(صحيفة لوموند الفرنسية)
بينما يبدو أن نموذج دولة الرفاهية العزيزة على القارة العجوز يلهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قتل النموذج الهندي بجره نحو اللاليبرالية، كما يشير الصحافي المخضرم آلين فراشون في عموده بصحيفة “لوموند” الفرنسية.
وقال الكاتب إنه في ظل استمرار أيام هذه الجائحة اللامنتهية وتطوراتها، يمكن وبحذر استخلاص درسين، أحدهما أمريكي- أوروبي، والآخر صيني- هندي. الأول مطمئن إلى حد ما، والثاني ينذر بالسوء، بحسب فراشون.
إغراء “النموذج الأوروبي”
من الواضح أن الاتحاد الأوروبي قد فشل في عملية التطعيم، لكن خارج الاتحاد الأوروبي وفي أوروبا، فإن حملة التطعيم البريطانية الناجحة لا تُنسي أخطاء بوريس جونسون المبكرة. فإذا كنت تبحث عن طلاب جيدين في الحرب ضد كوفيد-19 في العالم الديمقراطي، فعليك الذهاب إلى القارة الآسيوية، تحديداً تايوان وكوريا الجنوبية واليابان. من الواضح أيضا أن آلية الاتحاد الأوروبي بطيئة بسبب ضرورة اتخاذ القرارات بالإجماع، أي أن تتوافق 27 حكومة ديمقراطية. وهي مشكلة لا يعاني منها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالدعم الاقتصادي والاجتماعي للمأساة الصحية، يظهر درس يجب أن يطمئن الأوروبيين. فالذي يُحتفل به بمناسبة مرور 100 يوم لجو بايدن في السلطة، ما هو إلا جاذبية النموذج الأوروبي.
فصحيح أن الولايات المتحدة عرفت كيف تطعم 200 مليون شخص ضد كوفيد -19 في غضون ثلاثة أشهر، وأظهر فريق بايدن من حيث الشكل، خبرةً سياسية رائعة وتصميما رصينا وسرعة عالية في التنفيذ من النادر أن نجد لها مثيلا في أوروبا؛ لكن من حيث المضمون هناك “التوعية الديمقراطية” على طريقة بايدن تعني المزيد من دولة الرفاهية الأوروبية- دولة الرعاية الاجتماعية. فالرئيس الأمريكي ”يستغل” مأساة كوفيد- 19 لتقريب الدولة الاجتماعية الأمريكية من المتوسط الأوروبي: المساعدة للطفولة المبكرة والوصول إلى التعليم العالي وإعانات البطالة وتعميم التأمين الصحي، كما يوضح الكاتب.
من الصعب إجراء مقارنات. فبشكل عام، تضع واشنطن 5 آلاف مليار دولار في الميزان لمواجهة كوفيد- 19. في المقابل، خصص الاتحاد الأوروبي مبلغ 750 مليار يورو لخطة التعافي الأوروبية من الجائحة. وهذا المبلغ المعلن من بروكسل يضاف إلى خطة الدعم الوطنية لكل من بلدان الاتحاد الأوروبي الـ27. والمبالغ المعلنة في الولايات المتحدة تتوافق جزئيا مع الاحتياجات التي تغطيها بالفعل الدولة في عدد من الدول الأوروبية، كما يشير آلين فراشون في عموده بصحيفة ”لوموند”.
في واشنطن، استنكر الجمهوريون انجرافاً ”أوروبياً” يتعارض مع الجينات الاقتصادية للولايات المتحدة، فيما يتعلق بخطة بايدن لمكافحة الجائحة.
و من الغريب أنه في باريس كانت هناك أصوات في الحراك ”الاشتراكي- البيئي” لتحية جو بايدن باعتباره رجلا يساريا أكثر بكثير من إيمانويل ماكرون.
لكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة، حيث ينفجر النمو والتوظيف، ليست السويد ولا فرنسا، الدول الأقل تفاوتا في العالم الغربي. في هذين البلدين، تقترب الخصومات الإجبارية من 50% من الثروة الوطنية، في حين أن هذه النسبة أقل من 30% في الولايات المتحدة، وفق ما يقول جيرار أرو، السفير السابق في واشنطن، موضحا أن سياسة جو بايدن الضريبية “متأخرة جداً عن فرنسا فيما يتعلق بالتصعيد الضريبي ومكافحة اللامساواة”.
نهاية “النموذج الهندي”
في مطلع القرن الحالي، تم الاستشهاد بالهند كمثال: ديمقراطية قادرة على إعادة إنعاش اقتصادية لا مثيل لها في بلد يعاني من فقر مدقع ومستوطن.
وكان ذلك أمرا مطمئناً في مواجهة الاستبداد الصيني الراديكالي المتزايد، كما يقول آلين فراشون، موضحا أنه كانت هناك تكهنات بأن تلتحق الهند بجارتها العملاقة الصين. حيث يبلغ عدد سكان في كل من البلدين تقريباً حوالي 1.4 مليار.
وكانت الدول الغربية تحتفل بصناعة التكنولوجيا العالية الناجحة في الهند، ناهيك عن قوة قطاع الأدوية، ورحبت بالديناميكية الهندية متعددة الأوجه. لكن ناريندرا مودي الذي وصل إلى السلطة عام 2014 قتل “النموذج الهندي”، بحسب آلين فراشون، معتبرا أن مودي هندوسي متعصب ذو نظام استبدادي ويقود الديمقراطية الهندية على طريق “اللاليبرالية”.
بدون أن ننسى مسؤوليات الصين في الجائحة، فقد أخطأ رئيس الوزراء الهندي بـ“الغطرسة”: اختلاط الكبرياء والتباهي وعدم المسؤولية. ومع تضخم غروره بسبب السيطرة على الموجة الأولى من كوفيد19، قام هو وحزبه “بهاراتيا جاناتا” وهو تشكيل قومي هندوسي، برفع جميع التدابير الوقائية الصحية في فبراير/ شباط الماضي.
وهاهي النتيجة أمامنا اليوم: موجة ثانية قاسية تسلط الضوء على جميع العيوب في النظام الصحي الهندي، وتشير إلى نقص صارخ في البنية التحتية، مما يؤكد كل الاختلاف مع الصين المجهزة بشكل مفرط في هذا المجال.