نقلاً عن موقع "العهد" الاخباري - فاطمة سلامة
هل بات تعرض لبنان لموجة ثانية من الوباء مسألة حتمية؟ سؤال يتم تداوله منذ أيام، مع انطلاق التخفيف التدريجي للإغلاق. وفي هذا الصدد، تكثر السيناريوهات والتحليلات، عن قوة هذه الموجة إن حصلت ومداها. قطعاً، لا أحد يملك الكلمة الفصل في هذا المجال، فنحن وبعد مرور أشهر على ولادة الفيروس إلا أنه لا يزال مستجداً. وعليه، لا يزال خارج إطار السيطرة الكلية. ولن يكون كذلك سوى بالالتزام التام والكامل بالتدابير والاجراءات الصحية التي طبّقتها وزارة الصحة. التعاطي مع "كوفيد 19" يفرض على كل مواطن أن يُنفّذ تدابير التباعد الاجتماعي ويتّبع الأصول والإجراءات لحماية نفسه والآخرين من العدوى. وطالما أنّ لغز "كورونا" لم يُفك حول العالم، طالما أنّ الواقع يفرض علينا مسؤولية شرعية وأخلاقية ووطنية بضرورة الحذر والتنبه من الآتي مهما كانت الأجواء والظروف مريحة نوعاً ما. ومن هنا جاءت تحذيرات رئيس الحكومة حسان دياب حين توقّع انتشار موجة ثانية من الوباء أكثر من الموجة الأولى. تماماً كما أتى تحذير وزير الصحة حمد حسن من تلك الموجة. فماذا يقول أصحاب الاختصاص عن هذه القضية؟
خوري: ترجيح بروز الموجة الثانية في تموز
مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية النائب السابق الدكتور وليد خوري، يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ قضية بروز موجة ثانية في لبنان متوقعة، اذ إنّ لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس "كورونا" ترجّح بروز موجة ثانية أواخر تموز في حال لم يتم الالتزام بالتدابير الواجبة. وبحسب خوري، فإنّ أزمة حدوث موجة ثانية بدأت تعاني منها بعض الدول مع بدء التخفيف التدريجي للإغلاق، حيث ارتفعت الاصابات خاصة في بعض الدول الآسيوية. ويوضح خوري أنّ لجنة "الكورونا" ومع بدء التخفيف التدريجي للإغلاق تدرس حالياً كافة المشاكل التي تواجهها القطاعات كالصناعة والسياحة وغيرها، وتنكب على إنجاز الحلول لها لبلورة إرشادات تمكّن العاملين من حل مشاكلهم بموازاة الحفاظ على أنفسهم وعلى الآخرين من العدوى.
ورداً على سؤال، يشير خوري الى أن الفيروس لا يزال موجوداً في لبنان واللبنانيون لا يمتلكون المناعة اللازمة ضده، ولم يصبح لدينا لقاح، إلا أنّه في المقابل يوضح أنّ المخاوف من موجة ثانية تكمن في وصول عدوى من الخارج جراء عودة حركة الطائرات الى طبيعتها، وسط اكتظاظ بأعداد المسافرين الذين قد يجد لبنان نفسه عاجزا عن فحصهم بأكملهم. حينها يقول خوري سيكون هناك عدوى طالما لا يوجد لقاح. بنظره، فإنّ الخوف يبقى من الخارج في نقل العدوى وحدوث موجة ثانية جراء استهتار المواطنين. وعليه، فإنّ المطلوب بحسب خوري هو استمرار المواطنين في تطبيق تدبير التباعد الاجتماعي والارشادات اللازمة للأشهر القادمة لتخطي الأزمة، خصوصاً أنّ لبنان لم يشهد انتشاراً للفيروس نتيجة تمكنه من ضبط الأوضاع، ولكن في حال انتشر الفيروس بطريقة كبيرة فإن لبنان لن يتمكّن من تتبع المصابين كما يجب وهنا تبرز الخطورة.
