المكاتب التي اعتدنا أن تكون وجهتنا اليومية مع كل صباح، فقدت ضجيجها المعتاد، وتبدّلت الحيوية إلى سكون. حتى ضوء المكان تغيّر. في زمن "كورونا"، لا يحضر الى العمل الا قلّة، فيما يعمل سائر الموظفين على تسيير أعمالهم من منازلهم. كل تلك التحيات الصباحية، وتبادل الأسئلة المهنية، والضحكات، وحتى "الشجارات" اليومية الخفيفة، خفتت، وتبدّلت الى صمت يعمّ المكان. صمتٌ يشبه هذا المرض "المنحوس"، ثقيلٌ على القلب والروح.
المرض الذي ما تزال الكثير من جوانبه مجهولة، كان حائلًا حتى عن وداع عادي بين الموظفين. تحيات من بعيد وعبارات من قبيل "منشوفكن، عسلامة، منلتقى" كانت هي آخر ما قاله الموظفون، قبل أن يعود كلّ الى منزله، ويغلق باب غرفته، مختليًا بشاشة كومبيوتر، هي الرابط الوحيد مع العالم الخارجي. أمّا المكاتب في العمل، الأروقة هناك، والغرف، فبقيت وحيدة. وبعد أن كانت "المنزل الثاني"، تحوّلت الى تهديد.
في موسم "كورونا" الطويل، يطلق الأفراد الكثير من النكات على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الغزارة في الفكاهة تخفي خلفها الكثير من القلق، والعجز، ومحاولة التمسّك بضحكة ما قبل الغرق في الكثير من اليأس المنبعث من أخبار الموت في العالم على أبواب المستشفيات، والشوارع الخالية من روادها، وتهديد الفيروس الذي يلاحق الأفكار أينما هربت.