أفادت تقارير بأن عددا من عشاق المستديرة الذين حضورا إلى ملاعب مباريات يورو 2020 أُصيبوا بفيروس كورونا، وهكذا فإن خطر الإصابة لا يزال قائما خاصة في ظل وجود سلالة دلتا. "DW" تتقصى الوقائع في هذا التقرير.
تُجرى بطولة كأس أوروبا (يورو 2020) في 11 مدينة أوروبية مختلفة تقع في عشر دول. وقد أثارت صور حشود الجماهير وهي تشجع منتخباتها في الملاعب التي شهدت المنافسات الأوروبية الاستغراب من قبل الكثيرين، فهي تأتي بعد 18 شهرا على جائحة كورونا التي لم تجد نهايتها بعد. وخلال المنافسات، هتفت الجماهير في حماس شديد لتشجيع فريقها فيما لم يرتدي الآلاف منهم كمامات.فما تأثير الحدث الرياضي الأكبر الذي يشهد حضورا جماهيريا كبيرا في المدرجات على الموجة الثالثة من وباء كورونا التي بدأت في الانحسار؟ ولتوضيح الحقائق، يقوم فريق تقصي الحقائق في مؤسسة DW بالإجابة عن التساؤلات حيال هذا الأمر.
هل انتشر كورونا في مباريات يورو 2020؟
في بعض مباريات يورو 2020ـ، خضع الجمهور لاختبارات سريعة لفيروس كورونا، وفي حالات أخرى، أُصيب عدد من المتفرجين بفيروس كورونا بعد حضورهم المباريات. ففي الدنمارك، أُصيب عدد من الجماهير بسلاسة دلتا المتحورة بعد حضور مباراة الدنمارك ضد بلجيكا. وعلى وقع هذا، نصحت السلطات ما يقرب من أربعة ألاف متفرج شاهدوا منافسات يورو 2020 في ملاعب أخرى بإجراء اختبارات PCR.
وفي بودابست، ذكرت أنباء بأن عائلة فرنسية أُصيبت بفيروس كورونا عقب حضور مباراة منتخب الديوك ضد المجر. وحتى الآن، تم الإبلاغ عن معظم الإصابات بفيروس كورونا إلى حد ما عقب مباراة فنلندا وبلجيكا التي جرت في مدينة سان بطرسبرغ الروسية. ووفقا لوسائل الإعلام الفنلندية، فإنه تم اكتشاف 86 إصابة على الأقل بين الأشخاص الذين عادوا إلى فنلندا من روسيا، لكن ليس واضحا بعد إذا كانوا قد أصيبوا بفيروس كورونا خلال تواجدهم في ملعب المباراة أم في أماكن أخرى خلال السفر والانتقال.
هل الفعاليات التي تنظم في الهواء الطلق خطيرة؟
يتفق الخبراء على أن فرص الإصابة بفيروس كورونافي الأحداث التي تُنظم في الأماكن المفتوحة منخفضة بشكل نسبي إذ أن الهواء الطلق يخفف من حدة الهباء الجوي المقصود به الجزيئات المحمولة في الهواء الناتجة عن التنفس والكلام التي تحمل الفيروس. لكن يحصل هذا في حالة الالتزام بالحد الأدنى من التباعد الاجتماعي بين الناس.
وفي ذلك، أشار ويليام شافنر - أستاذ الأمراض المعدية في جامعة فاندربيلت الأمريكية- إلى أن حضور مباريات يورو 2020 في الملاعب يشكل خطرا منخفضا نسبيا في نقل العدوى، لكن هذا شريطة الالتزام بإجراءات الوقاية مثل وجود حد أدنى من التباعد بين المشجعين. وقال شافنر إن هذه التدابير تختلف من مكان إلى آخر فيما يتعلق بمباريات يورو 2020. ففي بودابست، اكتظ استاد فيرينك بوشكاش بالجماهير، لكن كان يتعين على كل مشجع تقديم نتيجة اختبار فيروس كورونا لإثبات عدم إصابته قبل السماح بدخول الاستاد. أما في جلاسكو، فقد كان ملعب هامبدن بارك ممتلئ بنسبة 20 في المئة من سعته لكن لم يكن ملزما على المشجعين تقديم نتائج اختبارات (PCR).
ووفقا للباحث الألماني في مجال الهباء الجوي جيرهارد شيش فإن مخاطر العدوى في ملاعب كرة القدم تكمن بشكل خاص في الأماكن رديئة التهوية مثل المصاعد ودورات المياه. وفي هذا السياق، يضيف شيش "إذا تنفس الشخص المصاب الفيروس في هذه الأماكن، فإن الهباء الجوي سيبقى لفترة طويلة نسبيا". وأشار شيش وشافنر إلى أن أبرز المشاكل حيال هذا الأمر ما يحدث قبل انطلاق المباراة وبعدها خاصة ما يتعلق باستخدام عشرات الآلاف من المشجعين لوسائل النقل مثل الحافلات والقطارات والطائرات للانتقال من وإلى الاستاد فيما يمكث الكثير منهم في فنادق وأحيانا يرتادون الحانات بعد انتهاء المباراة.
عدم التزام العديد من المشجعين بارتداء الكمامات؟
كشفت دراسات عملية أن ارتداء الكماماتيعد عاملا هاما في منع تفشي فيروس كورونا. وجاء في دراسة حصلت عليها DW من معهد RWI Leibniz الألماني للأبحاث الاقتصادية وجامعة جنوب الدنمارك (SDU) في مدينة سوندربورغ، عن أن مباريات الدوري الألماني لكرة القدم (البوندسليغا) التي شهدت حضورا كبيرا من الجماهير أدت إلى زيادة كبيرة في الإصابات الجديدة بفيروس كورونا.
