نشرت المجلة الدورية العلمية البريطانية المتخصصة "نيتشر" Nature مقالاً حول مدى أمان وفعالية لقاح "سبوتنيك-V" الروسي، مشيرة إلى أن الأدلة المتزايدة تشير إلى أنه لقاح آمن وفعال.
وتعد هذه المجلة من أبرز الدوريات العلمية حول العالم، ونشرت عددها الأول في نوفمبر من عام 1869، ومن أهم التخصصات التي تضمها هي مجالات الفيزياء والأحياء، وأصبحت المجلة تصدر في طبعتها العربية في موقعها على الإنترنت منذ 2012.
وجاء في المقال:
لقد أصبح اللقاح الروسي "سبوتنيك-V" متاحاً للتطعيم فيما يقرب من 70 دولة، إلا أن اعتماده في عدد من الدول تباطأ بسبب الجدل والتساؤلات حول آثاره الجانبية النادرة، إلى جانب عدم حصوله بعد على موافقة منظمة الصحة العالمية.
كان اللقاح الروسي "سبوتنيك-V" محل إعجاب وجدل منذ أن سمحت الحكومة الروسية باستخدامه العام الماضي، قبل نشر نتائج التجارب المبكرة، حيث تشير الدلائل من روسيا، وعدد من البلدان الأخرى إلى أن اللقاح آمن وفعال، على الرغم من وجود أسئلة حول جودة المراقبة للآثار الجانبية النادرة المحتملة.
يعد "سبوتنيك-V" أول لقاح تم تسجيله للاستخدام في جميع أنحاء العالم (11 أغسطس 2020)، ومنذ ذلك الحين تمت الموافقة عليه في 67 دولة بما في ذلك البرازيل والمجر والهند والفلبين. لكن اللقاح، والنسخة الأحدث منه "سبوتنيك لايت" لم يحصلا بعد على الموافقة للاستخدام الطارئ من وكالة الأدوية الأوروبية EMA، أو منظمة الصحة العالمية WHO، حيث تعد موافقة منظمة الصحة العالمية أمراً بالغ الأهمية للتوزيع على نطاق واسع، من خلال مبادرة الوصول العالمي للقاحات "كوفيد-19" COVAX، التي تسعى لتوفير جرعات للدول ذات الدخل المنخفض.
لقد تم ترخيص اللقاح من قبل وزارة الصحة الروسية قبل أكثر من شهر من نشر نتائج المرحلة الأولى والثانية من التجارب، وحتى قبل بدء المرحلة الثالثة من تجربة اللقاح. وهو ما دفع المجتمع العلمي لاستقبال إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن تسجيل اللقاح بغضب شديد. حول هذا يقول عالم الأوبئة في معهد بيرنت في ملبورن الأسترالية، مايكل تول: "إذا كانت الحكومة توافق على لقاح حتى قبل أن تعرف نتائج التجربة، فإن ذلك ليس مدعاة للثقة".
لكن هذه المخاوف هدأت عندما أشارت نتائج المرحلة الثالثة، التي نشرت في فبراير من قبل مطوري اللقاح، إلى أن اللقاح فعال بنسبة 91.6% في الوقاية من عدوى "كوفيد-19" المصحوبة بأعراض، وبنسبة 100% في منع العدوى الشديدة. ومع ذلك، انتقد بعض العلماء مطوري اللقاح لفشلهم في توفير الوصول إلى البيانات الأولية الكاملة لتجارب المرحلة المبكرة، وأعربوا كذلك عن مخاوفهم بشأن التغييرات في بروتوكول إدارة اللقاح والتناقضات في البيانات.
