إندبندنت عربية
مع انتشار متحور أوميكرون بسرعة قياسية في العالم، وبعد أن حذرت منظمة الصحة العالمية أنه "مثير للقلق"، لسرعة انتشاره مقارنة مع المتحورات السابقة، أعلنت دول عدة حالة الطوارئ، واتخذت إجراءات مشددة لمواجهة هذا الخطر الجديد، والحد من انتشاره.
وفي لبنان سُجل ارتفاع ملحوظ في عدد الإصابات اليومية خلال الأسابيع الأخيرة، بعد أن جرت السيطرة على الوباء خلال الصيف، وهو ما خلق وضعاً مقلقاً في ظل واقع اقتصادي متدهور وقطاع صحي يتخبط في مواجهة أزمات متتالية.
لذلك، تتكاثر أحاديث عن فرضية "الإقفال العام"، بوصفه اختياراً قد يسمح بالحد من ضغوط لا يتحملها القطاع الصحي حالياً، في حال انتشار واسع للوباء، والعودة إلى سيناريو موسم الشتاء الماضي.
واتُخذت إجراءات مشددة في لبنان بدءاً من المطار، كما أوضح وزير الصحة العامة الطبيب فراس أبيض، في حديثه مع "اندبندنت عربية"، حيث "يُطلب من كل القادمين إلى لبنان، بمن في ذلك الملقحون، فحص "PCR" خلال الـ 48 ساعة، التي تسبق موعد الرحلة، وآخر عند الوصول إلى أرض المطار".
ثمة انتقادات حول الطريقة التي يجرى فيها فحص "PCR" في المطار، إذ "لا تُعد دقيقة". لكن أبيض يوضح "أنه لو لم يكن الفحص دقيقاً لما جرى كشف هذا العدد من الإصابات بين القادمين إلى البلاد، حيث وصل عددها قبل يوم إلى 106 حالات. هذا معيار للدقة في إجراء الفحص، أما الخطأ بمعدل بسيط فوارد حتماً بين آلاف الفحوص التي تجرى يومياً".
وبالنسبة إلى الإصابات بمتحورة "أوميكرون"، يؤكد أن لبنان "قد يكون أكثر دول الشرق الأوسط شفافية في الأرقام المعلنة، بشهادة منظمة الصحة العالمية. يكفي أن الإصابات بالمتحورة التي جرى كشفها بين القادمين من إحدى الدول تخطت عدد الإصابات اليومية بكورونا التي تعلن عنها هذه الدولة".
ويضيف الوزير اللبناني، "بغض النظر عن معدل الإصابات بـ"أوميكرون" التي نكشفها يومياً، من المتوقع، أن تصبح كل الإصابات بكورونا من المتحورة الجديدة، كما حصل مع "دلتا"، وكما هي الحال في مختلف دول العالم. إنما يصعب تأكيد العدد بدقة في لبنان، حيث لا يُعتمد التسلسل الجيني على نطاق واسع، لأن تكلفة هذا النوع من الفحوص تتراوح بين 800 و900 دولار أميركي. في المقابل، تعكس الحالات التي كُشفت عبر المطار عدد حالات متحورة "أوميكرون" التي دخلت إلى البلاد".
ومن القرارات الصادرة أيضاً لمواجهة الوباء في الأراضي اللبنانية بعد أن تخطى عدد الإصابات اليومية الـ 2000، منع التجول لغير الملقحين بعد الساعة السابعة مساءً، أو من دون نتيجة فحص "PCR" سلبية، وتطبق هذه القرارات أيضاً في المطاعم والمنتجعات السياحية. ثمة تساؤلات حول مدى تطبيق هذه القرارات على الأرض، الذي هو من ضمن مسؤوليات وزارة الداخلية ووزارة السياحة.
