(ستراتفور)
لن تكون نهاية جائحة "كوفيد-19" في جميع أنحاء العالم في نفس الوقت، مما يمهد الظروف للفيروس ليصبح متوطنا. ونظرا لأن حالات تفشي المرض أصبحت محلية بشكل متزايد، ستواجه الشركات والأفراد في جميع أنحاء العالم حالة من عدم اليقين على المدى القصير بشأن استئناف النشاط والسفر أثناء تنقلهم بين دول ذات سياسات ومتطلبات غير مترابطة.
ومن المرجح أن تواجه الدول النامية تداعيات طويلة الأمد مع تفاقم قائمة الأمراض المتوطنة وتضاؤل الاهتمام الدولي. ومع تكثيف حملات التطعيم في الولايات المتحدة وأوروبا، سيبدأ العالم المتقدم في تحقيق نوع من الاستقرار بحلول نهاية العام.
في غضون ذلك، فإن استمرار العقبات في توزيع اللقاح في الدول النامية سيخلق جيوب لانتقال العدوى وخاصة مع استئناف السفر الدولي، بغض النظر عن احتمال تفشي المرض موسميا.
وفي أحدث استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، قال 30% من الأمريكيين إنهم (بالتأكيد أو ربما) لن يحصلوا على لقاح "كوفيد-19". ويمثل ذلك تحديا لخطة تلقيح 70 إلى 80% من سكان الولايات المتحدة لتحقيق الحد الأدنى لما يسمى "مناعة القطيع".
وتتباين معدلات التردد في أخذ اللقاحات في جميع أنحاء أوروبا بشكل كبير، لكن الشكوك في فرنسا مرتفعة بشكل خاص، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أنه من غير المرجح أن يحصل أكثر من نصف السكان على اللقاح.
وأظهر استطلاع أجرته المجلة العلمية الدولية "نيتشر" أن معظم الخبراء يتوقعون أن يصبح الفيروس متوطنا، ما يعني أنه سيستمر في الانتشار إما بمستويات منخفضة أو في جيوب محلية. لكن الخبراء يعتقدون أيضا أن تهديد "كوفيد-19" سيتراجع بشكل عام حيث يجري حماية المزيد من الأشخاص سواء من خلال اللقاحات أو العدوى السابقة.
وبدون الوصول إلى مناعة القطيع من خلال اللقاحات، ستظل العودة إلى النشاط على مستوى العالم مهددة. وخلال المراحل الأولى من عمليات التطعيم، ركزت الحملات الدعائية على تحقيق مناعة القطيع كعلامة على الوقت الذي يمكن فيه رفع القيود بالكامل.
وعندما يصبح من الواضح صعوبة الوصول إلى مناعة القطيع حتى في أجزاء كثيرة من العالم المتقدم، سيتم وضع الأهداف والغايات الطموحة جانبا وإعادة النظر في الواقع. وسوف يدفع الضغط السياسي والاقتصادي باتجاه عمليات إعادة فتح أسرع وأكثر انتشارا. وسيحدث ذلك بمعدلات مختلفة في جميع أنحاء العالم اعتمادا على الهيكل الحكومي وشدة تفشي المرض والضغوط الاجتماعية.
وفضلا عن ذلك، من المحتمل أن نرى تباينا إقليميا مستمرا في الاستعداد لاتخاذ أي جرعة إضافية أو موسمية.
وستبدأ الأهداف الوطنية في التركيز على ضمان تلقيح الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض خطيرة، مما يؤدي إلى النظر إلى الأشخاص الذين من الضروري حصولهم على اللقاح قبل استئناف الأنشطة العادية بأمان. وحددت بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل بلجيكا، على سبيل المثال، معدل تطعيم بنسبة 70% بين سكانها المسنين فقط كعتبة لإعادة فتح باب التسجيل.
ومع استمرار انخفاض مستويات الحالات في الولايات المتحدة، بدأت العديد من الولايات بالفعل في إعادة فتح الأنشطة والشركات على نطاق واسع، بالرغم أن معدلات التطعيم لا تزال أقل من 50%.
