ستراتفور
من المتوقع أن يؤدي عدم اليقين بشأن متحور "أوميكرون" إلى تفاقم الاتجاهات الاقتصادية العالمية على المدى القصير، بالرغم أن تأثير السلالة الجديدة على المدى الطويل سيعتمد ليس فقط على سلوك الفيروس ولكن على كيفية تعديل استراتيجيات المواجهة الحكومية لتحقيق التوازن بين العوامل الصحية والعوامل السياسية والاجتماعية.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر مسؤولو الصحة في جنوب أفريقيا تفاصيل عن سلالة جديدة من "كوفيد-19" تحتوي على أكثر من 50 طفرة منها نحو 32 نوعا مختلفا من البروتين المسؤول عن ارتباط الفيروس بخلايا الإنسان المصاب.
وفي اجتماع طارئ في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، صنفت منظمة الصحة العالمية الطفرات الجديدة على أنها "تحور مثير للقلق".
وفي الأيام الأخيرة، تم الإبلاغ عن حالات إصابة مؤكدة بـ "أوميكرون" في عدد من متزايد من الدول حول العالم.
وتم تفعيل حظر السفر في أكثر من مكان، وحظرت الولايات المتحدة دخول الأجانب الذين زاروا 8 من دول الجنوب الأفريقي في الأيام الـ 14 الماضية.
وتفرض المملكة المتحدة حجر صحي صارم على القادمين من جنوب أفريقيا.
كما أغلق الاتحاد الأوروبي حدوده أمام القادمين من عدد من دول الجنوب الأفريقي، بما في ذلك جنوب أفريقيا وموزمبيق وناميبيا.
وفي الأسابيع المقبلة، سيبحث العالم عن عدة مؤشرات لفهم متغير "أوميكرون" والتهديد المحتمل الذي يمثله.
وبافتراض انتشار الفيروس عالميا، فهناك سيناريوهان محتملان اعتمادا على خصائص المتحور الجديد.
ويتمثل السيناريو الأول في أن تكون الأعراض خفيفة وأن تستمر اللقاحات في توفير الحماية حتى لو انخفضت الفعالية إلى حد ما.
أما السيناريو الثاني فهو تقديم اللقاحات لحماية أقل بكثير وزيادة العدوى بصورة كبيرة بين الأفراد الملقحين.
وعلى غرار سلالة "ألفا"، يتضمن "أوميكرون" طفرة حذف معينة تجعل من السهل اكتشافه عبر تحليلات "بي سي آر".
ويعني هذا أنه سيتم تحديد المزيد من حالات "أوميكرون" مقارنة بالمتحورات الأخرى مثل "دلتا"، ما سيساعد المجتمع العلمي على تحديد الاتجاهات بسرعة أكبر.
وتشير المعلومات المبكرة من جنوب أفريقيا إلى زيادة قابلية العدوى، لكن مسؤولي الصحة والعلماء سيراقبون تفشي المرض بشكل أكبر خارج جنوب أفريقيا لقياس مدى سرعة انتشار "أوميكرون" مقارنة بسلالات "كوفيد-19" الأخرى.
وبالرغم أن المناقشات الأولية داخل المجتمع العلمي تشير إلى أن اللقاح سيظل على الأرجح يوفر بعض الحماية، لكن من المرجح أن تزيد الحاجة لجرعات معززة.
ونقلت "رويترز" عن طبيبة في جنوب أفريقيا أن المرضي الذين ثبتت إصابتهم بمتحور "أوميكرون" أبلغوا عن أعراض خفيفة.
ومع ذلك، كان هؤلاء المرضى أيضا من الشباب، وتم تطعيم نصفهم على الأقل، ما يجعل من الصعب استخلاص الكثير من الاستنتاجات من هذه الملاحظة المبكرة.
وذكرت كل من "موديرنا" و"فايزر" أن الجرعات المعززة لمواجهة "أوميكرون" يمكن أن تكون جاهزة في أقل من 3 أشهر إذا لزم الأمر.
وستؤدي جولة أخرى من حظر السفر واحتمال فرض قيود موسعة إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية العالمية الحالية بما في ذلك ارتفاع التضخم وعدم اليقين في سلسلة التوريد، مع تضرر قطاع الخدمات مرة أخرى بشدة.
ويأتي ظهور "أوميكرون" في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي بالفعل من نقص العمالة وارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الطاقة واختلالات سلسلة التوريد، فضلا عن عدم اليقين المحيط بالسياسة النقدية الأمريكية والنمو الاقتصادي الصيني.
ولن يؤدي ظهور المتحور الجديد إلا إلى تسريع هذه الاتجاهات الاقتصادية العالمية، التي يمكن أن يؤدي اجتماعها إلى ركود في أجزاء معينة من العالم.
وكما كان الحال خلال الموجات السابقة من "كوفيد-19"، سيكون قطاع الخدمات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا الضحية الأولى.
وفي الولايات المتحدة، تشير التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى أن الحكومة الفيدرالية ستسعى لتجنب فرض قيود إضافية على مستوى البلاد.
ولكن مع اكتشاف "أوميكرون"، زادت ولايات مثل نيويورك بالفعل الإجراءات المتعلقة بـ "كوفيد-19" والتي يمكن أن يكون لها آثار متداخلة على الاقتصاد الفيدرالي قبل موسم العطلات.
وسيكون هناك بالتأكيد تركيز متزايد على زيادة نسبة الذين تلقوا جرعة معززة في الولايات المتحدة.
وفي أوروبا، من المرجح أيضا أن توسع الحكومات تطبيق الجرعات المعززة خاصة بالنسبة للسكان المعرضين للخطر.
ومن المحتمل أيضا اتخاذ تدابير إغلاق أكثر صرامة، حتى لو حاولت الحكومات تجنب الإغلاق الكامل لأطول فترة ممكنة.
وقبل ظهور "أوميكرون"، كانت بعض الحكومات الأوروبية قد زادت القيود بالفعل استجابة لانتشار متحور "دلتا".
وسيؤدي توسيع هذه الإجراءات إلى زيادة تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا.
وسوف تزيد القيود من عدم المساواة الاجتماعية من خلال إلحاق الأذى غير المتناسب بمن يعتمدون على قطاعات الخدمات، وهي نفس الطبقة العاملة التي لا تزال تتضرر من ارتفاع الأسعار، واختناقات سلسلة التوريد، والتردد حول إعادة الانفتاح الاقتصادي.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يخرج الانتعاش الاقتصادي العالمي عن المسار تماما.
ومن المحتمل أن يؤدي خطر تفاقم الاضطرابات الاجتماعية واضطرابات الأعمال وردود الفعل السياسية إلى إجبار معظم الحكومات على تكييف الاستجابات الوطنية لـ "كوفيد-19" بغض النظر عن خصائص المتحور الجديد، وبالتالي تقليل تأثير المتحور طويل المدى على الاقتصاد العالمي.
ورفض العديد من قادة الولايات الأمريكية أو أعربوا عن تحفظهم تجاه العودة إلى أي شكل من أشكال تدابير الإغلاق.
وتوضح الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للإغلاق في العديد من دول شمال أوروبا نوع التحديات التي ستواجهها هذه الحكومات إذا أعادت فرض القيود على الأنشطة.
وشهدت نهاية موجة "دلتا" قيام عدد من دول جنوب شرق آسيا بتخفيف قيود "كوفيد-19" بالرغم من استمرار ارتفاع معدلات الإصابة، ما يُظهر تسامحا اضطراريا مع استمرار الألم الاقتصادي الناجم عن عمليات الإغلاق.