موقع العهد الإخباري
منذ ظهوره أواخر عام 2019، غيّر فيروس "كورونا" معالم اليوميات الحياتية. باتت "الكمامة" جزءًا لا يتجزأ من الأشخاص، وباتت الاجتماعات -في فترة من الفترات- أمرًا غير مألوف. الكثير من العادات تغيّرت والأساليب كذلك. خبرنا التعلم عن بعد فتحوّلت المنازل الى مدارس وجامعات، وتحوّلت الى مكاتب للعمل. قبل أشهر، تنفّس العالم ومعه لبنان الصعداء. بدأت موجة الإصابات والوفيات بالانحسار مع تلقي اللقاح لتبدأ الناس بالخروج الى حياتها شبه الطبيعية.
لم يدُم الأمر طويلًا حتى بدأت المتحوّرات الجديدة لفيروس "كورونا" تطالعنا. بعد "ألفا" و"بيتا" أتى دور "دلتا" ومن ثمّ "أوميكرون"، ومن يدري قد نكون مقبلين على متحورات أشد فتكًا. تغلّب "أوميكرون" على ما عداه من المتحورات بسرعة انتشاره. تقارير علمية ودراسات تُفيد أنّ ثوانيَ قليلة كفيلة بنقل العدوى، ما يعني أنّ مرور عابر من أمام مصاب كفيل بجعله مصابًا بكورونا، الأمر الذي قد يعيدنا الى شرّ الإقفال العام الذي لا بد منه، والذي لوّح به وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض في حال لم يلتزم المواطنون بالتدابير الوقائية، وفي حال نفدت قدرة المستشفيات الاستيعابية.
58 حالة "أوميكرون" في لبنان.. ونسبة إيجابية الفحوض 11 بالمئة
لبنان لم ينجُ للأسف من "أوميكرون" المتحوّر الأخطر نظرًا لسرعة انتشاره. ثمّة 58 حالة سُجّلت حتى تاريخه وجميعها وافدة الى لبنان وفق ما تقول رئيسة برنامج الترصّد الوبائي في وزارة الصحّة الدكتورة ندى غصن لموقع "العهد" الإخباري. ثماني حالات من الـ58 مثبتة عبر التسلسل الجيني، والباقي قيد الفحص. وفي المقابل، توضح غصن أنّ لبنان يشهد منذ مطلع شهر تشرين الثاني موجة جديدة من متحور "دلتا". أما نسبة الإصابات فمرتفعة مع ظهور نوع من الاستقرار. ومن جهة إيجابية الفحوصات، فهي ١١% منذ عدة أيام، كما أن نسبة استعمال أسرّة العناية الفائقة لـ"كوفيد" تتراوح بين ٧٠ و٧٧ %.
وحول ما اذا كانت نسبة التلقيح قد ازدادت في الفترة الأخيرة، تقول غصن: "حاليًا يتم إعطاء أكثر من ٢٥٠٠٠ جرعة يوميا موزّعة بين الجرعة الأولى والثانية والثالثة ضمن حملة التلقيح الوطنية ضد "كوفيد""، فيما بلغت نسبة التغطية على عدد السكان من عمر ١٢ سنة: 41.2% الجرعة الأولى و34.7% الجرعة الثانية.
عراجي: "أوميكرون" قد يعيدنا الى آلاف الإصابات اليومية
يبدو رئيس لجنة الصحة النيابية النائب الدكتور عاصم عراجي متخوفًا حيال الواقع الحالي لمسار الوباء. الحديث معه يبيّن حرصه على دعوة المواطنين إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية. من وجهة نظره، لسنا قادرين على مواجهة موجة إصابات مرتفعة، فلا قدرتنا الاستشفائية تسمح بذلك، ولا وضعنا الاقتصادي الصعب يسمح بإقفال عام على غرار السنة الماضية. وعليه، نحاول قدر الإمكان إبعاد الإقفال العام، الكأس المرة، عن البلد -يقول عراجي- الذي يناشد المواطنين الالتزام هذه الفترة بالتدابير الوقائية. ليس عليهم سوى ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي وإلغاء السهرات والتجمعات داخل المنازل المغلقة خاصةً أنّ وباء "أوميكرون" دخل الى البلد بعد أن استشرى في العالم نظرًا لسرعة انتشاره. وبحسب التقارير العالمية، فإنّ ثوانيَ كفيلة بنقل العدوى بهذا المتحوّر عكس المتحورات الأخرى التي كانت تحتاج الى حوالي 15 دقيقة من الاختلاط.
وفي حديث لموقعنا، يلفت عراجي الى أنّ "أوميكرون" يحتوي على 32 طفرة منتشرة على ثلاث شوكات رئيسية من البروتين ما قد يعيدنا الى آلاف الإصابات اليومية في لبنان. ألمانيا على سبيل المثال، سجّلت ما يفوق الـ 50 ألف إصابة يومية وأكثر من 250 حالة وفاة في يوم واحد، وكُلنا يعلم الإجراءات المطبّقة في هذا البلد والأوضاع الاقتصادية الجيدة التي تسمح بملازمة المنازل.
