(جريدة الأخبار اللبنانية)
قبل يومين، وجّه المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي كتاباً إلى رئيسة الأطباء في الصندوق، طلب بموجبه العمل على ألا يتجاوز عدد طلبات الموافقات الاستشفائية في عام 2021 الـ200 ألف، «مع اتخاذ الإجراءات المناسبة لتحقيق هذا الهدف (...)»، وذلك بحجة «ضبط الدخول غير المبرر إلى المُستشفيات»، على ما علّق المكتب الإعلامي الخاص بالصندوق على صفحته الرسمية على «فيسبوك».
القرار استند إلى الإحصاءات التي قدّمها رئيس مصلحة المراقبة الإدارية على المُستشفيات، وتُفيد بأن عدد الموافقات الاستشفائية انخفض عام 2020 إلى 253 ألفاً من 352 ألفاً عام 2019، «ما يعني أن أكثر من ثلث الموافقات هو لحالات لا تستدعي دخول المُستشفيات، وأنه بمجرد الخوف من التقاط وباء كورونا أحجم المضمونون عن الدخول غير المُبرّر إلى المُستشفيات (...)».
قرار كركي صوّب على أداء الأطباء المراقبين وتقاعسهم الذي أدى إلى «الانفلات» في عدد موافقات الدخول، بحسب رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي. وقد طلب كركي في القرار وضع آليات عمل مناسبة لهم وتعليمات بشطب كل المعاملات التي يتبيّن من خلال مراجعتها أنها لا تستدعي دخول المُستشفيات، ولفت إلى عدم التزام الأطباء بالدوام الرسمي «رغم المراجعات والكتب العديدة».
إدارة الصندوق حرصت، في بيان توضيحي مقتضب، على تأكيد أن القرار يهدف الى «دراسة معمقة» للملفات والمعاملات الاستشفائية «من أجل استمرارية عمل القطاع وحماية أمن المواطنين الصحي وعدم إعطاء أي موافقة استشفائية لأي مضمون لا تستدعي حالته دخول مستشفى». وشدّدت على أن «الصندوق لم ولن يتوقف عن إعطاء الموافقات».
صور الرنين المغناطيسي في منطقة البقاع الأوسط وحدها تعادل تلك التي تُجرى في بروكسل
«ترشيد الدخول الى المُستشفيات» أثار قلق كثيرين وضعوه في سياق تفاقم تداعيات الأزمة الاقتصادية على القطاع الصحي المشرف على الانهيار. وهو قلق بديهي في ظل انهيار يفتك بمختلف جوانب الحياة المعيشية. غير أن معنيين بالقطاع الصحي رأوا فيه «خطوة مهمة وضرورية في هذا الظرف الاستثنائي». فـ«الوضع الذي كان سائداً غير صحي أساساً للقطاع»، بحسب ما قال عراجي لـ«الأخبار»، لافتاً الى أن لبنان من البلدان القليلة التي تشهد ما يُعرف بـ «مرضى نهاية الأسبوع»؛ إذ إن «أي شخص يريد إجراء فحوصات عادية يلجأ الى صندوق الضمان ويدخل المستشفى في نهاية الأسبوع من دون أن تكون هناك حاجة إلى ذلك». وأكّد أن «التقديرات تشير الى أن نحو 30% من المرضى الذين يدخلون الى المُستشفيات يعانون من أعراض رشح وإسهال والتهابات غير خطيرة لا تستدعي دخول المستشفى، فيما قد يستلزم الحصول على موعد لإجراء عملية قلب مفتوح في بعض البلدان الأوروبية وكندا خمسة أشهر». وفي وقت تشير فيه الإحصاءات العالمية إلى عدم وجوب تخطي المقيمين في المُستشفيات الـ13% من عدد السكان، فإن النسبة في لبنان تفوق ذلك بكثير. «في فرنسا، مثلاً، هناك غرفة واحدة لإجراء عملية تمييل قلب لكل 400 ألف من السكان. وفق هذا المعدل، يجب أن لا يتخطى عدد الغرف المماثلة في لبنان 13 غرفة، فيما في الواقع لدينا 67 غرفة». أكثر من ذلك، «تُفيد المعطيات بأن عدد صور الرنين المغناطيسي التي تجرى في منطقة البقاع الأوسط وحدها تعادل تلك التي تتم في مدينة بروكسل»!
لذلك، يخلص عراجي الى أن هذا القرار «ليس إلّا مساهمة في إعادة هيكلة القطاع الصحي التي باتت ضرورية في هذا الظرف الاستثنائي»، لافتاً إلى أن «فوضى الدخول إلى المُستشفيات وتضخم أعداد المختبرات وغيرها تسهم في استنزاف هذا القطاع».
في المُقابل، تُطرح مخاوف من سوء تطبيق القرار، «فالقرارات دائماً ما تكون موضوعية ولها نيات تصويبية منطقية... إلا أن العبرة في التنفيذ»، وفق مصادر معنية بالقطاع الصحي شدّدت على أن «تنفيذ القرار يستوجب مستوى عالياً من الدقة والمهنية للحؤول دون ظلم كثير من المرضى». أما الاعتماد على تراجع الأرقام في «زمن كورونا»، فـ«لا يمكن اعتماده معياراً، لأن تلك الفترة تزامنت مع إنهاك للقطاع الاستشفائي حتّم تعليق العمليات الباردة، فمن يضمن أن تحتمل الحالات التي كانت تسمى باردة مزيداً من الانتظار؟». يجيب عراجي بأن الضغط الذي أحدثه الوباء على الأسرة تراجع بشكل كبير، «وعليه فإنّ أعداد المحتاجين الى الدخول يفترض أن تكون ضمن السقف المحدد».