبعية أوروبا الاقتصادية للصين أسطورة، فالصين كانت تمثل 5.5 في المئة فقط من إجمالي التجارة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في عام 2018، وإذا تأملنا الأرقام بدقة، نجد أن أهم شريك تجاري لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هو الاتحاد الأوروبي نفسه، اذ إن ما يقرب من ثلثي إجمالي التجارة لكل دولة عضو في الاتحاد هي مع شركائها في الاتحاد نفسه، وهي تجارة مدفوعة بالقرب الجغرافي، والمعرفة التجارية والثقافية، والسوق الموحدة، والاتحاد الجمركي».
وكما غالبية الخبراء الأميركيين ممن يلقون باللائمة في تفاقم أزمة الوباء على انتقال بعض الصناعات الى الصين، يقول باتي إن الفيروس أظهر «أن الاعتماد على الإنتاج في الخارج يمكن أن يكون خطيرا في أوقات الأزمات، فانتشار الفيروس في الصين تسبب بعمليات إغلاق وتوقف في العديد من الصناعات، وصارت الشركات متعددة الجنسية عرضة للتأثر بسبب الاعتماد المفرط على منتجات وسيطة صينية معينة في الإلكترونيات الاستهلاكية، والسيارات، والمستحضرات الصيدلية، ناهيك عن لوازم الطب الحيوي».
وكان وزير المالية الفرنسي برونو لومير انضم إلى عدد من المسؤولين الأوروبيين الآخرين وإدارة الرئيس دونالد ترامب، في اعتبار أن أوروبا وأميركا بحاجة للتخلص من نقاط الاعتماد على الصين، بما في ذلك عدد كبير من الصناعات.
في سياق متصل، شن طلّاب جامعة هارفرد العريقة هجوماً ضد إدارة جامعتهم لما اعتبروه «مسايرة للصين» ومحاولة «تكميم أفواه وتعامي عن تجاوزاتها الفاضحة في مجال حقوق الإنسان»، وذلك للحفاظ على مصالح الجامعة مع الصين.
وكتب ماتيو وونغ، في صحيفة الجامعة «ذا كريمسون»، أنه «على الرغم من أن العلاقة بين هارفرد والصين كانت تنطوي دائماً على منفعة متبادلة، إلا انها كانت علاقة غير متكافئة لعقود من الزمن، فالصين تحتاج إلى هارفرد أكثر مما تحتاج هارفرد إلى الصين، وهو ما يعطي الجامعة مجالاً أكبر للانتقاد للحكومة الصينية».
وأشار الكاتب الى ضغوط مارستها إدارة الجامعة على معارضين صينيين يعملون في صفوف الكادر الأكاديمي لثنيهم عن إقامة محاضرات ضد بكين.
وأدى تساهل الجامعات مع الصين، مقابل الحصول على دعم مالي من حكومتها، الى قيام الحكومة الأميركية بمراقبة الصينيين ممن يشاركون في برامج تبادل أكاديمية، وراحت واشنطن تحجب تأشيرات الدخول عن الآلاف من العلماء الصينيين الزائرين. وكانت وكالات الاستخبارات الأميركية اعتقلت عدداً من العلماء الزائرين في الجامعات الأميركية وحاكمتهم بتهم تجسس ومحاولات نقل تكنولوجيا أميركية حساسة إلى الصين.
وفي أبريل الماضي، حذر مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) كريستوفر راي، من استخدام الدولة الصينية أسلوب التجسس الفكري في محاولتها الوصول إلى «قمة السلم الاقتصادي»، وهو ما اعتبره «التهديد الأكبر والأكثر تحدياً والأكثر أهمية الذي نواجهه كدولة» أميركية.
وتابع في خطاب: «نحن نعلم أنهم يستخدمون بعض الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة كناقلين غير تقليديين لاختراعات تحميها ملكيتنا الفكرية».
النقمة ضد الصين وممارستها تتصاعد بشكل غير مسبوق في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي نقمة ضد سرقة الملكية الفكرية، وضد ممارسات بكين التجارية، وأخيراً ضد سوء إدارتها الوباء وفساد صناعاتها الطبية، وهي نقمة فتحت نقاشاً عميقاً، قد لا ينتهي قبل أن تعيد أميركا وأوروبا صناعاتها الى أراضيها، وتترك الصين بلا سمعة، وبلا صناعة.