تعددت العلاجات المحتملة لفيروس كورونا الجديد، من دون الاستقرار على علاج موحد، فبعد "هيدروكسي كلوروكين" وغيره يأتي دور "ريمديسيفير" من الولايات المتحدة، لكنّه مخصص للحالات الحرجة، وله أعراض جانبية خطيرة.
بينما شهد العالم حتى يوم أمس شفاء نحو مليون و65 ألف مصاب بفيروس كورونا الجديد، فإنّ البحث المتواصل عن علاج للمرض الذي يسببه الفيروس، سجل محطة مهمة، على الأقل في الولايات المتحدة، صاحبة أكبر حصيلة من الإصابات عالمياً، وذلك من خلال عقار "ريمديسيفير". لكن، هل هذا العقار هو فعلاً ما سيخلص العالم من أزمته؟ ومن هم المرضى الذين يسمح بتقديمه لهم؟ وماذا عن الأعراض الجانبية، التي يصل بعضها إلى مرحلة الخطر؟
في تفاصيل الخبر، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنّ إدارة الغذاء والدواء الأميركية منحت موافقة طارئة على استخدام عقار "ريمديسيفير" في علاج المصابين بفيروس كورونا الجديد. وقال ترامب إنّ الشركة المنتجة "غيلياد ساينسز" تعهدت بالتبرع بنحو مليون ونصف مليون جرعة. وكانت الشركة قد أعلنت الأربعاء الماضي أنّ عقارها أظهر نتائج "إيجابية" على المصابين في إطار تجربة سريرية واسعة، تمت بالمشاركة مع معاهد صحة أميركية. مع ذلك، فإنّ موافقة الإدارة على الدواء، لا تعني نيل الموافقة الرسمية لاعتماده، بل يتطلب ذلك تفويضاً على مستوى أعلى، يتداخل ما بين وزارة الصحة والحكومة والكونغرس.
وبينما أوضحت الشركة أنّ العقار يستخدم في الحالات المتقدمة عندما يصل المريض إلى مرحلة الالتهاب الرئوي الحاد وانخفاض مستويات الأوكسجين التي تتطلب تدخلاً طبياً، عبّر الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، عن تفاؤله بشأن استخدام هذا العقار، وقال الأربعاء الماضي، إنّ البيانات تظهر أنّ "ريمديسيفير" الذي كان يستخدم في علاج الإيبولا "له تأثير واضح ومهم في تقليص الوقت اللازم للتعافي من فيروس كورونا الجديد". وأضاف فاوتشي، أنّ العقار حسّن وقت التعافي لمرض فيروس كورونا من 15 إلى 11 يوماً، مشيراً إلى أنّه لم يقضِ على المرض بشكل نهائي، وأنّ نتائج تجربة العقار حتى الآن تعطي الأمل في القدرة على علاج الفيروس.
وجاء اعتماد الدواء بعد دراسة رعتها الحكومة، أكدت أنّه تمكن من تقليص مدة الشفاء بنسبة 31 في المائة، أو نحو أربعة أيام في المتوسط، للمرضى المتواجدين في المستشفى. واختبر العقار قبل اعتماده على 1063 مريضاً في أنحاء مختلفة من العالم، ما يشكل أوسع اختبار من نوعه حتى الآن، وتضمنت الدراسة مقارنة بين مجموعتين إحداهما تلقت رعاية طبية معتادة فقط مع إعطائها دواء وهمياً (بلاسيبو)، والثانية أضيف إلى رعايتها عقار "ريمديسيفير". وهكذا، تمكن أولئك الذين تلقوا العقار من مغادرة المستشفى في 11 يوماً فقط في المتوسط، مقابل 15 يوماً في المتوسط للمجموعة التي تلقت دواء وهمياً بدلاً منه.
