سرّعت أزمة كورونا وتعطيل البلاد بسببها الدخول في مرحلة جديدة من العلاقة بين المرضى وأطبائهم. فاليوم، لم يعد الحضور إلى العيادات هو المكان الأمثل لتلاقي الطرفين، حيث صار بالإمكان التلاقي إلكترونياً من خلال الاتصال المباشر عبر الشاشة. وتحت هذا العنوان، نشطت أخيراً مواقع الاستشارات الطبية «بالصوت والصورة» للتخفيف من أكلاف العلاقة بين الطرفين داخل العيادة أو في المستشفى. لكن، مع ذلك، تلقى هذه الظاهرة بعض النقد من أهل البيت أنفسهم (الأطباء)، خصوصاً أن لقاء «الأونلاين» قد يخطئ في بعض الأحيان في تقدير حالة المريض وبالتالي تشخيصها وعلاجها
غيّرت أزمة كورونا الكثير من «العادات» الطبية، حيث لم تعد زيارة المراكز الاستشفائية وعيادات الأطباء أولوية لدى الكثير من المرضى. فمع الذروة الأولى التي سجلها الفيروس منتصف العام الماضي وإقفال البلاد فترة طويلة، انقطع مرضى كثيرون عن زيارة العيادات والمستشفيات، إما بسبب خوفهم من التقاط العدوى أو بسبب التدابير التي فرضت منع التجوّل. أضف إلى ذلك ما فرضته العيادات والمستشفيات نفسها لناحية خفض الأعداد الداخلة للتخفيف قدر الإمكان من الإصابات. وكلها أسباب حالت دون الوصول إلى الخدمات الطبية اللازمة. غير أن هذه الأسباب القاهرة نفسها فتحت الباب واسعاً أمام استحداث حلول أخرى تعيد الصلة بين المرضى وأطبائهم. وفي هذا السياق، بدأت تظهر منذ العام الماضي بعض مواقع الاستشارات الطبية - مثل trak md وdrap me - التي تؤمّن للمرضى فرصة اللقاء مع أطبائهم «أونلاين» لاستشارتهم في عوارض طارئة أو لمتابعة علاجاتهم التي كانوا قد بدأوها سابقاً.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت تنشط هذه المواقع، مع انتشار هذه الظاهرة، حيث باتت أكثر تنظيماً مع لجوء بعض المستشفيات الجامعية إليها وعدد كبير من مواقع الاستشارات التي بدأت تجمع الأطباء في مكانٍ واحدٍ إلكترونياً، متوخية في ذلك تحقيق هدفين أساسيين: أولهما تخفيف الزحمة داخل المؤسسات الصحية تفادياً لارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا خصوصاً في ظل تدهور أوضاع القطاع الاستشفائي وثانيهما تخفيف الكلفة على الطرفين، سواء لناحية «التسعيرة» التي تخضع لـ«التفاهم ما بين الطبيب والمريض»، على ما يقول نقيب الأطباء في لبنان، شرف أبو شرف، أو لناحية تخفيف كلفة الانتظار في العيادة أو على الطرقات، على ما يضيف الأخير.
صحيح أن هذه الخطوة ليست جديدة، إلا أن التطورات الصحية سرّعت الدخول فيها. وفي هذا السياق، يشير أبو شرف إلى أن مواقع الاستشارات بات لها حضورها في لبنان، لافتاً إلى أن النقابة اتخذت قراراً في الفترة الأخيرة بترسيخ هذه الخطوة وشرعنتها، باستثناء بعض الحالات التي تستوجب الحضور إلى العيادة. ولئن كان القرار قد اتخذ في البداية كأحد التدابير لمواجهة فيروس كورونا، إلا أنه بات اليوم واقعاً مفروضاً، خصوصاً أن «التطورات الأخيرة بيّنت أنه ليس دائماً الحضور الشخصي ضرورياً في عيادات الأطباء، سواء الخاصة منها أو تلك التي في المستشفيات».
ويلفت أبو شرف إلى أن هذه المواقع يمكن أن تختصر الحضور بنسبة كبيرة، مؤكداً أن «70 في المئة من الحالات الطبية يمكن تغطيتها عبر الشاشة وعبر الاتصال المباشر ما بين الطبيب والمريض». وتحوي هذه الاستشارات خدمات طبية عدة من «تشخيص الحالات إلى وصف العلاجات أو تجديد وصفات العلاج أو المتابعة الدورية للمريض»، يضيف أبو شرف. أما ما يقع خارج نطاق الـ70 في المئة من الخدمات الأونلاين، فيشمل العوارض الحادة والطارئة والعلاجات التي يفترض بأصحابها الحضور إلى العيادات.
لكن، على الرغم من ذلك، فضّل البعض من الأطباء عدم الانخراط في تلك التجربة. ولئن كان هؤلاء قد انخرطوا فيها سابقاً مرغمين بسبب ما فرضته عليهم الظروف الصحية التي رافقت انتشار فيروس كورونا، إلا أنهم اليوم يقيّمون تلك التجربة على خلاف ما يراها الآخرون. فما ينتقده هؤلاء في التجربة هو صعوبة تشخيص بعض الحالات أو الخطأ في تشخيصها «خصوصاً أن هناك بعض العوارض لا نكتفي فيها برواية المريض بل نحتاج لإخضاع الأخير للفحص السريري كي نتأكد»، على ما يقول الأطباء.
أضف إلى ذلك أنه «في بعض الأحيان يخجل المرضى عبر الشاشة من قول ما يريدون، وهذا ما اكتشفتُه بالاستشارات عن بُعد، كما أنني كطبيب يهمني أن أسمع المريض، فنبرة الصوت تهمني أيضاً وهو ما لم أستطع أن أختبره عن بُعد»، يقول طبيب آخر. أما ما لا تقوله تلك الشهادات، فهو ما يتعلق بـ«التسعيرة»، إذ إن هذه الأخيرة تخضع لمعيار العلاقة بين الطبيب والمريض، هذه من جهة، أما من الجهة الأخرى، فهي أنها لا تخضع لأي من الصناديق الضامنة، وهذا ما يعطّل الطريق أمام الكثيرين من المرضى الذين لا طاقة لهم بتسديد تكاليف استشارات عن بُعد في تلك الظروف الاقتصادية الصعبة.