(الجارديان)
أصبحت الطريقة التي بدأ بها فيروس "كوفيد-19" مثيرة للجدل بشكل متزايد، حيث أشارت الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرون إلى أن الصين لم تكن شفافة بشأن أصول تفشي المرض.
وقال الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إن هناك معلومات استخبارية تشير إلى أن الفيروس ربما خرج من مختبر في ووهان، بالرغم من رفض مجتمع الاستخبارات الأمريكية دعم ذلك بشكل واضح، ويقول المجتمع العلمي إنه لا يوجد دليل حاليا على هذا الادعاء.
ويأتي هذا بعد تقارير تفيد بأن البيت الأبيض كان يضغط على أجهزة الاستخبارات الأمريكية بشأن هذا الادعاء، ليذكرنا هذا بضغوط إدارة "بوش" على الاستخبارات الأمريكية قبل غزو العراق.
وتعتبر الرواية الرسمية حول أصل الفيروس غير مترابطة، وفي هذا السياق يأتي الحديث عن حالات الإصابة المبكرة التي ليس لها اتصال واضح بسوق ووهان للمأكولات البحرية، وهو المكان الذي تقول بكين إن التفشي بدأ منه.
مختبرات ووهان
تم تسليط الضوء على مختبرين في ووهان يدرسان الفيروسات التاجية في الخفافيش، الأول هو معهد ووهان، وهو مرفق للأمن البيولوجي من المستوى 4، يمثل أعلى مستوى للتنوع البيولوجي في مركز واحد، والثاني هو مركز ووهان لمكافحة الأمراض من المستوى 2، الذي يقع على مسافة ليست بعيدة عن سوق الأسماك، ويضم عينات من الفيروسات التاجية للخفاش.
وتم الترويج لعدة نظريات؛ الأول والأكثر وحشية، هو أن علماء في معهد ووهان لعلم الفيروسات كانوا منخرطين في تجارب على الفيروسات التاجية في الخفافيش ضمن ما يعرف بالربط الجيني، ثم خرج الفيروس عن السيطرة وأصاب البشر.
ويفترض السيناريو الثاني انطلاق الفيروس نتيجة خلل في إجراءات الأمن الحيوي بين العاملين في المختبر، ربما أثناء جمع أو التخلص من عينات الحيوانات.
هل هناك أي دليل على هندسة الفيروس؟
يكاد يكون الرفض العلمي لفكرة هندسة الفيروس يحظى بالإجماع، وفي رسالة إلى مجلة "نيتشر" في شهر مارس/آذار، قال فريق في كاليفورنيا بقيادة أستاذ علم الأحياء الدقيقة "كريستيان أندرسن" إن "البيانات الوراثية تُظهر بشكل قاطع أن كوفيد-19 ليس مشتقا من أي حمض نووي للفيروسات المعروفة سابقا"، بعبارة أخرى، "كوفيد-19" ليس جزءا مقتطعا من فيروس آخر معروف.
ورجح الفريق أن الفيروس ظهر بشكل طبيعي وأصبح أقوى من خلال الانتقاء الطبيعي، وقالت الرسالة: "نقترح سيناريوهين يمكن أن يفسرا بشكل معقول أصل كوفيد-19، الانتقاء الطبيعي في مضيف حيواني قبل الانتقال من الحيوان إلى الإنسان؛ والانتقاء الطبيعي عند البشر بعد استقبال الأمراض الحيوانية".
وكما شرح "بيتر بن إمبارك"، الخبير في منظمة الصحة العالمية في نقل الأمراض من الحيوان إلى الإنسان، وأخصائيون آخرين، لصحيفة "الجارديان"، أنه إذا كان هناك أي تلاعب بالفيروس، نتوقع حينها رؤية أدلة في التسلسل الجيني وتشوهات أيضا في بيانات شبكة الطفرات.
وفي تصريح لصحيفة "الجارديان"، نفى "جيمس لو دوك" هذه الاحتمالية، وهو رئيس مختبر "جالفستون" الوطني في الولايات المتحدة، وهو أكبر مرفق نشط للتواصل البيولوجي في حرم جامعي أمريكي.
وقال: "هناك أدلة مقنعة على أن الفيروس الجديد لم يكن نتيجة هندسة وراثية مقصودة، وأنه من شبه المؤكد أنه نشأ بشكل طبيعي، نظرا لشبهه العالي بالفيروسات التاجية المعروفة المرتبطة بالخفافيش".
إجراءات السلامة في المختبر
تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" عام 2018 عن مخاوف مسؤولي السفارة الأمريكية الذين زاروا معهد ووهان لعلم الفيروسات عدة مرات بشأن ضعف الأمن والإدارة، بالرغم أن الصحيفة اعترفت أيضا بعدم وجود دليل قاطع على أن المختبر هو مصدر تفشي المرض.
