(ميدل إيست آي)
تلقي جائحة الفيروس التاجي "كوفيد-19" المزيد من الوقود على العلاقة المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة والصين، حيث يتبادل الطرفان الاتهامات حول أصله وانتشاره.
وفي يناير/كانون الثاني، افتتح السيناتور الأمريكي "توم كوتون"، (المعروف بمواقفه الحازمة تجاه الصين منذ فترة طويلة)، حديثه ملمحا إلى أن الفيروس ربما أطلقه مختبر في "ووهان"، وهو ما رددته الإدارة الأمريكية لاحقا.
وفي الصين، أثار متحدث باسم وزارة الخارجية احتمال أن يكون الجيش الأمريكي قد أدخل الفيروس إلى البلاد.
وكان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يتناوب بين المديح للصين وتوجيه أصابع الاتهام، واصفا الفيروس التاجي بأنه "الفيروس الصيني"، وحاول وزير الخارجية "مايك بومبيو" بيع الفكرة إلى مجموعة الدول الصناعية السبع، ولكن دون جدوى.
وردت بكين بحملة علاقات عامة عالمية تهدف إلى تحسين مكانتها، واستمرت في توصيل الإمدادات الطبية إلى العديد من البلدان المتضررة من الوباء، وأثار هذا النشاط مخاوف من أن تستخدم بكين الوباء لتقويض النظام العالمي.
وتحدثت بعض وكالات الأنباء الأمريكية اليمينية عن احتمال مطالبة الصين بدفع تعويضات عن الوباء، بينما حذر وزير الخارجية البريطاني "دومينيك راب" من أن العلاقات مع الصين لا يمكن أن تعود إلى العمل كالمعتاد دون أن تكشف بكين تفاصيل تفشي المرض.
وهذا الشهر، تم انتقاد "ترامب" بسبب اختياره قطع التمويل عن منظمة الصحة العالمية، وألقى باللوم مرة أخرى على الصين والمنظمة لفشلها في تنبيه العالم على الفور إلى الوباء.
وفي نفس اليوم، نشرت وكالة "أسوشيتد برس" تقريرا بعنوان: "الصين لم تحذر الجمهور من احتمال حدوث جائحة لمدة 6 أيام".
وليس هناك شك في أنه ينبغي إجراء تحقيق شامل في أصل الفيروس وانتشاره، ولكن تقرير "أسوشيتد برس" يهين عقولنا.
ويعد إلقاء اللوم على الصين للتأخر 6 أيام أمرا مثيرا للسخرية، في حين تأخرت الحكومات الغربية الكبرى، بعد أن عرفت خطر الوباء منذ يناير/كانون الثاني، ما لا يقل عن 6 أسابيع دون أي تدابير لمنع العدوى، مع ما نتج عن ذلك من عواقب بشرية واقتصادية مدمرة.
المنافسة الاستراتيجية
وفي 14 أبريل/نيسان، نشر "هو شي جين"، محرر "جلوبال تايمز"، والذي يعكس آراء الحزب الشيوعي الصيني، افتتاحية قاسية بعنوان: "العلاقات الصينية الأمريكية لن تكون هي نفسها بعد الآن".
ورفض المقال بتحدٍ اتهامات الولايات المتحدة بأن الصين هي التي دمرت العلاقات الثنائية، وأشارت الافتتاحية إلى أن "الولايات المتحدة لا تقبل إمكانية أن تصبح الصين قوة موازية ومتساوية".
وبحسب الافتتاحية، فإن الولايات المتحدة تريد أن تتوقف الصين عن تقدمها في مجال التقنية العالية، وتركز فقط على الصناعات التقليدية، لتبقى غير قادرة على المنافسة مع الولايات المتحدة والغرب.
وفي نهاية المطاف، فإن اعتقاد بكين الراسخ هو أن ما تريده الولايات المتحدة حقا هو إضعاف الصين بحيث تفقد تماما قدرتها التنافسية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
ووفقا للتحليل الذي أجراه كبير المتخصصين في الشؤون الأمريكية الصينية "تشاس فريمان"، فإن موقف الولايات المتحدة هو على النحو التالي: "تطمح الصين إلى السيطرة على جيرانها واستبعاد الولايات المتحدة من النظام الناشئ المتمركز حول الصين في منطقتها، وهذه الهيمنة ستعطي بكين الموارد البشرية والمادية لتهديد ليس فقط الهيمنة الأمريكية ولكن الولايات المتحدة نفسها. ولا تملك دول المنطقة القدرة على موازنة وتقييد القوة والنفوذ الصينيين، لذا يجب على الولايات المتحدة أن تفعل ذلك من أجلهم".
ويضيف "فريمان": "في واشنطن اليوم، لم تعد هذه الافتراضات المخيفة مجرد نظريات؛ بل يتم التعامل معها على أنها أشياء بديهية".
وعلى حد قول أكاديمي بارز آخر، وهو "كيشور محبوباني" فقد انقسمت الولايات المتحدة بشأن جميع سياسات الرئيس الأمريكي باستثناء واحدة، وهي حربه التجارية والتكنولوجية ضد الصين.
وبالتالي، لا يمكن توقع تغييرات جذرية في هذا الشأن برئاسة "جو بايدن"؛ فمن المنطقي أن نتوقع أن يتحرك البلدان نحو مفاصلة اقتصادية، إن لم يكن أسوأ.
تهديد للهيمنة العالمية
ومع ذلك، هناك اختلافات كبيرة لا ينبغي تجاهلها في مواقف الولايات المتحدة والصين تجاه بعضهما البعض، وكذلك مع بقية العالم.
ويرى القادة الصينيون علاقتهم مع الولايات المتحدة كمنافسة اقتصادية وتكنولوجية، وبالرغم من أن بكين أقل قوة عسكريا، لكنها لا تتصور الولايات المتحدة كتهديد وجودي.
من ناحية أخرى، يبدو أن المؤسسة الأمريكية غير قادرة على قبول أي تهديد لهيمنتها العالمية، ويتم اعتبار كل من يقترب من استنساخ قدراتها عدوا بشكل تلقائي.
ومع ذلك، تبدو طموحات البلدين مختلفة، ولا تزال الولايات المتحدة تعتقد أنها أفضل مجتمع أداء في العالم، مجتمع يجب على الجميع محاكاته وتبني قيمه.
وتهدف الصين ببساطة إلى تجديد حضارتها والهيبة التي كانت تتمتع بها قبل الإذلال الذي عانت منه بعد حرب الأفيون عام 1839 والثورة الشيوعية عام 1949.
وفي حين أن أفضل طريقة للتغلب على الكارثة الاقتصادية الناجمة عن الفيروس التاجي تعتمد إلى حد كبير على التعاون بين الولايات المتحدة والصين، فإن الدولتين الأكثر أهمية في العالم تتجهان نحو لعبة صفرية.
وفي حين أن اتهامات الولايات المتحدة للصين مفهومة إلى حد ما، إلا أن صعود بكين المثير للإعجاب كان في الأساس هو الجرح الذي تشعر به الولايات المتحدة.
وفي العقود الثلاثة الماضية، استثمرت بكين في البحث والتطوير والبنية التحتية، في حين شنت واشنطن حروبا مكلفة لا حصر لها.
وكانت الصين قد ساهمت في دعم الاقتصاد العالمي بعد أزمة عام 2008، ولكن من غير المؤكد الآن ما إذا كان بإمكانها أو إن كانت ستفعل ذلك مرة أخرى.