موقع العهد الإخباري
منذ أن بدأت المواجهة العالمية مع فيروس "كورونا" كان المسار معروفًا. لا انتصار على هذا الوباء سوى بلقاحات فعّالة تمهّد لبيئة خالية من "كوفيد 19". إلا أنّ قضية تصنيع اللقاح ليست بالأمر السهل. ثمّة تجارب عديدة ومراحل تسبق اعتماد أي لقاح. ولا يخفى أنّ لبنان عانى كغيره من الدول من شُح في اللقاحات رغم أنّه كان سباقًا في حجز حصّته على منصة "كوفاكس". ومن هنا، كان السؤال: ما الذي ينقص لبنان حتى يتحوّل من بلد مستورد للقاحات الى بلد مُصنّع ومصدّر؟ التصنيع يقي لبنان شرّ الاتكال على لقاحات الدول الأخرى مع ما يحمل هذا الأمر من عوائق لوجستية وغيرها.
والحق يُقال، يملك لبنان قدرات مهمّة في المجال الطبي والصحي وهو الذي يُعرف بـ"مستشفى الشرق"، ما يجعله قادرًا على تصنيع اللقاحات، وهذا ما يتّجه اليه بالفعل. يتحضّر لبنان لتصنيع لقاح "سبوتنيك" الروسي بعد الاتفاق التجاري بين شركة "أروان" اللبنانية للصناعات الدوائية والصندوق الروسي للاستثمار. وبذلك، يخطو لبنان الخطوات الأولى للانفتاح شرقًا مع ما تحمله هذه الخطوة من انعكاسات مهمّة تعبّد الطريق للتحول من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج.
بو نصار: تصنيع اللقاح انتصار للبنان في هذه الأوقات الصعبة
السفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار يروي لموقع "العهد" الإخباري قصّة المفاوضات بشأن تصنيع اللقاح الروسي في لبنان. قبل ستّة أشهر تواصل رئيس مجلس إدارة شركة مصنع "أروان" للصناعات الدوائية عبد الرزاق يوسف عبد الله ونائبته الدكتورة رويدا دهام مع السفارة اللبنانية في موسكو لبحث إمكانية تصنيع اللقاح الروسي في لبنان. القضية حازت على دعم وتأييد واهتمام وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عماد حب الله الذي هاتفنا لتشجيعها، فوضعنا كل إمكانيات السفارة بالتصرف خدمة لهذا الهدف النبيل الذي يعد بمثابة انتصار للبنان في هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها.
وعليه، يقول بو نصار: كلّفت الملحق الاقتصادي بمتابعة تقنيات هذه القضية، وتوليتُ المتابعة سياسيًا مع الجانب الروسي، ووزارة الصحة الروسية وصندوق الاستثمار الروسي المسؤول الأول والأخير عن تصدير وتصنيع اللقاح. ومؤخرًا تقدّمت المفاوضات بين الجانبين وتُوّجت بالزيارة التي يقوم بها حاليًا الوفد اللبناني الى روسيا والذي يضم وزيري الصناعة والصحة المهتمين بهذه القضية بالإضافة الى رئيس مجلس إدارة شركة مصنع "أروان" ونائبته، وقد وقّع الجانبان بالأحرف الأولى على الاتفاق تمهيدًا للتوقيع النهائي خلال الساعات المقبلة والذي سيجعل لبنان بطليعة الدول المنتجة للقاح.
حب الله: لبنان وُضع على الخريطة من ناحية الكفاءات البشرية والتقنية والعملانية
بدوره، الدكتور حب الله -المتواجد حاليًا في موسكو- يصف خطوة تصنيع اللقاح بالمهمّة جدًا. يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ اللقاح بحد ذاته مهم جدًا من الناحية الصحية والصناعية. تصنيع اللقاح يتطلب مصانع وآليات متقدمة وخبرات متقدمة في قطاع التصنيع الدوائي، وعليه، عندما نصل في لبنان الى مرحلة يتمكن فيها أحد المصانع اللبنانية من تصنيع اللقاح فهذا معناه أنّ بلدنا وُضع على الخريطة من ناحية الكفاءات البشرية والتقنية والعملانية بالإضافة الى أنّه وُضع على الخريطة من ناحية تصنيع اللقاحات المتقدمة.
يُسهب حب الله في الحديث عن أهميّة توجه لبنان نحو هكذا صناعات. تصنيع اللقاح يعني أن لبنان سيكون قادرًا من الناحية الصحية والاجتماعية على توفير اللقاح عند حاجته للبنانيين والمنطقة. يُضاف الى ذلك أهمية مالية واقتصادية، فاللقاح المتفق على تصنيعه سيباع ويُصدّر 90 بالمئة منه الى الخارج ما يزيد صادرات لبنان ويُدخل دولارات وعملات صعبة اليه بدل أن نستورد وندفع العملة الصعبة. وأيضًا، سيشجّع هذا التصنيع مصانع أخرى ومستثمرين آخرين ما يُساهم في إدخال الاستثمارات الى البلد مجددًا.
نبحث خلال تواجدنا في روسيا إمكانية التعاون في مجال استثماري أطول
وحول تفاصيل الاتفاق، يوضح حب الله أنه تم التوافق على جميع النقاط المتعلقة بالاتفاق التجاري ونحن بانتظار الروتين الإداري ضمن الصندوق الروسي للاستثمار السيادي، وهذا الأمر يتطلب أسبوعين. من بعدها، يُرجّح حب الله أن تبدأ روسيا بإرسال المواد الأولية خلال 45 يومًا، لننطلق عقب ذلك الى مرحلة التصنيع الحقيقي. وفق تقدير حب الله، خلال شهر تشرين الأول أو الثاني من المفترض أن ينطلق التصنيع بطريقة من الطرق في المصنع. وهنا يشير حب الله الى أنّ روسيا ستعمل أولًا على تأمين المواد الأولية، وثانيًا ستساعد في نقل الخبرات التقنية منها الى لبنان، كما ستساعده في أي عملية تطوير تحصل.