مدير مستشفى الحريري: الموجة الثانية حتمية
رئيس مجلس إدارة مُستشفى رفيق الحريري الدكتور فراس الأبيض يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الموجة الثانية حتمية حتمية، ولكنّ الأهم -برأيه- ليست مسألة الحتمية لأننا عندما نقول للناس إن الموجة الثانية حتمية قد يقولون طالما حتمية لماذا نرهق أنفسنا؟ المهم الإشارة الى حجم هذه الموجة الذي قد يكون صغيراً اذا التزمنا بالتدابير والاجراءات، وقد يكون كبيرا اذا لم نلتزم، وهذا جوهر القضية، وما يجب الإضاءة عليه.
إلى ماذا استندتم للقول إنّ هذه الموجة حتمية؟ يجيب الأبيض أنّ تجربة كافة البلدان تقول إنه عندما تبدأ الدول بالتخفيف من الإغلاق وإجراءات العزل، ويعود المواطنون الى حياتهم الطبيعية شيئاً فشيئاً، وهذا ما بدأناه في لبنان، فإنّ الموجة الثانية هي أمر وارد دائماً في كافة البلدان. متى ستعود هذه الموجة؟ يوضح مدير المستشفى التي عملت كرأس حربة في معركة "الكورونا" أن هناك عدة طرق وسيناريوهات لكي تتم دراسة هذه القضية، فمنذ بداية تعاطينا مع فيروس "كورونا" كان هناك أكثر من آلية ونموذج. المشكلة في التعاطي مع الفيروس المستجد أن هناك أمورا لا نستطيع التعرف عليها وأسئلة لا نستطيع الإجابة عنها. مثال على ذلك: هل الفيروس يتأثر بالطقس؟ هل المواطنون سيلتزمون؟ كل هذه الأمور كانت مجهولة لدينا.
وحول ما ينصح به المواطنين للتخفيف من حدّة الموجة الثانية، يقول الأبيض "لا أتصوّر أن أحداً اليوم لا يعرف فحوى التدابير والاجراءات الواجب اتخاذها من تطبيق التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات وغيرها"، إلا أنّ الأهم -بنظره- من هذه المعلومات هي نسبة الالتزام. وهنا يُدلّل المتحدّث على نقطة يصفها بالمهمة، فلا نستطيع أن نقول لعائلة كبيرة تقطن في غرفة واحدة نريد تباعداً اجتماعياً. تماماً كما لا نستطيع أن نقول هذا الأمر لموظفين من مستشفى رفيق الحريري مثلاً يأتون الى عملهم بـ"الباص". يقول الأبيض هذا الكلام في الختام ليوضح أن هناك بعض الأمور التي يجب أن نتطلّع اليها لنسهّل على الناس قضية التباعد الاجتماعي، مع الالتزام بالتدابير الأخرى.
حمية يُقدّم دراسته للواقع اللبناني: أواخر حزيران قد نصل لصفر إصابات والموجة الثانية لا تأتي سوى بعدوى خارجية
المتخصّص في علوم الجزيئيات الذرية والنانوتكنولوجيا الدكتور محمد حمية يقارب في حديث لموقع "العهد" الإخباري هذه القضية بموضوعية ودقّة، فيوضح أننا إعلامياً نرصد ما يحصل حولنا في العالم، ونعكسه على الداخل اللبناني. أما علمياً، ففي الحقيقة، لا شيء يُسمى موجة ثانية كمصطلح، هناك شيء اسمه إعادة تفعيل هيكلية مصالح دول فيما يخص الفيروس. فكلمة موجة ثانية ليست علمية بل مخبرية مفتعلة لأن الفيروس بحد ذاته معدّل مخبرياً، وقد تأقلم على جسم الإنسان وأصبح بإمكانه التغيير بالجينات الخاصة به، رغم أنّ بدايته كانت من صنع يد عاملة بشرية، لكنّ ردة فعله كانت صادمة حتى للذين عدلوه. على سبيل التبسيط، فإن أميركا مثلاً الغارقة بمليون و100 ألف إصابة، لا يحلو لها ارتكاز الأرقام الحاصل في الصين. يقول حمية هذا الكلام ليؤكّد أنّ الموجة الثانية لن تأتي سوى بدفع من يد عاملة بشرية نتيجة عدم التوازن الحاصل بين الشرق والغرب، وبالتالي فإنّ إعادة هيكلية الفيروس بهيكلية جديدة من مصلحة الغرب كثيراً، لإعادة هذا التوازن.
