جريدة الأخبار اللبنانية
بتعيينه وزيراً للصحة في الحكومة الجديدة، سيكون الوزير فراس الأبيض رئيس سلطة الوصاية على مستشفى رفيق الحريري الحكومي الذي كان مديره العام. صحيح ان هذه الوصاية ستكون على أعمال مجلس الادارة الجديد، إلا أن كثيراً من الفوضى السائدة والقضايا العالقة لدى المدير السابق تستوجب عناية الوزير الجديد، فهل يمتنع الوزير عن التصديق على الحسابات المالية وبراءات الذمة عن سنوات ولايته مديراً؟
تسلّم المدير العام «السابق» لمستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي، فراس الأبيض، أمس، مهامه الجديدة وزيراً للصحة. وهذه الوزارة، قانوناً، هي سلطة الوصاية على المستشفيات الحكومية من ضمنها «مستشفى الحريري» الذي يعدّ أكبر المُستشفيات الحكومية. وعليه، في الشكل، سيرأس الأبيض سلطة الوصاية على مؤسسة كان يُديرها في السنوات الست الماضية (منذ نيسان 2014)، مع ما يعنيه ذلك من تضارب للمصالح.
قانوناً، ما من نص قانوني واضح يمنع تولّي مدير عام سابق لمؤسسة عامة ترؤس سلطة وصاية على المؤسسة التي كان يُديرها. وعليه، يصعب قضائياً «إثبات» تعارض المصالح مهما كان المثال صارخاً. إلا أن هذا «القصور» في الاجتهاد لا يلغي واقعاً يثير الريبة.
تنصّ المادة 22 من نظام المؤسسات العامة (المرسوم رقم 4517 تاريخ 13/12/1972)، بوضوح، على وجوب خضوع قرارات مجلس الإدارة لتصديق سلطة الوصاية في ما يتعلّق بالموازنة السنوية وقطع حساباتها والميزانية العامة السنوية وحساب الأرباح والخسائر وميزان الحسابات (...). كما تنصّ المادة 31 (في البند الرابع المتعلّق بسلطات الرقابة على المؤسسات العامة) على وجوب تبليغ الوزير الذي يمارس الوصاية تقارير اللجنة المتعلقة بحسابات المؤسسة العامة (إلى جانب وزير المالية ومدعي عام ديوان المحاسب...)، على أن تتخذ هذه التقارير أساساً «لاستصدار قرار مُشترك عن الوزيرين المذكورين بإقرار صحة الحسابات بصورة نهائية وبإبراء ذمة القيمين على المؤسسة العامة عن إدارتهم خلال السنة المعنية».
يعني ذلك، أن المطلوب من «الوزير الأبيض» أن يمنح براءة الذمة والموافقة على الحسابات المالية التي أجرتها إدارة «المدير الأبيض»!
«المَخرج القانوني» يقول إن الأبيض ترك وظيفته وتفرّغ لمنصبه الجديد، «وبالتالي هو مسؤول عن الحسابات الجديدة التي سيتولاها من يأتي بعده». وهذا الأمر يصحّ لو كانت الأمور الإدارية والمالية، خصوصاً في مُستشفى رفيق الحريري، تجري «وفق الأصول» مع احترام المهل القانونية، فيما الواقع مغاير تماماً. إذ إن فوضى مالية تفتك بالمستشفى منذ سنوات تسبق ولاية الأبيض، لكنها تعاظمت تحت إدارته خصوصاً بذريعة الظرف الاستثنائي الذي فرضه وباء كورونا. فقد كان الأبيض الوحيد في المؤسسة الذي يتعامل مع المساعدات والهبات والموردين وغيرها من الإجراءات والقرارات التي شابتها استنسابية واضحة والاتفاق على الأنظمة والقوانين بحجة «الظرف الاستثنائي» إياه.
خلافاً للقانون «عيّن» الأبيض مجلس إدارة للمستشفى في انتظار نهاية مهمته الوزارية
أمس، مثلاً، انتشر فيديو مصور لرئيس قسم العناية الفائقة في المستشفى الدكتور محمود حسون يُشير فيه إلى تسبب فقدان الأدوية بموت الكثير من المرضى. صحيح أن هذا النقص تشهده كل المُستشفيات نتيجة الانهيار الشامل. لكن ثمة أمراً مهماً ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار. فبحسب معلومات توافرت لـ«الأخبار»، قرّر «المدير الأبيض» أن يدفع لمورّدين معيّنين بالدولار «الكاش» على أساس فواتير مسعّرة وفق سعر الصرف الرسمي (مثلاً يسّدد 100 دولار كاش لفاتورة بـ150 ألف ليرة)، علماً أن نظام المؤسسات العامة يمنع دفع الفواتير بالدولار إلا في حالات استثنائية. هذه الاستنسابية أدّت، وفق مصادر في المُستشفى، إلى «مطالبة بقية الموردين بمعاملتهم بالمثل، وإلى امتناعهم عن تزويد المستشفى بكثير من المستلزمات والأدوية ما أدى إلى فقدانها». بالتالي، لا يبرّئ هؤلاء، وبينهم أطباء مقيمون، عن المسؤولية عن انقطاع هذه الأدوية بسبب هذه الاستنسابية، «وهو لو اتبع السياسة نفسها، على عللها، مع الجميع لكانت انهالت المواد والأدوية على المُستشفى».
إلى ذلك، ثمة قرارات صادرة عن مجلس الإدارة (كثير من قرارات المجلس تصدر بعد أشهر من انعقاد الجلسات) ومناقصات نُظّمت في «عهد الأبيض» لا تزال عالقة بسبب عدم احترام المهل القانونية وهي تنتظر التصديق، فهل يُعقل ألا تُمهر هذه القرارات والمناقصات بتوقيعه وأن يمتنع عن التصديق على الحسابات المالية وبراءات الذمة عن سنوات ولايته؟
في «أحسن السيناريوهات»، سيُقال إن الأبيض، كوزير، سيكون مسؤولاً فقط عن القرارات التي تصدر عن مجلس الإدارة «الجديد»، لولا أنه لجأ، قبل مغادرته منصبه (مؤقتاً؟) إلى عقد جلسة لمجلس الإدارة، أول من أمس، «وضّب» فيه مجلس إدارة من «تصميمه». فعيّن عضو المجلس الأكبر سناً جلال الناطور رئيساً للمجلس ومديراً عاماً، ورئيسة مصلحة التمريض المقربة منه وحيدة غلاييني (محسوبة على تيار المُستقبل وفي حقها شكاوى ودعاوى من ممرضين أمام القضاء الجزائي) في منصب «مساعدة مدير عام المُستشفى» (وهو منصب مستحدث وغير ملحوظ في ملاك المستشفى هدفه تعيينها «مديراً» فعلياً رغم أنها لا تستوفي الشروط). علماً أن هذه التعيينات تصلح قانوناً لو أن الأبيض كان سيزور السعودية لإجراء عملية لأحد مرضاه (وفق ما كان يفعل طيلة توليه منصبه مديراً عاماً للمستشفى)، وليس كتعيينات تخلفه بشكل دائم لأن هذه من مهمات مجلس الوزراء حصراً. وهو ما يؤشر إلى أن الأبيض ينوي العودة إلى «إمبراطوريته» بعد نهاية العمر القصير للحكومة، ولو عبر «هرطقات قانونية» كما تصفها مصادر قضائية!