(موقع العهد الإخباري)
تحوّل هم المواطن اللبناني من تأمين قوت يومه الى تأمين فاتورة دوائه أو تأمين الدواء بحد ذاته. ثمّة واقع "سوريالي" يعيشه المواطن في كل شيء وصلت تداعياته الى حد حبّة الدواء التي باتت "صعبة" المنال تُباع في السوق السوداء كأي مادة أخرى. وإن كان المواطن اللبناني قادرًا على الاستمرار رغم كل ما يواجهه من "نكسات" إلا أنّ انقطاع الأدوية بات يُهدّد حياة كل مواطن. كثر يعيشون على أعصابهم لتأمين علبة دواء لهم ولأولادهم وسط انقطاع مئات الأدوية من السوق. أمس، أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حمد حسن لائحة الأدوية المدعومة. الأخيرة تشمل أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية وحليب الأطفال واللقاحات والأمراض النفسية والعصبية.
وفي المقابل، وجد الوزير حسن نفسه مضطرًا للإعلان عن رفع سعر دعم بعض الأدوية. أدوية منتجة محلياً من 1500 ليرة إلى 4800 ليرة، وأدوية مستوردة ومعلّبة محليًا من 1500 الى 12 ألف ليرة لبنانية. للأسف، فإنّ تحليق سعر صرف الدولار انعكس على الأمن الدوائي الذي بات مفقودًا حتى بات البحث عن علبة دواء في الصيدليات أشبه بالبحث عن "إبرة في كومة قش". وعليه، هل سيتوفّر الدواء في الصيدليات بعد رفع الأسعار؟ هل من رؤى فاعلة لتغيير السياسة الدوائية؟ وكيف سينعكس الارتفاع على فاتورة المواطن الدوائية؟.
جبارة: الدواء الذي بقي مدعومًا لم نتمكّن من استيراده
لدى سؤال نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة عما اذا كان الدواء سيتواجد في الأسواق بعد رفع الأسعار، يجيب بالإشارة الى أنّ مشكلة الدواء تكمن في استيراده. فالدواء الذي بقي مدعومًا لم نتمكّن من استيراده، فمنذ شهر ونصف لم تدخل علبة دواء الى لبنان. الأسباب باتت معروفة للجميع -يقول جبارة- فهناك متأخرات في مصرف لبنان لم يدفعها، أضف الى ذلك ضرورة حصولنا على موافقة مسبقة من قبل البنك المركزي والأخير لم يوقّع لنا على أي موافقة ما يمنعنا من استيراد أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية التي لم يغيّر وزير الصحة من سعرها.
الحل يكمن في التشاور مع وزير الصحة للوصول الى مخرج يجعل الصيغة الجديدة قابلة للتطبيق
أما في ما يتعلّق بالأدوية الأخرى التي باتت على سعر دعم الـ12 ألف ليرة فإن الهدف من رفع الدعم كان السماح للمستورد بشرائها دون المرور بمصرف لبنان عبر شراء العملة الأجنبية من السوق. ينوّه جبارة بالخطوة التي قام بها وزير الصحة. هي برأيه خطوة جريئة فرفع الأسعار في هذه الأيام له كلفة، لكنه على الطريق الصحيح لأن مصرف لبنان أبلغنا بعدم إمكانية الاستمرار بالدعم. إلا أنّ جبارة يوضح أنّ المشكلة في أنّ
التسعير جاء وفقًا لـ12 ألف ليرة للدولار الواحد، بينما يبلغ سعر الصرف في السوق 23 ألف ليرة. ثمة عدم إمكانية عملية، وهنا يوضح جبارة أننا سنعقد اجتماعا في الأيام المقبلة للاستفسار حول هذا الموضوع، فقد تكون وزارة الصحة قد اتفقت مع مصرف لبنان لتأمين الدولارات للمستوردين وفق لـ12 ألف ليرة، وأنا أشك في هذا الموضوع لأن مصرف لبنان كان قطعيًا بهذا الأمر، وعليه فإنّ الحل يكمن في التشاور مع وزير الصحة للوصول الى مخرج يجعل الصيغة الجديدة قابلة للتطبيق".