من جانبهم، رد مطورو اللقاح بأنهم وفّروا للسلطات التنظيمية جميع البيانات اللازمة للحصول على الموافقة، وأن البيانات التي تضمنتها الأبحاث كانت كافية للقراء لـتأكيد كفاءة اللقاح التي أبلغوا عنها. كما تناولوا استفسارات البروتوكول، وقالوا إن التناقضات العددية كانت "أخطاء مطبعية بسيطة تم تصحيحها رسمياً". وعلى الرغم من عدم الحصول على موافقة وكالة الأدوية الأوروبية أو منظمة الصحة العالمية، فإن عددا من البلدان من بينها كوريا الجنوبية والأرجنتين والهند أصبحت تقوم بالفعل بتصنيع "سبوتنيك-V"، بينما تخطط الهند لضخ 850 مليون جرعة على الأقل، للمساعدة في تسريع تطعيم المحاصرين، في الوقت الذي أصبحت فيه بلدان أخرى مثل المجر وإيران تستورد "سبوتنيك-V" ليصبح عنصراً أساسياً في حملات التطعيم المحلية.
لكن الطريق لم يكن سهلاً، فقد رفضت الجهة المنظمة للصحة في البرازيل، على سبيل المثال، طلباً لاستيراد "سبوتنيك-V" بسبب مخاوف من نقص البيانات المتعلقة بالسلامة والجودة والفعالية، ثم تم التراجع عن هذا القرار في يونيو، مع الموافقة على اللقاح للبالغين الأصحاء فقط.
إن "سبوتنيك-V" هو لقاح للفيروس الغدّي، ما يعني أنه يستخدم "فيروسات غدّية مُهندَسة"، وهي عائلة من الفيروسات التي تسبب عادة أعراضاً مرضية خفيفة فقط كآلية لإدخال الشفرة الجينية لبروتين فيروس كورونا المستجد إلى داخل الخلايا البشرية. ويشبه اللقاح في ذلك لقاحات أكسفورد "أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون"، ولكن بدلاً من استخدام فيروسات غدّية مهندسة، كما يفعل هذان اللقاحان، يستخدم "سبوتنيك-V" فيروسات غدّية مختلفة تسمى rAd26 و rAd5 ، للجرعتين الأولى والثانية على التوالي.
حول هذا يقول الباحث في مجال التكنولوجيا الحيوية في معهد سكولكوفو للعلوم والتكنولوجيا في موسكو، دميتري كوليش، والذي لم يشارك في تطوير "سبوتنيك-V"، إن المنطق العلمي كان لزيادة الفعالية، لكنه يضيف أن للفيروسيين الغدّيين طريقتين مختلفتين قليلاً لإدخال مادتهما الوراثية في الخلية المضيفة، ما سيحسّن نظرياً معدل نجاح إيصال المادة الوراثية الفيروسية إلى حيث يجب إيصالها.
اشتملت الدراستان الأوليتان من مطوري اللقاح، اللتين نشرتا في سبتمبر 2020، على 76 من البالغين الأصحاء، ممن تلقوا جرعتين مع نواقل فيروسية مختلفة بفارق 3 أسابيع. أنتج جميع المشاركين أجساماً مضادة لبروتين فيروس كورونا المستجد، وكانت الآثار الضارة المبلغ عنها مجرد آلام خفيفة في موقع الحقن، والحمى، والصداع، والتعب، وآلام العضلات، وغيرها من الآثار والأعراض النموذجية المصاحبة لفيروس كورونا المستجد.
في تجربة المرحلة الثالثة، التي نشرت بشكل مؤقت في فبراير، باختيار 14964 بالغاً عشوائياً لتلقي اللقاح المكوّن من جرعتين، و5476 لتلقي جرعتين من اللقاح الوهمي Placebo. أصيب من هؤلاء 16 شخصاً فقط في مجموعة اللقاح بأعراض "كوفيد-19"، مقارنة بـ 62 في مجموعة اللقاح الوهمي، ما يمثل فعالية لقاح بنسبة 91.6%. علاوة على ذلك، فلم تكن هناك حالات من المرض المتوسط إلى الشديد في مجموعة اللقاح، ولكن هناك 20 حالة في مجموعة اللقاح الوهمي.