وقالت الدراسة إن هذا الأمر يحدث بشكل خاص بسبب ارتداء الكمامات فقط عندما يتوجه المشجعون إلى المقاعد في الملاعب ، غير أن أنهم لا يلتزمون بارتدائها خلال مشاهدتهم المباراة في الأماكن المخصصة لهم. في هذا السياق، يقول مؤلف الدراسة فيليب بريدنباخ إن الأحداث الرياضية التي تسمح بحضور عدد كبير من المشجعين "تشكل خطرا كبيرا في نقل العدوى". وسجل الباحثون زيادة في معدل الإصابة المحلية بنسبة 7-8 بالمائة حسب دراسة تناولت تأثير حضور الجماهير لمنافسات البوندسليغا على تفشي فيروس كورونا. وقالت الدراسة إن هذه النتائج تعد دليلا جليا على أهمية ارتداء الكمامات والحفاظ على قواعد التباعد الاجتماعي عند حضور الفعاليات الرياضية. ويتفق في هذا الرأي شافنر إذ يؤكد على أن "الكمامات ليست حلا مثاليا لكنها توفر الحماية خلال التواجد وسط أشخاص يهتفون ويصرخون في الاستاد".
مدى فعالية ارتداء القناع داخل الملعب
أظهر النصف الأول من منافسات يورو 2020 عدم الالتزام بالحد الأدنى للمسافة الموصى بها والمحددة في ملاعب كرة القدم إذ شهدت الملاعب في كوبنهاغن وميونيخ وبودابست ومدن أخرى، قيام العديد من المشجعين بالوقوف والجلوس بالقرب من بعضهم البعض. وفي الوقت نفسه، فقد تم تخفيض السعة القصوى في الملاعب بموجب قرارات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) لكي يتم الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي بين الجماهير.
وكان الاستثناء الوحيد لهذا الأمر حتى الآن ما وقع في بودابست حيث لم يسمح فقط بامتلاء الاستاد عن أخره وإنما أيضا سُمح بمسيرات تضم أكثر من 20 ألف شخص من دون منعها. أما فيما يتعلق بمباريات الدورين قبل النهائي والنهائي من البطولة في ملعب ويمبلي اللندني فقد سمحت الحكومة البريطانية بحضور 75 في المئة من سعة الاستاد. ويعني هذا أن من بين كل أربعة مقاعد سيكون هناك مقعدا فارغا وهذا أقل جدا من المطلوب للحفاظ على مسافة متر ونصف بين المشجعين.
هل يمكن ليورو 2020 أن تسهم في زيادة العدوى بمتحورة دلتا؟
يشار إلى أن هناك مخاوف كبيرة حيال تزايد الإصابات بمتحورة دلتا في روسيا والمملكة المتحدة وهي من الدول التي تستضيف منافسات يورو 2020. وقد أصدر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) قرارا يقضي بالسماح لحوالي 2000 متفرج أجنبي و2500 شخص من مسئولي الاتحاد والصحافيين والشخصيات الهامة بدخول الاستاد دون الحاجة إلى الالتزام بالحجر الصحي المطلوب عادة بعد دخول المملكة المتحدة. وفي ظل هذا القرار، حذر عدد من الخبراء بينهم شيش من تداعيات هذا الأمر.
ورغم ذلك، يعتقد شيش أن الخطر حيال أن تساهم مباريات يورو 2020 في زيادة الإصابة بمتحورة دلتا داخل القارة الأوروبية لا يزال منخفضا. وفي هذا السياق، يقول شيش "في النهائي، قد يبلغ معدل الإصابة في غضون سبعة أيام قرابة مائتين. ولنفرض أنه لا يوجد اختبارات وتم السماح لأي شخص بالدخول. ففي هذه الحالة سيكون هناك 120 شخصا على الأكثر ممن تواجدوا في هذا الملعب قد أصيبوا". ويضيف "بالطبع فإن عددا من هؤلاء الأشخاص ستكون إصابتهم شديدة الخطورة. وفي ظل هذا، فإن السيناريو الأسوأ سيكون حدوث ما يقرب من 50 إصابة جديدة إجمالا".
وقال في سياق متصل يقول: "بالطبع ستكون معظم هذه الإصابات لبريطانيين وهم من سيبقون في بلادهم لذا فإن عددا قليلا منهم سيغادر إلى البلدان الأوروبية الأخرى". ووفقا للباحث الالماني فإن أوروبا تشهد بالفعل زيادة في الإصابة بمتحورة دلتا شديدة الخطورة وبالتالي لن تؤدي إصابات قليلة جراء يورو 2020 إلى تسريع معدل الإصابة بشكل كبير. ويذهب خبراء آخرون إلى القول بأن متحورة دلتا ستكون قريبا السلالة السائدة في البلدان الأخرى بغض النظر عن تأثير يورو 2020.
ورغم ذلك، يحذر العديد من الخبراء بينهم رئيس الجمعية الطبية العالمية والرئيس السابق للجمعية الطبية الألمانية فرانك أولريش مونتغمرين من السفر إلى بريطانيا بسبب الخطر المرتبط بحضور منافسات يورو 2020. الجدير بالذكر أن المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها أفاد بأنه جرى تطعيم أقل من 36 بالمائة من مواطني الاتحاد الأوروبي البالغين بشكل كامل حتى الخامس عشر من يونيو / حزيران الجاري.