إمكانياتنا الاستشفائية ليست كالسابق.. و60 بالمئة من الأسرّة لم تعد موجودة
ويسلّط عراجي الضوء على واقع لبنان الصحي والاستشفائي والتمريضي، فلا إمكانيات لدينا. معظم أقسام الكورونا أقفلت وحوالى 60 بالمئة من الأسرة لم تعد موجودة ما يجعل القدرة على المواجهة ليست بالقدر نفسه سابقًا. من هنا، ينبع خوفنا وقلقنا، فعدد الطفرات الكبيرة يقلّل المناعة -بحسب الدراسات- ويخفّف من قدرة اللقاح على المواجهة ما يستدعي ضرورة تلقي جرعة ثالثة. ويشدّد عراجي على أنّ المشكلة الكبيرة في حالة لبنان تكمن ليس في ارتفاع عدد الإصابات فقط بل في ارتفاع نسبة الحالات التي قد تتطلّب دخول مستشفى. 916 سريرًا فقط هو إجمالي أسرّة أقسام الكورونا بين أسرة عادية وعناية فائقة بعدما كانت بداية العام الحالي 2500 سرير. وحاليًا لا يوجد سوى 600 سرير شاغر ما يعني أنّ بضعة أيام كفيلة بامتلائهم في حال تفشى الوباء. كل هذه الأرقام تبيّن أنّ الواقع الصحي والتمريضي والاستفشائي غير مؤهل للإصابات العالية خصوصًا أنّ نسبة إشغال الأسرة في بعض المناطق كعكار والنبطية بلغت 95 بالمئة ما يستدعي القلق.
ويشدّد عراجي على أنّ التلقيح هو بمثابة حبل نجاة يضاف اليه طبعًا الالتزام بالإجراءات الوقائية. ويوضح أن نسبة التلقيح بلغت حتى الآن 40 بالمئة ممّن تلقوا الجرعة الأولى، و35 بالمئة ممّن تلقوا الجرعتين، و17 بالمئة من الذين تلقوا الجرعة الثالثة. ووفق عراجي، شهدت الأيام الأخيرة زيادة في الإقبال على التلقيح فخلال الأسبوع الماضي تلقّى 150 ألف شخص اللقاح.
قد نذهب الى الإقفال العام اذا لم نلتزم
ويشدّد عراجي على أنّ وضعنا الصحي والاستشفائي صعب وقد نذهب الى إقفال عام في حال لم نلتزم، مع الإشارة الى أنّ الكلفة الاستشفائية عالية جدًا مع الارتفاعات التي شهدها سعر صرف الدولار، وتكلفة كل يوم في العناية تتراوح بين 8 و10 ملايين، أما تكلفة سرير عادي فتبلغ 4 ملايين يوميًا، فمن يقدر على دفع هذا المبلغ؟
في الختام يقول عراجي: "ثمة كأس مرة متمثلة بالإقفال العام وان شاء الله لا نشربها".
حمية: سريع الانتشار أكثر بسبعين مرة من "دلتا" ونسبة انتقال العدوى فيه تصل الى ١٢٠ بالمئة
نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا (lscc) الدكتور محمد حميّة يتحدّث عن مواصفات متحوّر "أوميكرون" فيوضح لموقعنا أنّه سريع الانتشار أكثر بسبعين مرة من متحوّر "دلتا". نسبة انتقال العدوى فيه تصل الى ١٢٠ بالمئة، وهو لا يقاوم بالجرعات الإضافيه، بل يغير بهيكليته لمتحور جديد بعد تلقي المضاد الحيوي. عوارضه تشبه عوارض المتحورات الأخرى، ومن حيث قوة الفتك يبقى أضعف من الفيروس بأصله. أما فترة الاحتضان فهي نفسها لجميع المتحورات، ولكنه يصيب الفئه الشبابية والأطفال بنسبة أكبر.
ويوضح حمية أنّ المتحورات تظهر على نحو طبيعي في جائحة "كورونا"، الا أنها تختلف جزئيًا في سرعة انتشارها. وقد ظهر أكثر من متحور من "الفا" و"بيتا" الى "دلتا" و"أوميكرون" الذي يدعى علميًا (كابا)، فيما لا يزال هناك أربعة متحورات من الممكن ظهورها لاحقًا. وبالموازاة، يدعو حمية الى التنبه الى عامل جديد يضرب المجتمعات عامة وهو فيروس H1N1 الانفلونزا التي أصبحت أيضا تصيب الفرد لمدة طويلة وتقود الى التهاب رئوي.
ويشدّد حمية على أنّ المتحورات تقود الى ضعف في قوة الفيروس وليس العكس كما يظن البعض، الا أنها تتسبب بسرعة الانتشار. ويوضح أنّ اللقاحات لا تحد من تطور الفيروس ولن تحد لاحقًا، وهذا الأمر أصبح جليًا للعامة والخاصة من الباحثين، لذا سننتظر قرارًا بعد الجرعة الثالثة أيضا لأخذ جرعات إضافية لمعرفة الفيروس أكثر.
ويرى حمية أنّه لا بد من دخول فيروس كورونا نادي الانفلونزا الموسمية بعد الانتهاء من أخذ اللقاح، ويضيف: "لا الإفراط بالدواء أو اللقاح ولا التفريط بصحتنا عبر تجاهل الوقاية الفردية بل اتخذوا بين ذلك سبيلا".