نقلا عن الجزيرة نت
أعلنت الهند، الخميس الماضي، تسجيل أعلى زيادة في عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" في يوم واحد في العالم، حيث رصدت 6148 وفاة جديدة على مدى الـ24 ساعة الماضية، فما سبب هذا الارتفاع في الوفيات بعد أن سجلت البلاد انخفاضا في الإصابات خلال الفترة الماضية؟
وتراجعت إصابات فيروس كورونا في الهند في الأيام الأخيرة، حيث أبلغت البلاد عن 94 ألفا و52 إصابة جديدة في غضون 24 ساعة حتى صباح الخميس، بانخفاض عن ذروة الحالات الجديدة اليومية التي تجاوزت 400 ألف، وذلك وفقا لتقرير لصحيفة "إندبندنت" (Independent) البريطانية.
هناك أسباب محتملة لهذا الارتفاع، منها:
تعديل آلية احتساب أعداد الوفيات
وفقا لتقرير في "رويترز" (Reuters)، فقد جاء تسجيل هذا الرقم المرتفع من وفيات كورونا في الهند، الخميس، بعد أن عدلت ولايات كبرى شرق البلاد أعدادها لاحتساب من راحوا ضحية المرض في منازلهم أو في مستشفيات خاصة.
كما كانت هيئة الصحة في ولاية بيهار، إحدى أفقر ولايات البلاد، قد رفعت العدد الإجمالي للوفيات الناجمة عن الإصابة بالمرض يوم الأربعاء إلى أكثر من 9400 حالة من 5400.
ووفقا لبيانات وزارة الصحة الهندية، ارتفع العدد الإجمالي لإصابات كورونا في الهند إلى 29.2 مليونا، ووصل إجمالي عدد الوفيات إلى أكثر من 359 ألفا.
وتم تعديل الرقم الرسمي بعد أن أجرت السلطات مراجعة لعدد الضحايا عقب جلسة استماع في المحكمة. وفي مايو/أيار تعرضت حكومة ولاية بيهار لانتقادات من إحدى المحاكم، بعد أن لوحظ وجود تناقضات في عدد وفيات كورونا في إحدى مقاطعات الولاية، وذلك وفقا لتقرير لأكشيتا جاين في "إندبندنت" (Independent).
وقال وزير الصحة بالولاية مانجال باندي لوكالة الأنباء "إيه إن آي" (ANI) إن الحكومة سمعت من مصادر مختلفة أن العدد الفعلي للوفيات يمكن أن يكون أعلى، ووجهت قضاة المقاطعات لإعداد تقرير.
وأوضح أن الأمر استغرق من 15 إلى 20 يوما، حتى يقوم قضاة المقاطعة بإعداد تقرير الحصيلة التراكمية، وأن هدف حكومته الآن هو الوصول إلى أسر أولئك الذين أعيد تصنيف وفاتهم على أنهم وفيات كوفيد وتقديم المساعدة المالية لهم.
أثارت المراجعة مرة أخرى مخاوف من أن حالات الإصابة بفيروس كورونا والوفيات في جميع أنحاء الهند يتم التقليل من شأنها بشكل كبير. وأشار خبراء الصحة مرارا وتكرارا إلى المخاوف، بما في ذلك تلك المتعلقة بمعدلات الاختبارات المنخفضة في المناطق الريفية، حيث لا يتم تسجيل الحالات والوفيات.
وقال الدكتور برابهات جها من جامعة تورنتو في وقت سابق، إن الناس غالبا ما يموتون في المنزل بدون رعاية طبية في المناطق الريفية، ولا يتم الإبلاغ عن هذه الوفيات إلى حد كبير.
وقال الباحث في الصحة العامة أومين جون لصحيفة إندبندنت في تقرير سابق إن أحد أسباب التناقض في الأرقام؛ هو أنه في بعض الحالات، قد يخفي أفراد الأسرة المعلومات التي أثبتت إصابة الشخص بفيروس كوفيد-19، أو ظهرت عليه أعراض توحي بالفيروس؛ لأن بروتوكول الحصول على شهادة وفاة مرتبطة بكوفيد-19 معقد للغاية.
وقدر خبراء تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأميركية الشهر الماضي أنه في سيناريو متحفظ، قد يكون العدد الحقيقي لوفيات كوفيد في الهند حوالي 600 ألف، والعدد الحقيقي للعدوى أعلى بحوالي 15 مرة من الرقم الرسمي.