أما في لبنان، فعندما نحذّر من موجة ثانية -يقول حمية- تبرز لدينا مشكلة حول المعطيات التي استندنا إليها. المعطيات العلمية تقول نعم من الممكن أن يعيد الفيروس نفسه ونجد منذ الغد 50 حالة في لبنان جراء عدوى من شخص واحد، وذلك نتيجة الاستهتار بالتدابير التي قمنا بها طالما الفيروس لا يزال موجوداً. وهنا يؤكّد حمية أن توصيف الواقع العلمي بالكلمة الإعلامية "موجة ثانية" ورغم أنها غير دقيقة إلا أنها مفيدة جداً لحصر الوقاية وردع الناس عن الاستهتار بعدما يرفع لبنان التعبئة العامة في أيار على غرار العديد من الدول في العالم.
مخاوف من بروز موجة ثانية في الصين
وفي معرض حديثه عن الفيروس، يلفت حمية الى أنه "غدار" وخطر، والجميع يعلم هذا الأمر، فأي شخص يستهتر 10 بالمئة بالإجراءات بإمكانه نقل العدوى الى 100 إصابة ويعيد لبنان الى نقطة الصفر لينطلق عداد الإصابات صعوداً من جديد، بعدما وصلنا الى مرحلة ثبات في الأرقام والإصابات.
تحذير وزارة الصحة اللبنانية من موجة ثانية -برأي حمية- في محله، اذ قد يبرز في العالم تعديل جديد على الفيروس، وتعود الصين مثلاً للدخول في أتون الإصابات من جديد جراء تصادم غربي-صيني، لأن المصادر العلمية تؤكّد وجود تبادل في الشبهات بين المختبرات الغربية والأميركية والصينية، وهذا الأمر يقودنا لخلق أزمات جديدة من ضمنها أزمة انتشار الفيروس من جديد وبهيكلية جديدة. الأمر الذي يقودنا الى موجات متعدّدة وليست موجة واحدة. فأميركا مثلاً لن تستقر حالتها قبل عام، ونحن نتحدّث فقط عن الاستقرار، وفرنسا أيضاً لن تشهد استقراراً قبل خمسة أشهر. أما الصين فقد استقرت. ومن هنا تبدو المخاوف من بروز موجة ثانية في الصين، استنادا الى المصادر العلمية التي تقول إن هناك إمكانية كبيرة ليتعدّل الفيروس في المختبرات خلال شهر واحد. لذلك، فليس من مصلحة الغرب أن تستقر الصين وهم في ورطة، وفي المقابل، ليس من مصلحة الصين أن يتفوّق الغرب عليها.
هكذا تأتي الموجة الثانية الى لبنان
وحول لبنان الذي يتّبع النموذج الصيني، فيُرجّح حمية أن تنطلق فيه الموجة الثانية كما دخلت الموجة الأولى من الخارج أي عبر العدوى الخارجية. وهذا الأمر يُصبح متوقعاً -بحسب حمية- عندما تُلغى التعبئة العامة وتعود حركة الطائرات تدريجياً من جديد، ما يعيدنا الى نقطة الصفر. هذه النقطة -وفق حمية- تحدّد مسار الموجة الثانية. الأخيرة -بنظره- إن حصلت هي وليدة عدوى خارجية تلقائية. أما إن حصرنا الأمر في لبنان، فهل يأتي الفيروس بموجة أخرى؟ يسأل حمية ويجيب على نفسه بالقول "مستحيل". حينها، لا يكون لدينا موجة ثانية بل ازدياد في الأرقام نتيجة الاستهتار. أما إذا لم نستهتر فيرى حمية أن الوضع سيبقى مستقراً.