تشير البيانات غير المنشورة من 3.8 مليون روسي، تم تطعيمهم بجرعتين، إلى فعالية تصل إلى نسبة 97.6%، وفقاً للبيان الصحفي الصادر عن معهد "غماليا" المطور للقاح "سبوتنيك-V" في أبريل. وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة في الإمارات العربية المتحدة من حوالي 81 ألف شخص تلقوا جرعتين من اللقاح إلى فعالية بنسبة 97.8% في الوقاية من أعراض "كوفيد-19"، و100% في الوقاية من أعراض المرض الشديدة.
كما وجدت دراسة المرحلة الثالثة في روسيا أن حتى جرعة واحدة كانت فعالة بنسبة 73.6% في الوقاية من الأمراض المتوسطة والشديدة. وهو ما أدى إلى موافقة السلطات الصحية الروسية على جرعة واحدة من "سبوتنيك لايت"، والتي تستخدم ناقل rAd26 وحده في مايو، على أساس بيانات من برنامج التطعيم الخاص بالبلاد، ما يشير إلى أنها كانت فعالة بنسبة 79.4% في الوقاية من الأعراض المرضية.
ومنذ ذلك الحين، وجدت دراسة لم تنشر بعد من وزارة الصحة في بوينس آيرس بالأرجنتين، شملت 40387 تم تطعيمهم، و146194 شخصاً غير محصنين، تتراوح أعمارهم بين 60-79، أن جرعة واحدة من "سبوتنيك لايت" قلّلت من الالتهابات العرضية بنسبة 78.6%، ودخول المستشفى بنسبة 87.6%، والوفيات بنسبة 84.7%.
كذلك فقد أصبحت الآثار الجانبية لـ "سبوتنيك-V" أكثر وضوحاً، حيث تشير الدراسات التي أجريت حتى الآن إلى أنها مماثلة لتلك الموجودة في لقاحات الفيروسات الغدّية الأخرى، مع استثناء ملحوظ لحالات تخثّر الدم النادرة. على عكس لقاحات أكسفورد "أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون"، ولم تكن هناك أي تقارير عن هذه الاضطرابات من السلطات الصحية الروسية أو أي من الدول الأخرى التي تستخدم "سبوتنيك-V".
وقد أبلغت دراسة أولية من مستشفى بوينس آيرس الإيطالي في الأرجنتين عن عدم وجود حالات لاضطرابات تخثر الدم أو أي أعراض جانبية سلبية أخرى ذات أهمية خاصة بين 683 من العاملين في مجال الرعاية الصحية، ممن تم تلقيحهم بـ "سبوتنيك-V"، وكانت الأعراض خفيفة في غالبيتها.
علاوة على ذلك، وجدت دراسة، نشرت في مايو، من جمهورية سان مارينو، عدم وجود أي آثار سلبية خطيرة لدى 2558 بالغاً تلقّوا جرعة واحدة من "سبوتنيك-V" و1288 تلقوا جرعتين.
حول تلك الآثار تقول عالمة الفيروسات بجامعة دالهوزي في هاليفاكس بكندا، أليسون كلفن، إن هناك نظرية مفادها أن اضطراب التخثر مرتبط بلقاحات ناقلات الفيروس، إلا أنها أضافت: "لا أعتقد أن لدينا سبباً دقيقاً لمكونات تلك اللقاحات التي تسببها، وما إذا كان ذلك سيتضمن سبوتنيك أيضاً". وتشير كلفن إلى أن المرحلة الثالثة من اختبارات "سبوتنيك-V" لم تسجل سوى 21977 شخصاً، وبالتالي كانت أصغر من أن تلتقط الآثار السلبية النادرة، لكن اللقاح يستخدم على نطاق واسع على مستوى العالم الآن، ما يعني أن التقارير سوف تظهر إذا ما ظهرت أي مؤشرات "غير آمنة".
ليس من الواضح ما إذا كانت روسيا في وضع، يمكنها من الكشف عن مثل هذه الآثار النادرة، مثلما ظهرت الآثار المرتبطة بلقاح أكسفورد "أسترازينيكا" لأول مرة من خلال مراقبة الآثار السلبية في النمسا، ما دفع وكالة الأدوية الأوروبية إلى مراجعة سلامة اللقاح.
