(ناصر عمران\صحيفة المستقبل العراقي)
يمكننا ان نفترض ان الكوارث الطبيعية هي شكل من اشكال الارهاب، والحوادث التقنية الكبرى كحادث تشرنوبيل تنتمي في آن واحد للفعل الارهابي وللكارثة الطبيعية، وكان يمكن للتسمم بالغاز في بويال بالهند وهو حادث تقني ان يكون فعلا ارهابيا ، كما ان اي سقوط طائرة عارض يمكن ان تعلن جماعة ارهابية مسؤوليتها عنه، ان من صفة الاحداث اللاعقلانية ان يكون بالإمكان اسنادها لأيٍّ كان ولأي شيء ، وبصورة ما ، فان كل شيء بالنسبة للمخيلة يمكن ان يكون ذا طبيعة اجرامية كما يرى (جان بودريار) في كتابه (السلطة الجهنمية)، وهو امر يمكن القياس عليه في صورة النظام العالمي الذي يتقاذف المسؤولية الجنائية عن انتشار فيروس كورونا، والصين والولايات المتحدة الامريكية ابرز المتهمين فيه ، فالصين البيئة التي شهدت ولادة الفيروس وانتشاره، والولايات المتحدة التي يعتقد البعض بأنها وراء ظهور الفيروس وانتشاره في الصين، كنتيجة منطقية للحرب الاقتصادية بين البلدين ، واذا كان البلدان هما الاكثر تضررا في الوقت الحاضر بالإضافة الى البلدان الاوربية من انتشار جائحة كورونا، امكننا استقراء صورة منطقية جديدة فرضها فيروس كورونا، فالنظام العالمي الذي يود ان يكون معصوما كنظام متكامل، في اطار سيطرة العقلانية وعولمة التقنيات والسوق والسياحة والاعلام، وتدفق المال المستمر، واختلاط كل العلامات والقيم الثقافية - وحين تعمم الثقافات فإنها تفقد خصوصيتها وتموت - لذلك كان النظام العالمي قاسيا على النظام الكوني المرتبط ببناء منظومات حقوق الانسان والديمقراطية والحريات، فالنظام العالمي يعمل على اقامة عالم متحرر من كل نظام طبيعي، سواء كان نظاما للجسد أو الجنس أو الموت والحياة، وقد كشف هذا النظام عن خطيئاته الكثيرة أمام تحدّ طبيعي منح متنفسا ًحقيقيا وعمليا للرؤية الكونية والمفهوم الانساني، ليعود من جديد ويقف امام هذا النظام العالمي ، فأمام عطل وقصور واضحين في النظام الصحي العالمي المرتبط بفضاءات الشاشة والشبكة والرقمي وبدون بعد زمني، كانت المعالجات على اساس الرؤية التقنية اللاإنسانية في التعامل امام جائحة وكارثة لم يسبق للعالم ان شهد كارثة وبائية بقوتها وعنفها، ولعل الارقام المخيفة للضحايا خير دليل على ذلك، ان تعامل النظام العالمي الجديد في معالجة المصابين بحسب ما رشح عبر التقارير الاعلامية والصحية، تم على اساس معايير مادية تقنية فرضتها ثقافة الرقمي، فالتخلي عن كبار السن والتمييز في المعالجات الدوائية بين المصابين على اساس السن ونسبة تحقق الشفاء المتوقعة لكل مريض، افرز حقيقة وحشية لنظام عالمي يدعي لنفسه سيادة عالمية، وبالمقابل منح انتصارا ً للنظام الكوني الذي يتعكز على ثقافته المميزة بين مجتمع واخر، ونظامه الديمقراطي القائم على اساس حقوق الانسان وحرياته، والذي ضعف كثيرا ً ابان سيطرة نظام العولمة الجديد، لقد منح العنف الجرثومي للفيروس امكانية جديدة للعودة الى المفهوم الاساس والمرجع وهو المفهوم الانساني، وبالرغم من ان العودة الى المرجعيات التاريخية للنظام الكوني أسهمت بتحقيق مناعة ذاتية عبر عقائديات دينية واخلاقية، منحت العالم نوعا من الاطمئنان والثقة بالنفس ازاء عنف ورعب الفيروس الوبائي، إلا أنها ايضا اظهرت للعلن وبشكل واضح الكثير من الخرافات والاساطير التي تتحدث عن نهاية العالم والعقوبات الالهية وغضب الاله على افعال البشر الشريرة، وان الفيروس هو انتقام إلهي من نظام العولمة الذي تجاوز الحدود العلمية متباهيا بقدرته على الخلق، ان العنف الذي احدثه الفيروس قد يكون طبيعيا، مثله مثل الامراض الوبائية الاخرى، وقد يكون جرثوميا ً حصل بفعل فاعل عن قصد او عن خطأ، الا انه بالمحصلة اوجد معادلة موضوعية بين النظام العالمي القائم على التقنيات والحسابات الرقمية والشبكات وعوالم الافتراض التقني لوسائل الاتصال، والعالم الكوني المؤمن بحقوق الانسان والثقافات المتعددة والصفات الخاصة للمجتمعات، والتركيز على البعد والمفهوم الإنساني.
http://almustakbalpaper.net/content.php?id=60366