في هذا الإطار يقول أبيض، "القوى الأمنية ووزارة السياحة تؤكدان أنهما تحرصان على تطبيق القرارات عبر مداهمات وجولات، وقد أُقفلت فعلاً مطاعم بسبب مخالفات. وفق التقارير التي تصلنا تطبق القرارات على الأرض، لكن حتى إن لم تطبق بنسبة 100 في المئة، كان لهذه القرارات المتخذة نتيجة إيجابية كما يبدو واضحاً في الإقبال الكثيف أخيراً على التلقيح، ما يؤكد تجاوب المواطنين. وأمام التهاون في الإجراءات الوقائية وعدم استخدام الكمامات كما هو حاصل حالياً، يجري التشديد حالياً على استخدام الكمامة، خصوصاً أن لبنان دفع فاتورة غالية بسبب الاستهتار. ثمة وعي متزايد لدى قسم كبير من الناس، إنما يتهاون البعض، وهي من المشكلات التي تواجهها اليوم مختلف الدول".
مع الارتفاع السريع في أعداد الإصابات اليومية والتحديات التي يواجهها القطاع الصحي في ظل واقع اقتصادي متأزم، عادت تُطرح فرضية "إقفال البلاد" للحد من انتشار الوباء، خصوصاً بعد الأعياد، حيث من المتوقع أن يُسجل ارتفاع أكبر بعد. في الوقت نفسه، إن هذا الإقفال لا يخلو من التداعيات على وضع اقتصادي متأزم أصلاً.
ويحسم وزير الصحة اللبناني هذه المسألة، "لا يمكن استبعاد الجانب الاقتصادي عند التفكير بالإقفال. أي دولة مهما كانت قوية، تأثر اقتصادها بقرار الإقفال الذي اتخذته. لا بد من التفكير عملياً بما للإقفال من تداعيات على مختلف القطاعات التربوية والاقتصادية والصحية بموازاة الواقع الوبائي، فتؤخذ كلها بالاعتبار عند التفكير بهذا الطرح".
ويستكمل، "هذا القرار ليس مطروحاً حتى اللحظة، إنما هذا يرتبط حكماً بمعدل الإصابات. فإذا بلغ عدد الإصابات اليومية 10000 أو تخطت المستشفيات قدرتها الاستيعابية، يكون ذلك وارداً. لا أتخذ كوزير صحة قرار الإقفال أو عدمه، بل ما يحدده الوضع الوبائي في البلد. لذلك بقدر ما نعمل للسيطرة على الوضع الوبائي في البلاد، نستبعد أكثر هذا الاحتمال الذي لا يخلو من الضغوط على المواطنين".
ما نشهده من انتشار سريع لمتحورة "أوميكرون" في مختلف دول العالم وعلى رأسها بريطانيا يعكس واقعاً مخيفاً، حيث إن عدد الإصابات بـ"أوميكرون" كان 14000 اليوم، وقد بلغ 100000 في اليوم. من الطبيعي أن يكون ذلك مصدر قلق في لبنان، لأنه ينذر بما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة. فهل يمكن العودة إلى سيناريو العام الماضي؟ يجيب أبيض، "لا يمكن استبعاد فرضية أن عدد الإصابات اليومية، قد يزيد بالآلاف مع الانتشار السريع للمتحور الجديد. لكن لا يعني هذا أن يترتب على ذلك ارتفاعاً موازياً لمعدلات الدخول إلى المستشفى كما حصل في العام الماضي".
ويقارن وزير الصحة بين أعداد العام الماضي وتلك التي نشهدها حالياً، "تظهر الأرقام وجود 404 حالات، فيما لا يتخطى العدد اليوم الـ 300 حالة. أما بالنسبة إلى المرضى الذين كانوا على جهاز التنفس فقد بلغ عددهم الـ 139 حالة، بينما هو اليوم 59 حالة. وعدد المرضى الذين حالاتهم معتدلة اليوم 340 حالة، فيما بلغ عددهم في العام الماضي 605 حالات، ما يشير إلى أن الفارق هو بمعدل النصف تقريباً. هذا ما يؤكد أهمية التلقيح على نطاق واسع لحماية أكبر عدد ممكن من المواطنين من دخول المستشفى في حال إصابتهم بالفيروس".
