( صحيفة لوموند الفرنسية)
تعرض صحيفة لوموند الفرنسية ضمن سلسلة تحقيقات الثغرات أو العيوب التي تسببت بها أزمة كورونا داخل الهياكل متعددة الأطراف لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، وباتت اليوم تقوض لعبة القوى العظمى الكبرى.
الصحيفة أوضحت أن الأمر استغرق أكثر من عشرة أيام بالنسبة للأمم المتحدة قبل أن تبدأ العمل بنظام فيديو بعد تعميم العمل عن بعد في مقرها بنيويورك في 13 مارس/آذار المنصرم. ولم يتم التخطيط لأي شيء في ظل عجز ممثلي الدول الأعضاء بمجلس الأمن، الهيئة التي تضمن السلم والأمن العالميين، عن الاجتماع جسديًا. فقد استغرق الأمر أسبوعين إضافيين بالنسبة للقوى الخمس الكبرى التي تتولى القيادة في الأمم المتحدة (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا) قبل أن تفهم موضوع فيروس كورونا، الذي كان يهز العالم منذ أسابيع، والذي اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيرس أنه “التحدي الأكثر خطورة” الذي واجهته المنظمة منذ إنشائها في عام 1945.
“لوموند” أشارت إلى أن أول مؤتمر عن بعد حول فيروس كورونا عُقد أخيراً يوم الخميس 9 من إبريل/نيسان، ولا توجد أي صور له باستثناء تلك التي نشرها المندوب الألماني لدى الأمم المتحدة في تغريدة على تويتر والذي كان وراء انعقاد هذا المؤتمر.
وبينما كان الكوكب ينقلب رأسًا على عقب منذ عدة أسابيع بعد حصد فيروس كورونا عشرات الآلاف من الأرواح وتوقف الاقتصادات وخضوع أكثر من نصف البشرية للحجر الصحي، خرج مجلس الأمن الدولي، يومها، ببيان صحافي متواضع نشر عبر فيديو غريب، جاء أعلى صورة غامضة ومقطعة، في صورة تعكس التخبط الحاصل على مستوى “الحوكمة العالمية” خلال فترة فيروس كورونا. في الفيديو نرى خوسيه سينجر وايزنغر يقرأ لمدة 70 ثانية بضع جمل لا طعم لها من منزله في سانتو دومينغو.
يعبر النص الذي وصفته “لوموند” بالكاريكاتيري عن دعم قادة العالم “لجميع جهود الأمين العام للأمم المتحدة فيما يتعلق بالأثر المحتمل لوباء كوفيد 19 على البلدان المتضررة”، ويشير إلى “ضرورة الوحدة والتضامن مع جميع المتضررين”.
المفارقة الكبرى –تقول لوموند- هو أنه في الوقت الذي أضحت فيه البشرية كلها مدركة لخطر مشترك وواجهته باختيار عشرات الدول في آن واحد تقريبًا فرض قيود الحجر والإغلاق… غاب المجلس المسؤول عن الأمن العالمي وترك المجال مفتوحا لردود الفعل الوطنية التي تفاقمت بسبب عنف الأزمة.
لكن الصحيفة الفرنسية اعتبرت أن عجز الدول ”الخمس الكبرى” دائمة العضوية في مجلس الأمن، الواضح والمثير للدهشة في أوج جائحة كورونا، ما هو إلا أحدث مظهر ضمن عملية طويلة لإضعاف فكرة التعددية التي يلخصها دبلوماسي فرنسي على النحو التالي: “حقيقة أن تتحرك دول معاً على أساس قواعد محددة بشكل مشترك”.
ولا يقتصر هذا الشلل -حسب لوموند- على المجموعة التي تهيمن على الأمم المتحدة فحسب، ولكن على منظومة الأمم المتحدة بأكملها، حيث ترك الانسحاب الأمريكي المجال مفتوحًا للصين. “فالغربيون، والفرنسيون خاصة، يقعون في تناقض قوي للغاية، حيث إنهم واصلوا الترويج للأمم المتحدة، بينما قاموا بسحب أنفسهم مالياً، لتستولي الصين على المنظمة.. والمثال الأكثر وضوحا هو منظمة الصحة العالمية، ولكن الشيء نفسه ينطبق أيضا على منظمة الأغذية والزراعة”.
واعتبرت لوموند أن طريقة التعددية، التي تعد المبدأ النظري للعلاقات الدولية منذ عام 1945 وجوهر العالم الغربي، باتت اليوم موضع تساؤل من قبل القوى العالمية الثلاث الكبرى، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا. يميل الصراع بين واشنطن وبكين إلى تهميش الأوروبيين.