ومع ذلك، يرسم "لو دوك" صورة مختلفة عن المعهد، إذ يقول: "قمت بزيارة مختبر BSL4 الجديد في ووهان وتجولت فيه قبل أن يبدأ عملياته في 2017. وقد وجدته يتمتع بمقاييس جودة وسلامة مماثلة لأي معايير قيد التشغيل حاليا في الولايات المتحدة أو أوروبا".
كما تحدث عن لقاءات مع "شي زينجلي"، عالمة الفيروسات الصينية في المعهد الذي قاد البحث في فيروسات التاجية في الخفافيش، واكتشف العلاقة بين الخفافيش وفيروس "سارس" الذي تسبب في نشر المرض في جميع أنحاء العالم عام 2003، واصفا إياها بأنها "متفاعلة تماما ومنفتحة للغاية وشفافة حول عملها، وحريصة على التعاون".
وكررت "مورين ميللر"، عالمة الأوبئة التي عملت مع "شي" كجزء من برنامج أبحاث فيروسية تمولها الولايات المتحدة، تقييم "لو دوك". وقالت إنها تعتقد أن نظرية هروب الفيروس من المختبر "نظرية مؤامرة مطلقة"، وأشارت إلى "شي" على أنها "رائعة".
مشاكل في الجدول الزمني وخريطة انتشار الفيروس
وفي حين أوضح الخبراء الذين تحدثوا إلى "الجارديان" أن أصول الفيروس لا تزال غامضة، فقد أضافوا أن المعلومات المتوفرة حاليا تضعف نظرية هروب الفيروس من المختبر.
وعندما قارن "بيتر فورستر"، عالم الوراثة في كامبريدج، سلاسل الجينوم الفيروسي التي تم جمعها في وقت مبكر من التفشي في الصين، وعالميا بعد ذلك، فقد حدد 3 سلالات سائدة.
وفي وقت مبكر من التفشي، يبدو أن سلالتين كانتا تنتشران في نفس الوقت تقريبا، السلالة "أ" والسلالة "ب"، مع سلالة "ج" تطورت لاحقا من السلالة "ب".
ولكن في اكتشاف مفاجئ، لم تكن النسخة ذات تشابه وراثي قريب للفيروس التاجي الأكثر انتشارا في وقت مبكر في مدينة ووهان، لكنها ارتبطت بدلا من ذلك بانتشار الحالات المبكرة في مقاطعة "قوانجدونج" الجنوبية.
وبين 24 ديسمبر/كانون الأول 2019 و17 يناير/كانون الثاني 2020، كما يشرح "فورستر"، كانت 3 حالات فقط من أصل 23 حالة في ووهان من النوع "أ"، بينما كانت البقية من النوع "ب".
وتم العثور على 5 من أصل 9 لديهم السلالة "أ" في مرضى مقاطعة "قوانجدونج".
وقال "فورستر": "بالرغم من الأعداد الصغيرة جدا، فإن ترددات الجينوم المبكرة حتى 17 يناير/كانون الثاني لا تجعل ووهان احتمالا أكبر كأصل مقارنة بأجزاء أخرى من الصين".
بعبارة أخرى، لا يزال من غير المؤكد أن ووهان كانت بالضرورة المكان الذي ظهر فيه الفيروس للمرة الأولى.
وإذا لم يكن هناك دليل على هندسة الفيروس، ولا يزال الأصل محل خلاف كبير، فلماذا ما زلنا نتحدث عن نظرية مختبرات ووهان؟
وأدى الوباء إلى تفاقم الصراعات الجيوسياسية القائمة، ما دفع إلى حرب مضللة اجتذبت الولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها.
وتم استهداف الصحفيين والعلماء من قبل أشخاص لديهم اهتمام واضح بدفع الأدلة الظرفية المتعلقة بأصل الفيروس، ربما كجزء من هذه الحملة، ولتشتيت الانتباه عن حقيقة أن القليل من الحكومات كانت لديها استجابة خالية من الأخطاء.
ومثل الفيروسات التاجية الأخرى من قبل، انتشر "كوفيد-19" ببساطة إلى البشر عبر حدث طبيعي، وهي نقطة الانطلاق للكثيرين في المجتمع العلمي بما في ذلك منظمة الصحة العالمية.
وقد يؤدي المزيد من الاختبارات في الصين في الأشهر المقبلة إلى تحديد مصدر تفشي المرض في نهاية المطاف، لكن الآن من السابق لأوانه الحديث حول معلومات مؤكدة.