ويردف أبيض، "في كل الحالات، تتحضر وزارة الصحة لكل الاحتمالات والسيناريوهات، فتمت زيادة عدد الأسرة المخصصة لمرضى كورونا بنسبة 30 في المئة، وتعمل على زيادتها أكثر بعد. أما التجاوب فيزيد بين المستشفيات الحكومية أكثر في الوقت نفسه".
ولا يخفي الوزير اللبناني أن إمكانات البلاد على صعيد الاستشفاء والتمريض منخفضة، خصوصاً مع هجرة الأطباء والممرضين والوضع الاقتصادي المتدهور. "أجرينا اتفاقاً مع البنك الدولي لزيادة دفعات المستشفيات بمعدل 3 أضعاف ونصف. إنما لا يزال وضع المستشفيات دون المستوى بسبب الارتفاع الكبير في التكلفة، نتيجة ارتفاع سعر الصرف. نظراً لهذا الواقع الأليم ندعو الكل إلى تلقي اللقاح حتى لا تكون هناك حاجة إلى دخول المستشفى في حال الإصابة بالفيروس. الوزارة تدعم المستشفيات والمواطنين بإمكاناتها الضئيلة، إنما لا يمكن أن تتحمل كل هذه التكاليف المرتفعة للمستشفيات من مستلزمات ومازوت وغيرها".
وفي شأن التطعيم وتوافر اللقاحات، قال أبيض "يعد تلقيح نسبة كبرى من المواطنين لتأمين المناعة المجتمعية أولوية في مواجهة الوباء. إلا أن هذه النسبة تبدو منخفضة في لبنان، ولم تتخط الـ 36 في المئة. ويعود السبب الأساسي وراء ذلك إلى عدم توافر اللقاح بمعدلات كافية في مرحلة سابقة. إنما الآن وصلت دفعات عديدة من اللقاحات، وأصبح عدد الجرعات المتوافرة كبيراً، ومنها ما وصل كهبات للبنان وآخرها لقاحا "مودرنا"" وجونسون أند جونسون" كهبة من الولايات المتحدة لمساعدة لبنان على مواجهة الوباء".
وتابع، "اليوم أصبح باب التلقيح مفتوحاً للكل من عمر 12 سنة وما فوق. واللافت أن نسبة الوعي زادت بين المواطنين الذي يدركون تدريجاً أهمية اللقاح لحمايتهم. هذا ما يفسر ارتفاع معدلات التلقيح الأسبوعية من 70000 في الأسبوع إلى 198000.
موضوع المدارس من المسائل التي يثار جدل حولها في مختلف الدول، وبشكل خاص في لبنان. فمع عودة الأطفال إلى مقاعد الدراسة مع بداية العام الحالي، ارتفعت معدلات الإصابة بسبب الاختلاط. إنما اللافت بالنسبة إلى دكتور أبيض "الإقبال الكثيف للمدارس التي سجلت مع الوزارة لتلقيح الطلاب والمعلمين لديها، فترسل الوزارة فرقاً للتلقيح في مختلف المناطق اللبنانية. ثمة وعي واضح لدى المدارس على أمل أن يتمكن ذلك من حماية العام الدراسي. أما قرار إقفالها فيرتبط بالوضع الوبائي في البلاد الذي قد يتطلب الإقفال العام، ويكون إقفال المدارس كلها من ضمنه. في المقابل، قد تقفل كل مدرسة أبوابها في حال ظهور إصابات عدة بين طلابها، بدلاً من اتخاذ قرار إقفال المدارس كافة، وثمة مسؤولية للجان الأهل وإدارات المدارس في ذلك".
حتى اللحظة، يؤكد الدكتور أبيض أن ثمة قراراً بعدم إقفال المدارس، لأن "خسارة الطلاب عاماً دراسياً ثالثاً يعد إجراماً بحقهم. من هنا تأتي أهمية تلقيح العدد الأكبر من الطلاب والمعلمين والعاملين في المدارس، حتى لا تكون هناك ضرورة لاتخاذ قرار مماثل. قد تكون هناك قرارات عديدة قد اتُخذت، لكن تطبيقها بجدية يبقى الأساس إلى جانب حرص مختلف القطاعات على مراقبة ذلك ووعي المواطنين، بهدف حماية البلاد من الأسوأ".