هل نستورد بخسارة 50 بالمئة؟
الحديث مع جبارة لا يشي بإمكانية تواجد الأدوية المقطوعة في الأسواق في القريب العاجل. وفق حساباته، بإمكاننا الاستيراد بدءًا من الإثنين ولكن هل نستورد بخسارة 50 بالمئة؟ هل ندفع الكلفة وفقًا لـ23 ألف ونبيع وفقًا لـ12 ألف؟ يسأل جبارة الذي يستطرد بالقول: " قبل أن نعطي رأينا النهائي يجب أن نجتمع بمعالي الوزير فبالتأكيد ثمّة فكرة من وراء تسعير الدعم كما ورد، لأنّ الجميع يعرف أن ليس بإمكاننا البيع بخسارة فإذا كانت الكلفة وفقًا للسوق السوداء المبيع يجب أن يكون كذلك" وفق ما يعتبر جبارة.
كما يوضح جبارة أن لبنان يستورد من دول كثيرة كالدول العربية والأوروبية ودول في القارة الأميركية وآسيا كالهند واليابان، لافتًا الى أنّه حتى ولو استوردنا فالاستيراد لا يتم بكبسة زر بل يحتاج الى وقت لأنّ المصنّع قد لا يكون لديه شحنات جاهزة للتصدير ما يضطرنا الى الانتظار لأسابيع، فيما تبقى مشكلة أدوية الأمراض المستعصية قائمة فالفواتير لا تزال عالقة في مصرف لبنان.
الأمين: سعر الدواء "حلّق في السماء" مع ارتفاع سعر صرف الدولار
نقيب الصيادلة الدكتور غسان الأمين يلفت الى أنّ فاتورة المواطن الدوائية بالتأكيد ستصبح أغلى من السابق رغم أنّ أدوية أساسية كالأمراض المستعصية والمزمنة لا تزال مدعومة وفقًا لسعر 1500 ليرة. يوجز الأمين مشكلة الدواء في لبنان بنقطتين. أولى تكمن في سعر الدولار المرتفع، فاستيراد الأدوية يتم بالدولار وبالتالي التسعير يكون بالدولار، وثانية تتعلق في نوعية الدواء الذي يستهلكه اللبناني وهو دواء "البراند" غالي الثمن في الأيام العادية فكيف اليوم؟ وهنا يلفت الأمين الى أنّ فاتورة الدواء في الدول المجاورة تعادل ربع الفاتورة في لبنان. وعليه، يرى الأمين أنّه ومع ارتفاع سعر صرف الدولار فإنّ سعر الدواء "حلّق في السماء".
للتوجه نحو أدوية "الجينيريك" وتشجيع الصناعة المحلية
وفيما يؤكّد الأمين أنّ المشكلة المتعلقة باتفاع سعر صرف الدولار لا يمكن علاجها اذا ما بقيت وتيرة الاستيراد على حالها، يرى أنّنا قادرون على علاج مسألة "البراند" عبر التوجه الى أدوية "الجينيريك" وتشجيع الصناعة الدوائية المحلية، فالأخيرة تغطّي الكثير من حاجة السوق.
ولدى سؤاله عن الأسعار الجديدة، يوضح الأمين أنها ستخضع لمعادلة مفصّلة تلحظ بعين الاعتبار السعر في بلد المنشأ وغيرها من الأمور.
شمس الدين: البعض وضع المواطنين في مكان لم يعد همهم ارتفاع الأسعار بل توفر الدواء
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يشدّد في حديث لموقعنا على أنّ فاتورة الدواء باتت همًا جديدًا يضاف الى هموم المواطن، فمع رفع الأسعار فإنّ الدواء الذي كان سعره 10 آلاف ليرة قد يصبح نحو 70 أو 80 ألفًا. طبعا لكل دواء طريقة حساباته الخاصة -يقول شمس الدين- الذي يوضح أنّ بعض الأدوية قد ترتفع ما يقارب السبعة الى ثمانية أضعاف ما سيشكل تعبًا جديدا للناس.
ويلفت شمس الدين الى أنّ البعض وضع المواطنين في مكان لم يعد همهم ارتفاع الأسعار بل توفر الدواء، تماما كما حصل في قضية البنزين حيث كان سعر الصفيحة منذ عام 24 ألفًا أما اليوم فقد بات 74 ألفًا.