(جريدة الأخبار اللبنانية)
أقلّ من ألف حالة إصابة بفيروس كورونا بين السوريين المقيمين في لبنان، سجّلتها وزارة الصحة منذ دخول الوباء الى البلاد في شباط 2020.
في بلد يعدّ واحداً من أكثر دول العالم استقبالاً للنازحين السوريين نسبة الى عدد سكانه، يبدو الرقم هزيلاً للغاية، ولا يعبّر عن حقيقة الأوضاع في الواقع. أقل من 1000 إصابة من أصل أكثر من 520 ألفاً سُجّلت في لبنان، رقمٌ صحيح بلا شك، غير أنه بعيد عن الدقة لأسباب عديدة مرتبطة، في الدرجة الأولى بآلية تسجيل الإصابات بين السوريين المقيمين في لبنان، خصوصاً النازحين منهم.
لا إحصاءات دقيقة حتى اللحظة عن أعداد المصابين بـ«كورونا» بين العمال السوريين، وهذا ليس مستغرباً؛ إذ إن حالهم حال عموم السوريين والفلسطينيين المقيمين في لبنان. غير أن ظروف عملهم الحالية تطرح أسئلة عديدة عن جدية الحكومة اللبنانية في حماية هؤلاء وضمان سلامتهم.
خمسة إغلاقات شاملة فرضتها السلطات اللبنانية حتى يومنا هذا، اتسمت بالصرامة والجدية في البداية، قبل أن يتخلخل الالتزام بها. تبدّلت الشروط في كل مرة، وتباينت النتائج والمُهل الممنوحة لاستئناف الحياة الطبيعية. غير أن فئة العمال السوريين، وحدها، كانت مستثناة من مقتضيات الصحة العامة، خصوصاً منهم العاملين في مجالات الترميم وإعادة الإعمار.
نهوض بيروت من تحت الأنقاض كان بحاجة إلى سواعد هؤلاء، إلا أن ظروف عملهم كانت محاطة على الدوام بمخاطر جمة فرضها كورونا. أعداد المصابين كانت تزداد يوماً إثر آخر، المستشفيات أعلنت أكثر من مرة عجزها عن تحمّل أعباء إضافية، ناقوس الخطر دُقّ مرات عديدة. وبينما كان لبنان يلتقط أنفاسه، كان العمال السوريون يضخّون الأوكسجين في حجارة المدينة المنكوبة، وفي البال سؤال واحد: من يضمن حياة هؤلاء؟
ليس خافياً على أحد القيود الكثيرة المفروضة على عمل السوريين في لبنان: الوضع القانوني، الإقامات غير النظامية، غياب الضمان الصحي، أضف اليها الغلاء المعيشي وتردّي الأوضاع الاقتصادية وغيرها. كلها عوامل تفرض على هؤلاء حركة من نوع خاص، وتجعل من ضمان صحتهم أمراً معقداً؛ إذ إن إصابة أحد العمال بالفيروس ستضعه أمام امتحان صعب، قد يضطر لمواجهته وحيداً، ما لم يكن محظوظاً لتلقّي الرعاية اللازمة من قبل إحدى المؤسسات أو المنظمات الداعمة في حالات مشابهة، والتي تراجع دورها كثيراً في العامين الماضيين، مع القيود المفروضة على حركة الأموال المقدمة إلى النازحين المسجلين حصراً في قوائم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وتقلص قيمة الدعم بشكل كبير، علماً بأن نسبة لا يستهان بها من النازحين، ومن بينهم العمال السوريون، غير مسجلة ضمن هذه القوائم. وبالتالي، سيضطر هؤلاء إلى تحمّل أعباء العلاج بأنفسهم، وهو أمر غير سهل مع ارتفاع أسعار الأدوية، وعدم قدرتهم على تحمل كلفة العلاج في المستشفيات، أو إجراء فحوصات الـ PCR، فضلاً عن كلفة الحجر الصحي معيشياً على حياتهم المعتمدة أصلاً على العمل «كل يوم بيومه».
أمام هذا الواقع يُطرح سؤال أساسي: إذا كان عمل هؤلاء مهماً الى درجة استثنائهم من القيود الصحية، أليس من حقهم التمتع بميزات استثنائية لضمان سلامتهم، وبالتالي استمرارية العمل المنوط بهم؟
أقل من 1000 إصابة بين السوريين سجّلتها وزارة الصحة من بين 520 ألف إصابة!
ما يزيد الطين بلة، وفق عدد من المنظمات الحقوقية، هو احتمال استثناء الفئات المهمّشة في لبنان (وعلى رأسهم العمال) من حملة التلقيح الوطنية الخاصة بكورونا، رغم أن بيانات الأمم المتحدة تشير إلى أن معدل الوفيات بين النازحين السوريين من جرّاء الفيروس يبلغ أربعة أضعاف المعدل الوطني، وثلاثة أضعاف هذا المعدل بين الفلسطينيين! مع ذلك، يظهر على منصة التسجيل والمتابعة الحكومية على الإنترنت لتلقّي لقاح كورونا أن 2.86% فقط من الذين تلقّوا اللقاح، و5.36% من المسجلين لتلقيه، غير لبنانيين، رغم أن غير اللبنانيين يشكلون 30% من السكان على الأقل، وهذا يتنافى مع الشعار الذي ترفعه الحكومة بخصوص تلقيح جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية، بغض النظر عن جنسياتهم.
هدف يبدو لبنان عاجزاً عن تحقيقه في ظل الأزمة الحالية التي تعصف بكل مفاصل البلاد، والتي ستحرم اللبناني، قبل غيره ربما، تلقّي الرعاية الصحية اللازمة، خصوصاً مع تصريحات وزارة الصحة عن أنها لا تملك الأموال اللازمة لمنح اللقاح للعمال المهاجرين.
عوامل كثيرة كانت وما زالت تتحكم في معيشة السوريين في لبنان على صعد عديدة وفي مقدمتها الصحة. الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، والتي تسبّبت في تردّي الأوضاع المعيشية إلى مستويات غير مسبوقة، ألقت بأحمالها على ظهور الجميع بلا استثناء، وفي مقدمتهم الطبقات الفقيرة، وعلى رأسها العمال؛ إذ إن المياومة والموسمية الناظمة لعمل هؤلاء جعلتا النهوض بأعباء الحياة مسألة في غاية الصعوبة، خصوصاً مع تفلت سعر الصرف وهبوط الأجور. رغم ذلك، أينما تجولت في أحياء بيروت، من شرقها الى غربها، مروراً بمينائها البحري، ستجد عمالاً يسابقون الوقت لإنهاء العمل المطلوب، فيما الخطر يتهدّد حياتهم على الدوام، ووحده القدر يتكفّل بحمايتهم.