موقع العهد الإخباري
يبدو أننا على وشك العودة الى نقطة الصفر فيما يتعلق بأزمة كورونا. الأخبار الآتية من أوروبا لا تسُرّ، ولبنان لن يكون بمنأى عن هذا الخطر المتجدد، إذا لم يتم أخذ الاحتياطات باكرًا، خصوصًا في ظل الانهيار الذي نشهده على كافة المستويات المالية والاقتصادية وحتى الأمنية والقضائية، فما بالك بالشأن الصحي الذي غابت أو سحبت مشاكله -لا فرق- من التداول بسحر ساحر؟
فجأة، ومع تربع شخص جديد على سدة الوزارة، اختفت جميع الحملات والندوات والتصريحات والتحذيرات وحفلات التهويل التي كنا نشهدها ليلًا نهارًا على بعض الشاشات اللبنانية، عند أي انقطاع لحبة "اسبيربين" مثلًا، علمًا أن معظم المشاكل التي كان يتحدث عنها هؤلاء ما زالت قائمة، إن لم يكن أكثر من ذي قبل. خذ مثلًا معضلة الأدوية المزمنة والمعاناة التي يكابدها الناس للحصول عليها.
بوضوح أكثر، هل سمع أحد منكم عن الاجراءات أو خطط الطوارئ الاستباقية التي اتخذها وزيرنا الجديد، لما هو قادم علينا من اوروبا للأسف كما سنرى لاحقًا؟ خصوصًا أن لنا تجارب مريرة معها -الاصابات الاولى بهذا الفايروس كان مصدرها اوروبا- أم أن اطمئنانه يعود الى أن بعض البلدان بدأت ببطء في إعادة فتح حدودها واستئناف التجارة والسياحة مع السيطرة على الطفرة التي يسببها متغير دلتا في حالات الإصابة بفيروس كورونا؟ لكنه حتمًا أخذ علمًا أن العديد من البلدان الأخرى تكافح تفشي المرض الجديد.
وحتى لا يفهم كلامنا على أنه مجرد تسجيل نقاط أو شخصنة للموضوع، لنطلع سويًا على ما كشفته أعلى سلطة صحية في العالم.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، دفعت "الزيادة الأخيرة في الحالات (اي حالات كورونا) أوروبا مرة أخرى إلى بؤرة الوباء". المنظمة كانت قد حذرت الأسبوع الماضي من أن "آسيا الوسطى تشهد أيضًا ارتفاعًا مقلقًا في عدد الحالات بسبب متغير دلتا شديد العدوى".
ليس هذا فحسب، وللوقوف على حقيقة الصورة فياوروبا، فلنقرأ كلام هانز كلوج، رئيس منظمة الصحة العالمية في أوروبا الذي اوضح "اننا في نقطة حرجة أخرى من عودة ظهور الجائحة..عادت أوروبا إلى بؤرة الوباء، حيث كنا قبل عام". ونزيد على ذلك تحليل لوكالة رويترز خلصت فيه الى ان "أكثر من نصف جميع الإصابات الجديدة المبلغ عنها في جميع أنحاء العالم كانت من دول في أوروبا، مع وجود مليون إصابة جديدة كل أربعة أيام تقريبًا".
والان لنتعرف على أبرز الدول الاوروبية التي تواجه تصاعدًا كبيرًا جدًا في عدد الإصابات.
لنبدأ من المانيا، فهي سجلت، الاربعاء الفائت، ما يقرب من 40 ألف حالة - وهو أعلى ارتفاع في يوم واحد في حالات الإصابة بفيروس كورونا منذ بدء الوباء وفقا لتقرير لـ بي بي سي- اكثر من ذلك، يحذر خبراء الصحة من أن الموجة الرابعة المحتملة التي يبدو أن البلاد تخوضها قد تكون الأسوأ حتى الآن. وفي هذا السياق، وصف وزير الصحة الألماني ينس سبان الأزمة بأنها "جائحة غير الملقحين". منذ أوائل تشرين الثاني عززت البلاد حملة التلقيح، حيث شملت عددًا قياسيًا من المستفيدين في محاولة للحد من الزيادة الأخيرة في الحالات.
الكارثة ذاتها تواجهها باريس، حيث قال وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران في 10 الجاري، إن "فرنسا في خضم موجة خامسة من جائحة فيروس كورونا". أُمر أطفال المدارس في أجزاء كثيرة من فرنسا مرة أخرى بارتداء أقنعة الوجه بعد أقل من شهر من السماح لهم بخلعها. ومع أن فرنسا لديها واحد من أعلى معدلات التطعيم في العالم، فإن وتيرة التطعيمات الجديدة تباطأت منذ الصيف.
ونبقى في اوروبا، ونتجه تحديدًا الى جمهورية التشيك وجارتها سلوفاكيا اللتين ارتفعت حالات الاصابة فيهما في الايام الأخيرة . ففي كلا البلدين، تعرض نظام الرعاية الصحية لضغوط هائلة مع استمرار استقبال دفق مستمر من مرضى covid. للعلم سلوفاكيا لديها واحد من أقل معدلات التطعيم في الاتحاد الأوروبي. تم تطعيم حوالي 2.4 مليون شخص فقط من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 5.5 مليون شخص.
وعلى اللائحة الاوروبية هناك الدنمارك أيضًا.