أواخر أيار الوضع خطر
يتوسّع المتخصّص في علوم الجزيئيات الذرية والنانوتكنولوجيا في شرح الوضع الحالي في لبنان بناء على الدراسة التي أعدها. نحن في ثبات واستقرار جراء الالتزام بإجراءات وزارة الصحة، ولكن في أواخر شهر أيار ومع رفع التعبئة العامة فإن الوضع يصبح خطراً حال استهتر المجتمع في قضية الوقاية. وفق قناعات حمية، فإنّنا في لبنان نعيش ثباتاً علمياً للأرقام والإصابات، وفي حال استهتر المجتمع سترتفع الأرقام، أما في حال لم يستهتر فسنبقى في خط الثبات نتيجة استقرار الاصابات وتصاعد حالات الشفاء. الأخيرة كانت منذ 4 أيام 150 حالة، أما اليوم فقد ارتفعت حالات الشفاء الى الـ194، اذ إن حالات الشفاء تتزايد من 15 الى 20 بالمئة، بينما نسبة الإصابات من 2 الى 3 بالمئة. ولكن هذا -وفق حمية- لا يعني أن نطمئن، بل المفروض الالتزام أكثر بالوقاية والاجراءات. يجزم حمية أنّ الخطر يعود جراء تصرف المجتمع اللبناني، لأنّ الفيروس في هيكليته ثابت في لبنان، ولكن هناك نقطتان على الناس معرفتهما لدى رفع التعبئة العامة في أيار. اولاً أننا دخلنا في مرحلة ثبات تام، وثانياً، أن العالم كله يقدم على حرب مختبرات بيولوجية بين مختبر صيني، وثان ألماني، وثالث أميركي نتيجة التنافس على انتاج اللقاحات، وعندما تعلم أي دولة أن الأخرى عثرت على لقاح حكماً ستعمل على ضرب المختبر كي لا يسبق اللقاح الآخر. وهذا التجاذب المخبري والتحدي قد يخلق موجة ثانية في العالم ومنه الى لبنان.
أواخر حزيران قد نصل الى صفر إصابات
حمية الذي أكّد سابقاً أن بإمكاننا فك التعبئة العامة تدريجياً في أواخر أيار مع الطلب من الناس أن تبقى حذرة جداً، يوضح في دراسة جديدة أعدّها أنّه وفي أواخر حزيران ومقارنةً بحالات الشفاء الموجودة لدينا وقلة الإصابات، يوضح أنه قد نصل الى صفر إصابة. ففي أواخر حزيران يلتقي خط الشفاء مع خط الإصابات الثابت. وهنا يصبح الوضع حرجاً جداً، لماذا؟ لأننا أصبحنا عند نقطة صفر إصابات ولم يعد لدينا تعبئة عامة، ما يضعنا -برأي حمية-أمام احتمالين: إما أن نتمكّن من ضبط الأمور وتغلّب لبنان على الفيروس مع احتمال تسجيل إصابة هنا أو هناك بين فترات متباعدة، وهذا أمر طبيعي لأنّ الفيروس قد يبقى معنا طالما لم يتم اكتشاف لقاح له. وإما أن نذهب الى الأسوأ نتيجة الارتياح الزائد الذي قد يدخلنا في صدمة جديدة ونعود لنبني عداد إصابات جديداً جراء عدوى خارجية أو استهتار داخلي كما حصل في طرابلس وعكار. في أواخر حزيران يبدأ العمل الجدي -وفق المتحدّث- لأننا انتصرنا، فأصعب من الانتصار هو المحافظة عليه، وإلا خرجت الأمور عن السيطرة. الاحتجاجات في الشارع مثلاً هي عامل سلبي جداً، وخطر أكثر من المغتربين. المغتربون صحيح أنهم يؤثرون على الدراسات ولكن لا يزيدون الاصابات سوى بعض الشيء نتيجة التزامهم بالحجر والتدابير اللازمة، يختم حمية حديثه.
لقراءة المقال من الموقع اضغط هنا