لكن كوليش يرى أن مراقبة الآثار السلبية في روسيا قد تكون أقل فعالية، ويعود ذلك جزئياً إلى المقاومة المجتمعية لطلب الرعاية الطبية، فمعظم الروس، كما أشار مازحاً، سوف يتصل بالطبيب فقط في اللحظة الأخيرة عندما "يعجز عن التنفس". علاوة على ذلك، قد لا يربط الأطباء في المناطق النائية من روسيا بين السكتة الدماغية الناجمة عن جلطات الدم، على سبيل المثال، وبين التطعيم الأخير، على حد تعبيره.
لكن كوليش يلاحظ كذلك أن الأرجنتين لم تبلغ عن أي أحداث تخثر، على الرغم من تلقيها أكثر من 4 ملايين جرعة من اللقاح، وحتى الآن لم تبلغ صربيا، التي تستخدم هي الأخرى "سبوتنيك-V" على نطاق واسع، عن أي حالة من حالات تخثر الدم المبلغ عنها مع لقاحات الفيروسات الغدّية الأخرى.
يقول العلماء إن المخاوف بشأن مراقبة الآثار الجانبية قد تكون هي السبب في عدم اعتماد منظمة الصحة العالمية ووكالة الأدوية الأوروبية للقاح "سبوتنيك-V" للاستخدام الطارئ. فقد طلبت منظمة الصحة العالمية مزيداً من البيانات من معهد "غماليا"، ولا تزال عمليات التفتيش التي تجريها وكالة تصنيع اللقاحات الروسية، ومرافق التجارب السريرية جارية. حتى الآن، تم فحص 9 مواقع، وأبلغت المنظمة عن مخاوفها بشأن موقع تصنيع واحد من التسعة. بالمثل، تقول وكالة الأدوية الأوروبية إن ترخيص اللقاح الروسي "قيد المراجعة المستمرة".
من جانبهم، اتهم مطورو "سبوتنيك-V" الاتحاد الأوروبي بالتحيّز، مستشهدين بتعليق من مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون، في مارس، بأن الاتحاد الأوروبي "ليس بحاجة مطلقاً إلى (سبوتنيك-V)".
يقترح كوليش أن هناك أيضاً مواقف مؤيدة للقاح "فايزر" داخل وكالة الأدوية الأوروبية، والتي تعيق وصول "سبوتنيك-V" إلى اعتماد الوكالة. وحول هذا رد المتحدث باسم وكالة الأدوية الأوروبية بأن "نفس المعايير" يتم تطبيقها على جميع المتقدمين للحصول على تصريح الوكالة، "بغض النظر عن مكان تواجدهم في العالم".
من جانبه يقول مايكل تول إنه يعتقد بأن مصدر القلق الرئيسي لوكالة الأدوية الأوروبية هو أنهم "ليسوا مرتاحين إلى حد ما" فيما يخص مراقبة الآثار الجانبية في روسيا.
هناك أيضاً مخاوف بشأن "سبوتنيك-V" في روسيا، التي تعاني من معدلات عالية من التردد في تلقي لقاحات "كوفيد-19"، حيث أشارت دراسة استقصائية، أجريت في مارس إلى أن 62% من الروس لا يخططون للتطعيم بأي من اللقاحات، كما تقدم روسيا الآن لقاحات إلزامية لبعض العاملين في الحكومة، وغيرهم من العاملين لزيادة معدلات التطعيم.
واعتباراً من 28 يونيو، تلقى حوالي 15% فقط من سكان روسيا، البالغ عددهم أكثر من 140 مليوناً جرعة واحدة على الأقل من اللقاح.
تجري حالياً دراسات أخرى كثيرة في عدد من البلدان التي وافقت على "سبوتنيك-V" بما في ذلك في الأرجنتين وفنزويلا وروسيا وتركيا، والتي من شأنها أن تساعد على بناء صورة أكثر ثقة عن سلامة اللقاح وفعاليته.