وفي الوقت نفسه، لا تزال العديد من الدول الآسيوية تخضع لتدابير إغلاق أكثر تقييدا بالرغم من أرقام "كوفيد-19" المنخفضة نسبيا.
وسيؤدي عدم القدرة على توحيد نظام بيانات المناعة العالمية، جنبا إلى جنب مع ردود الفعل السياسية والاجتماعية، إلى الحد من استخدام الشهادات الصحية لـ "كوفيد-19"، ما يزيد من عدم اليقين تجاه عمليات السفر والأعمال، وسيكون لذلك تداعيات على قرارات الإنفاق والاستثمار، فضلا عن السياسات الحكومية.
وأظهرت حملات التلقيح الأولى بالفعل عدم المساواة في التوزيع بين العالم المتقدم والنامي، وكذلك بين البلدان المتقدمة وداخلها.
وتزيد "جوازات السفر" الخاصة باللقاحات خطر تفاقم أوجه عدم المساواة من خلال تقييد التنقل لأولئك الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون في الحصول على اللقاح. وكان تحول الاتحاد الأوروبي من مناقشات "جواز سفر اللقاح" إلى مناقشة "الشهادة الصحية" (تشير إلى تلقي الشخص للقاح أو نتيجة فحص سلبية لكوفيد 19 أو دليلا على تعافيه من إصابته بالفيروس مؤخرا) بسبب المخاوف المتصورة بشأن التمييز ضد الأفراد غير المطعمين.
وسوف يتسبب الانتعاش الاقتصادي العالمي غير المتكافئ، فضلا عن عدم المساواة في الحصول على اللقاحات والعلاج، في ضرب أشد بلدان العالم فقرا في نهاية المطاف، ما يوسع الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية.
ومع تحول أزمة "كوفيد -19" من عالمية إلى إقليمية، ستصبح البلدان الفقيرة موطنا لمعظم الأوبئة. كما ستؤدي حملات التطعيم البطيئة إلى زيادة تفشي المرض والأعراض في الدول النامية، ما يطيل الأثر المالي لـ "كوفيد-19" على اقتصادات هذه البلدان الهشة ماليا بالفعل.
وتشير التقديرات إلى أن الملاريا، وهي مرض ينتقل عن طريق البعوض منتشر في جميع أنحاء العالم النامي، تكلف أفريقيا 12 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي سنويا.
وينتشر فيروس نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" في دول كثيرة، لكن تأثيره يتباين بشكل كبير. وفي العالم المتقدم، غالبا ما تكون الإصابة بـ"الإيدز" مرادفا للإصابة بحالة طبية مزمنة ولكن يمكن التحكم فيها، وذلك بفضل التقدم في العلاجات وتدابير الوقاية. لكن في العالم النامي، يظل "الإيدز" مرضا مكلفا للغاية، سواء من حيث الحياة البشرية أو الناتج الاقتصادي.
وسيؤدي التعافي الأبطأ في العالم النامي إلى زيادة مخاطر الاضطرابات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية. وإذا تم فرض قيود سفر إضافية على هذه البلدان، فإن قطاعي السياحة والخدمات سيواجهان أزمات وجودية.
وستؤدي الهشاشة المالية إلى زيادة مخاطر التخلف عن سداد الديون في أمريكا اللاتينية وأفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، بمجرد أن يتعافى العالم المتقدم من التداعيات الصحية والاقتصادية لأزمة "كوفيد-19"، فمن المرجح أن ينخفض اهتمامه بتقديم المساعدة المالية واللوجيستية والإنسانية للعالم النامي.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يكون النمو الاقتصادي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لعام 2021 بين 2.3 و3.4% بعد أن كان أفضل من المتوسط العالمي في عام 2020. ومع ذلك، تشير توقعات الأمم المتحدة أيضا إلى أن عدم القدرة على الوصول إلى اللقاحات والتكرار المحتمل لتفشي الفيروس يمكن أن يقلل بشكل كبير من هذا النمو.
وفي هذا الصدد، يتوقع صندوق النقد الدولي أن أمريكا اللاتينية لن تتعافى إلى مستويات ما قبل الوباء حتى عام 2024.