وفي ختام حديثه، يضيء حب الله على نقطة مهمّة جدًا، فالتعاون مع روسيا في هذا الملف يعني بصراحة البداية الفعلية للانفتاح والتوجه شرقًا والبداية الفعلية لتعاون على مجال استثماري أطول "وهذا ما نبحثه خلال تواجدنا في روسيا".
روداكوف: تصنيع اللقاح ليس مهمًا للبنان فقط بل للبلدان المجاورة
السفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن الانطباع الذي أخذه لدى زيارته مصنع "أروان" اللبناني. لست خبيرًا -يقول روداكوف- ولكنني اطلعت على العمليات التي تجري في المصنع وانطباعاتي جيدة، فلبنان دولة حديثة وله تاريخه في هذا المجال حيث يمتلك العلماء والخبراء والتقنيات.
ويُشدّد روداكوف على أنّ تصنيع لبنان للقاح يشكّل عملية مهمة جدًا. وفق قناعاته، فإنّ تصنيع اللقاح ليس مهمًا للبنان فقط بل للبلدان المجاورة في الشرق الأوسط. وهنا يأمل السفير الروسي أن يفتح هذا التعاون للمزيد من التعاون بين لبنان وروسيا في مجالات أخرى.
نسعى منذ أكثر من عام لتأمين اللقاح الروسي
واستكمالًا لوصفه الخطوة بأنها انتصار للبنان، يشدّد السفير اللبناني في موسكو على أنّ أهمية الاتفاق تكمن في أنّه يأتي في ظل انتشار مخيف لفيروس "كورونا" الذي أصاب العالم بأجمعه وكان لبنان كغيره من الدول المتضررة من هذا الفيروس المخيف، فيما كانت رورسيا سبّاقة في إنتاج لقاح "سبوتنيك في" ضد "كورونا" وكان هذا الإنجاز تاريخيًا، فحتى العالم الغربي والولايات المتحدة الأميركية اعترفا بأنه قد يكون الإنجاز الأكبر منذ انهيار الاتحاد السوفياتي لأن العالم كان مشلولًا من الفيروس وجاء اللقاح الروسي ليكون الأول في العالم بمواجهة كورونا لتتكرّر الجهود الروسية ويصبح لدى روسيا حتى الآن 4 لقاحات منتجة لمكافحة فيروس كورونا.
وخلال حديثه لموقع "العهد" لا يُخفي بو نصار أنّ السفارة اللبنانية في موسكو ومنذ أكثر من عام وبالتنسيق مع وزير الصحة الدكتور حمد حسن تتابع قضية "جلب" اللقاح الى لبنان، لكن لم نتمكن من ذلك -يضيف بو نصار- لأسباب لا تتعلق أبدًا بعيوب في العلاقات بين البلدين، ولكن تتعلّق بنقص في اللقاح نفسه في روسيا التي تضم 147 مليون نسمة، فيما كان إنتاج اللقاح بسيطًا في البدء بسبب نقص المواد الأولية. أما من الناحية التجارية فقد أعطي الحق الحصري في المنطقة للإمارات بتسويق اللقاح لأنها تستثمر بـ10 مليارات دولار بصندوق الاستثمار الروسي منذ زمن طويل.
الاتفاق سيسمح لمصنع "أروان" أن ينتج 25 مليون جرعة من لقاح "سبوتنيك في" حتى نهاية العام
ويُشدّد بو نصار على أن الاتفاق التجاري بين لبنان وروسيا سيسمح لشركة "أروان" التي تملك مصنعًا حديثًا جدًا ومتقدمًا في جدرا وعلى مساحة 18 ألف متر مربع أن تنتج 25 مليون جرعة من لقاح "سبوتنيك في" حتى نهاية العام الحالي، بالإصافة الى مليون جرعة من لقاح "سبوتنيك لايت " شهريًا على أمل أن تتوفر المواد الأولية من روسيا لهذا الموضوع. وهنا يُكرّر بو نصار أنّ الإاتفاق يعتبر إنجازًا للبنان، فدول كبرى لها حق التصنيع في المنطقة ولكنها غير قادرة على إنتاج هذه الكمية. وهنا يلفت بو نصار الى أنّ هذا المصنع حاز على إجماع نادر بين اللبنانيين في ظل الخلافات السياسية حيث عبّرت أكثر من جهة عن اهتمامها ودعمها لهذا المشروع المفيد للبنانيين اذ يخلق فرص عمل كبيرة بالإضافة الى منافعه الصحية.
ويُنوّه بو نصار الى أنّ روسيا لم تكن بصدد إنجاز الاتفاق مع لبنان لو لم يستوف المصنع الشروط المطلوبة، فتصنيع اللقاح هو مشروع ضخم ودقيق، وروسيا تعتبر أن الاختراع إنجاز ليس عاديا وبالتالي فإنّ نقل التقنيات لدول أخرى تتطلب إجراءات، وعليه قام وفد روسي بجولات في المصنع لإعطاء الإذن، وحتى وزارة الصحة اللبنانية لم تعط الترخيص الا بعد الاطلاع على المعايير المتوافرة في المصنع. هذه القضية دقيقة -يقول بو نصار- الذي شدّد على أنّه لا يُسمح بأي إهمال فيها لأنها تتعلق بصحة الناس خاصة أنّ معظم الكميات سيتم تصديرها الى الخارج.