ورفضت الحكومة الهندية تقرير نيويورك تايمز، ووصفته بأنه "لا أساس له من الصحة وشائن".
التجمعات الكبيرة
وكتب شيخار شاندرا، وهو دارس للدكتوراه في السياسة العامة في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، في مجلة "ساينتفيك أميركان" (Scientific American) إن الموجة الأولى من كوفيد-19 كانت خفيفة نسبيا في الهند، وقادت إلى إعلان قيادة البلاد ما تبين أنه انتصار سابق لأوانه على فيروس كورونا. أما الموجة الحالية فهي أكثر فتكا بكثير. وألقى بعض الباحثين ووسائل الإعلام باللوم على المتغيرات الفيروسية الجديدة، والتي تشير الدراسات المبكرة إلى أنها قد تكون أكثر قابلية للانتقال من السلالة الأصلية.
لكن العديد من الخبراء المطلعين على الوضع على الأرض يجادلون بأن التجمعات الكبيرة والحشود في المساحات الحضرية المغلقة والمضغوطة -على عكس الإغلاق القاسي المفروض خلال الموجة الأولى- تسبب في معظم الانتشار.
ويقول كارلوس ديل ريو، أستاذ الطب في قسم الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة إيموري، "أعتقد أن هذا درس مهم للبلدان الأخرى.. إن الرضا عن النفس وضعف القيادة هما اللذان تسببا في الزيادة المفاجئة".
وطغى الارتفاع المفاجئ الجديد ببساطة على البنية التحتية الصحية المتعثرة بالفعل في الهند.
عدم وجود إغلاق منسق وطنيا
وفقا لشاندرا، إنه بدلا من الإغلاق المنسق وطنيا، تُركت ولايات الهند لإداراتها الفردية. مثلا زادت الإصابات اليومية الجديدة في ولاية ماهاراشترا -أشد الولايات تضررا خلال الموجتين الأولى والثانية- بأكثر من 6 أضعاف في مارس/آذار الماضي.
في 4 أبريل/نيسان، أعلنت حكومة الولاية عن حظر تجمع أكثر من 5 أشخاص في الأماكن العامة خلال النهار في أيام الأسبوع، وعلى أي شخص يخرج ليلا أو خلال عطلة نهاية الأسبوع بدون سبب وجيه (مثل الحصول على دواء لأحد أفراد الأسرة). لكن يبدو أن حظر التجول لم يتم تنفيذه.
أيضا أعلنت منطقة اتحاد دلهي، وهي نقطة ساخنة أخرى للإصابات، قيودا على الحركة في المساء فقط في 6 أبريل/نيسان، بعد زيادة الحالات الجديدة في العاصمة الهندية بأكثر من 10 أضعاف خلال شهر مارس/آذار؛ لكن معظم الأنشطة النهارية استمرت كالمعتاد. والقيود المفروضة على قيادة المركبات الشخصية واستخدام وسائل النقل العام، داخل أو بين الولايات، لم يتم فرضها على نطاق واسع. خلال معظم الوقت، كانت الحالات الجديدة تتزايد، وكانت الحانات والمطاعم ودور السينما ونظام المترو والحافلات ما تزال تعمل (وإن كانت بسعة منخفضة).
ويفسر مانوج جاين، الأستاذ المساعد في مدرسة إيموري رولينز للصحة العامة، أنه في المناطق الحضرية المزدحمة مثل دلهي، يكاد يكون من المستحيل تطبيق إرشادات التباعد الاجتماعي بدون الإغلاق الكامل، وأن الإجراءات الأقل صرامة لم تكن ستفعل الكثير لعرقلة انتشار الفيروس، نظرا لارتفاع معدل انتقاله.
أيضا أوتار براديش -وهي الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان في الهند- فرضت "قيودا فاترة" (half-hearted restrictions) خلال الموجة الثانية. حتى إنها مضت قدما في انتخابات مجلس القرية، وأكدت نقابة المعلمين البارزة في الولاية أن أكثر من 1600 معلم أداروا تلك الانتخابات ماتوا بسبب كوفيد-19 خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار، وتقول حكومة الولاية إن 3 فقط ماتوا بسبب المرض، وهو ادعاء اعترضت عليه نقابة المعلمين، التي أصدرت أسماء وعناوين أولئك الذين لقوا حتفهم.
وقالت مجلة "ساينتفيك أميركان" إنها تواصلت مع مكاتب رئيس وزراء الهند ورؤساء وزراء العديد من ولاياتها للتعليق؛ لكنها لم تتلق ردا على أسئلتها.