في التفاصيل حول العقار المخصص أساساً لعلاج الإيبولا، لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أنّ فيروسات كورونا، تحمل حمضاً ريبياً نووياً (RNA) أكثر بكثير مما يظن العلماء أنّ الفيروسات يمكن أن تحمل. وتعتمد الفيروسات التي تسبب الأوبئة، غالباً، على هذا الحمض، ما يسمح لها بالتحول مع الوقت وتطوير نفسها باستمرار. وهو السبب الرئيس في أنّ فيروسات الإنفلونزا مثلاً تعود عاماً بعد عام وبأشكال مختلفة. لكن، بالرغم من ذلك، لم تتبدل فيروسات كورونا كثيراً، فمعدل الطفرات فيها يبلغ نحو واحد على عشرين من معدل الطفرات في الفيروسات الأخرى التي تحمل كميات كبيرة من الحمض الريبي النووي. بذلك، اكتشف الدكتور مارك دينيسون، من جامعة "فاندربلت" عام 2007، أنّ فيروسات كورونا لها نظام قوي "للتدقيق"، فإذا حدث خطأ ما في نسخ الحمض الريبي النووي، يصحح هذا النظام الخطأ. وفي التجارب المعملية، كانت فيروسات كورونا التي تحورت أضعف من تلك التي لم تكن لديها طفرات. وتساءل دينيسون وخبراء آخرون عمّا إذا كان من الممكن خداع الفيروس باستخدام دواء يتحايل على نظام التدقيق ويحول دون نمو سلسلة الحمض الريبي النووي للفيروس، ما يمكن أن يقضي عليه قبل اكتمال السلسلة الوراثية التي تتيح له البقاء. تشير "نيويورك تايمز" إلى أنّ دينيسون بعد تحدثه إلى عالم آخر حول هذه المسألة، علم أنّ شركة "غيلياد ساينسز" تملك عشرات العقاقير التي يمكن أن تؤدي هذه الخدعة ضد فيروسات كورونا. ومن بين كلّ هذه العقاقير التي كانت على رفوف الشركة، من دون أيّ استفادة منها، كان "جي إس-5734" قادراً على العمل ضدّ السلسلة الوراثية لكورونا، وهو العقار الذي بات يعرف اليوم باسم "ريمديسيفير"، الذي يلقبه دينيسون بـ"المبيد". فقد تمكن العقار من تخطي نظام التدقيق القوي للحمض الريبي النووي في كورونا، وجعل سلاسل متزايدة منه تنتهي قبل اكتمالها، مما يؤدي إلى قتل الفيروس نفسه. وبينما قتل العقار جميع فيروسات كورونا في اختبارات دينيسون، فقد تمكن الباحثون في جامعة "نورث كارولينا" من استخدام العقار على الحيوانات المصابة، ما أدى إلى قتل الفيروسات فيها أيضاً. وهو ما لا يشمل فيروسات كورونا التي تسبب نزلات البرد الشائعة فقط، بل أيضاً السارس (المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة) وميرس (الفيروس المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية).
مع ذلك، فشل الدواء في عدد من الاختبارات على البشر، لا فقط ضدّ التهاب الكبد الوبائي، لكن أيضاً ضد الإيبولا في أفريقيا. ومنذ ذلك التاريخ، لم يعتمد العقار ضدّ أيّ مرض، حتى ظهور فيروس كورونا الجديد أخيراً. عندها أدرك علماء كثيرون أنّ "ريمديسيفير" قد يكون أفضل حلّ في متناول اليد، وبالفعل اختبر على الحيوانات ثم على البشر. وبدأ الأطباء في إعطائه للمرضى في دراسات لا ضوابط لها، وحتى من دون دراسات. وحفزت حكايات شفاء المرضى الطلب على العقار. وبالرغم من ذلك، لم يكن هناك تأكيد رسمي على أنّ العقار فعال، قبل أن ترعى الحكومة الأميركية التجربة واسعة النطاق التي قامت بها "غيلياد ساينسز" بالشراكة مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية.
لكن، انطلاقاً من كلام فاوتشي، حول "عدم قدرة العقار على قتل المرض نهائياً" تبرز عدة مخاوف، لا سيما أنّ لـ"ريمديسيفير" أعراضاً جانبية خطيرة تشمل: الإسهال والطفح الجلدي والاختلال في وظائف الكلى وانخفاض ضغط الدم.
وعدا عن المؤشرات الواضحة من التجربة التي أجريت في الولايات المتحدة نفسها، من أنّ العقار، الذي يمكن أن يعطى للصغار والكبار في الحالات المرضية الحرجة من فيروس كورونا الجديد، غير قادر على تخفيض معدل الوفيات، فإنّ تجربة العقار في الصين لم تأتِ بنتائج واعدة. فقد أشارت إلى أنّ "ريمديسيفير" لا يساعد المرضى على التعافي بشكل أسرع. وأفاد تقرير نشرته دورية "لانسيت" الطبية يوم الأربعاء الماضي، أنّ الدراسة الصينية توقفت في وقت مبكر، إذ لم يكن هناك ما يكفي من المرضى، لكنّه أشار إلى أنّ الدواء لم يعمل على النحو المأمول هناك. وبينما نشرت منظمة الصحة العالمية بعض تفاصيل هذه الدراسة الأسبوع الماضي على موقعها، أزالت المنشورات لاحقاً. وقد يكون للخلاف الحالي مع الولايات المتحدة، واتهام الأخيرة المنظمة بالانحياز إلى الصين، وسوء إدارة أزمة الوباء العالمي، دور في إزالة المنشورات. واختبر العقار في مستشفى الصداقة الصينية - اليابانية، وجامعة "كابيتال الطبية" في الصين، على 237 مريضاً بفيروس كورونا الجديد في ووهان، لكنّه لم يقدم النتائج المرجوة.
(العربي الجديد)