موجة المتحور ضربت هذا البلد ايضًا، وتسببت بارتفاع حاد في حالات الإصابة بفيروس كورونا، الامر الذي دفع بالسلطات الى التحذير الأسبوع الماضي من أن المستشفيات في البلاد قد لا تكون قادرة على استيعاب العدد المتزايد من حالات الإصابة بفيروس كوفيد والإنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى. وللحد من الاصابات، أعلنت رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن أن إعادة العمل بالتصريح الصحي ستجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك الذين لم يتم تطعيمهم، وأضافت: "هذا ما أعتقد أنه ينبغي أن يكون".
ونصل الى اليونان التي زادت حجوزات التطعيمات فيها بنسبة 185 في المائة وسط الموجة الرابعة المنهكة من حالات الإصابة بفيروس كورونا، وفقًا للمسؤول البارز في وزارة الصحة ماريوس ثيمستوكليوس.
وللتعامل مع الطفرة الأخيرة، أدخلت الحكومة اليونانية قواعد جديدة صارمة، بحيث لا يمكن معها للأشخاص غير الملقحين دخول البنوك والإدارات الحكومية ومعظم المتاجر إلا إذا أظهروا اختبار كورونا السلبي.
أما على صعيد الأرقام، فنجد أن اليونان سجلت رقمًا قياسيًا في حالات الإصابة الجديدة بـ Covid-19، حيث استبعدت الحكومة إغلاق المدارس، لكنها حذرت من أنها قد تحتاج إلى حشد أطباء خاصين في المناطق المتضررة بشدة.
تم تسجيل إجمالي 8613 إصابة جديدة، مما يمثل قفزة كبيرة من 7300 مطلع الاسبوع الماضي. كما تم تسجيل 46 حالة وفاة أخرى، ليرتفع العدد الإجمالي في البلاد البالغ ععد سكانها 11 مليونًا إلى حوالي 16400. هذه الزيادة فرضت ضغوطًا على النظام الصحي في اليونان في الايام الاخيرة، حيث تمتلئ المستشفيات في أجزاء من البلاد. وقال وزير الصحة ثانوس بليفريس إن الوضع "يمكن التحكم فيه، لكنه ملح للغاية".
ومن أوروبا ننتقل الى روسيا. الوضع هناك ليس أقل خطورة من دول القارة العجوز، إذ اجتاح مرضى كوفيد المستشفيات في جميع أنحاء روسيا، التي تشهد ارتفاعًا قياسيًا في عدد الحالات اليومية، عززه قول نائبة رئيس الوزراء تاتيانا غوليكوفا في اجتماع حكومي يوم الأربعاء الماضي، نقلًا عن وكالة أسوشيتد برس "ان 82.8 في المائة من 301500 سرير في المستشفيات المخصصة لمرضى كوفيد تم شغلها حتى يوم الثلاثاء وحده".
تُعزى هذه الزيادة الأخيرة في روسيا في الحالات الجديدة والوفيات إلى حد كبير، استنادًا لخبراء الصحة، إلى معدلات التطعيم المنخفضة وإحجام الحكومة عن فرض قيود صارمة. تم تطعيم أقل من 40 في المائة من سكان روسيا البالغ عددهم 146 مليون شخص بشكل كامل.
طُلب من العمال البقاء في منازلهم بين 30 تشرين الاول الفائت، و7 تشرين الثاني الجاري كجزء من استراتيجية الكرملين للسيطرة على تفشي المرض الأخير. والأدهى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أذِن للحكومات الإقليمية بتمديد عدد أيام العطلات إذا لزم الأمر، لكن خمس مناطق روسية فقط فعلت ذلك.
المصيبة ذاتها جمعتها بخصمها اللدود، أي أوكرانيا، حيث أدى انتشار الشكوك حول اللقاحات إلى زيادة قاتلة في حالات الإصابة بفيروس كوفيد في جميع أنحاء أوكرانيا، إذ سجلت حالات الإصابة اليومية الجديدة كما افادت وكالة فرانس برس رقمًا قياسيًا للوباء بلغ 26870 حالة، في وقت سابق من هذا الشهر ووصلت إلى أكثر من 23000 حالة، حتى الأسبوع الماضي.
حتى الآن، تم تطعيم أقل من 20 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 7.6 مليون نسمة بشكل كامل ضد العدوى المميتة. المثير في الامر، ان بعض الأوكرانيين دفع ثمن شهادات التطعيم المزيفة لـ Covid.
ونختم بآسيا، التي تبرز فيها حالة كوريا الجنوبية، إذ تشهد هذه الدولة ارتفاعًا حادًا في حالات الإصابة بفيروس كوفيد بين الأطفال، قبل أسابيع من خططها لإعادة فتح المدارس في جميع أنحاء البلاد. ولمكافحة الطفرة، أطلقت الدولة استراتيجية اختبار صارمة في المدارس.
وبناء على ما تقدم، واذا نظرنا الى كافة الدول أعلاه، نجد أنها تحتضن جالية لبنانية، لفرنسا والمانيا الحصة الأكبر منهم.
وهنا لا ضير بمطالبة وزيرنا بنفحة وفاء للبنانيين الذين وضعوا ثقتهم به ــ اسوة بوفائه لدول اخرى ـــ وبالتالي، مصارحتنا بما فعله أو سيفعله، ليمنع على الاقل انتشار هذا المتحور المتجدد، خصوصًا أن أصل العدوى التي انتقلت الينا مع بداية كورونا كانت من اوروبا. فهل اتعظنا؟
وقى الله بلادنا شرّه، في زمن تحاصر الازمات اللبناني من كل جانب.