القدس العربي
تؤكد مؤشرات عديدة أن موجة خامسة من جائحة كوفيد-19 تتسارع على نطاق عالمي خلال فصل الشتاء الراهن، فالإصابات في ازدياد ملحوظ ومثلها الوفيات، والكثير من المعطيات تعيد الأذهان إلى الأطوار المبكرة من ظهور الجائحة ثم ذروة الموجة الأولى في تموز/ يوليو من العام 2020.
الدول المتقدمة والغنية اتخذت سلسلة تدابير فورية لمواجهة الموجة الجديدة، وتراوحت هذه بين تسريع عمليات التطعيم، أو فرضه على الجمهور بصفة إلزامية، أو العودة إلى التشدد في تقييد الدخول إلى المرافق العامة إلا بإبراز جواز مرور صحي، أو حتى العودة إلى الحجر الجزئي. وكل ذلك بالرغم من أن هذه المجتمعات حققت معدلات تلقيح عالية، بلغت لدى بعضها نسبة تزيد عن 70٪ تلقوا جرعة تطعيم واحدة على الأقل.
ولكن لأن أول دروس جائحة كوفيد-19 هي أن العالم بأسره أقرب إلى قرية صغيرة من حيث الإصابة والعدوى وعدم التفريق بين بلد متقدم غني وآخر نامٍ فقير، فإن الموجة الخامسة تفرض من جديد ضرورة درجة أعلى من التكاتف العالمي على مستويات شتى.
أولها توزيع أكثر عدلاً وكفاية للقاحات، وليس آخرها الأخذ بعين الاعتبار حقائق ارتباط الجائحة بأشكال أخرى من الخلل في توزيع الثروات الإنسانية.
فمن المعروف أن ظواهر مثل سوء التغذية والمجاعات ونقص مياه الشرب شكلت وتشكل دائماً عوامل مباشرة في إضعاف المناعة وانحطاط الشروط الصحية وانتشار الأوبئة.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد قدّرت أن العالم بحاجة إلى 11 مليار جرعة لتطعيم 70٪ من سكان العالم، لكن الاتحاد الدولي للجمعيات الصيدلانية يؤكد من جانبه أن شركات تصنيع اللقاحات المختلفة قد أنتجت 24 مليار جرعة، والسؤال بالتالي هو أين ذهبت تلك الكمية؟ ولماذا ما تزال معدلات التطعيم في المجتمعات ذات الدخل المتدني عند نسبة 2.3٪ فقط؟
إجابة أولى تعيد السبب إلى جشع الدول الغنية والمتقدمة لجهة احتكار اللقاحات والاستئثار بها، إلى درجة أن عدداً ملحوظاً من مراكز التلقيح أقفل أبوابه لعدم وجود أفراد مستعدين للتطعيم، إما من زاوية رفض الإجراء أو لعدم الاقتناع بخطورة الجائحة أصلاً.
إجابة ثانية أكثر جوهرية تعيد السبب إلى حقيقة أن توفير اللقاح ليس كافياً في ذاته لتأمين وصوله إلى الأبدان، فالأمر متصل على نحو وثيق بمجموعة شروط أخرى تخص طرائق الحفظ والمنشآت الصحية التي سوف تتولى استخدامه والأيدي العاملة والبنى التحتية المختلفة، ولهذا فإن التعاون العالمي في هذا المضمار يبدأ أيضاً من المساعدات المادية والتكنولوجية للمجتمعات النامية والفقيرة.
ذلك يجعل دعم منشأة كوفاكس العالمية ضرورة قصوى ودائمة، فهذا البرنامج المرتبط بالأمم المتحدة يسعى إلى توفير اللقاحات على نطاق عالمي، ولكن في الدول الفقيرة والنامية بخاصة.
وقد عقد قمة دولية افتراضية احتضنتها طوكيو طالبت بتوفير 2.4 مليار دولار لتأمين 1.8 مليار لقاح لمجتمعات هذه الدول. الهدف بعيد المنال بالطبع، ولكن إذا كانت الموجة الخامسة من الجائحة تذكّر بالدرس الأول، فإن شعار كوفاكس يفرض أجنداته على طاولة الأغنياء قبل الفقراء: لن ينعم أحد بالأمان، ما لم ينعم به الجميع.