لماذا يبدو أن المصابين بكوفيد-19 من صغار السن يحملون شكلا من المناعة من فيروس كورونا المستجد؟ سؤال حير العلماء منذ انتشار الجائحة قبل أكثر من عامين، ويبدو أنهم اليوم بصدد الإجابة أخيرا عنه.
أجسام الأطفال تفعّل ما يعرف باسم "المناعة الفِطرية" (innate immune system)، التي تعمل بشكل أفضل لدى البشر بأعمار يافعة مقارنة بالبالغين، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال".
ورغم أن بعض الأطفال قد يعانون من أعراض حادة من جراء المرض، إلا أن معظمهم يصابون بأعراض خفيفة أو قد لا تبدو عليهم أي أعراض أصلا، وهذا كان من بين الأسباب التي دفعت الآباء إلى تجنب تلقيح أطفالهم، رغم أن معدلات دخول الأطفال للمستشفيات بلغت مستويات قياسية في يناير الماضي مع انتشار متحور "أوميكرون".
ولهذا حاول خبراء الصحة العامة شرح الأسباب العلمية وراء المناعة الأقوى لدى الأطفال ضد فيروس كورونا، مع التأكيد على أن اللقاحات مهمة لحماية الأطفال المعرضين للخطر والسيطرة على العدوى.
يتكون جهاز المناعة من خطوط دفاع مختلفة، حيث تعمل المناعة الفطرية على تنسيق الاستجابة الأولية ضد العدوى، بينما تتطور "المناعة التكيفية" (adaptive immunity) بشكل تدريجي لتصبح أكثر تحديدا في خطوط دفاعها.
ويقول كيفان هيرولد، أستاذ علم الأحياء المناعي والطب الباطني في جامعة ييل الأميركية، إنه لفهم سبب المناعة الأقوى للأطفال ضد Covid-19، مقارنة بالبالغين، "عليك أن تتخيل جهاز المناعة كحصن من العصور الوسطى. الاستجابة الفطرية، التي تشمل المخاط في الأنف والحلق يساعد على حبس الميكروبات الضارة، ويشبه الخندق المائي، مما يبعد المهاجمين".
وتشمل المناعة الفطرية أيضا البروتينات والخلايا التي تحفز الاستجابة المناعية الأولية للجسم، ويشبههم هيرولد بقذائف المدفعية، التي يتم إطلاقها عندما يبدأ العدو في الغزو.
أما خط الدفاع الثاني، هو الجهاز المناعي التكيفي، الذي يشمل الخلايا التائية (T cells) والخلايا البائية (B cells)، وتتطلب استجابة الجهاز المناعي التكيفي وقتا أطول، لكنه قادر على أن يتذكر نقاط ضعف معينة في "الغزاة السابقين"، وفقا للدكتور هيرولد، الذي يضيف للصحيفة الأميركية "اعتبرهم كجنود يستعدون للمعركة داخل القلعة".
المناعة الفطرية
وبينما لا تمتلك المناعة الفطرية نفس النوع من الذاكرة، بل تعتمد على الأنماط المرتبطة بالميكروبات الضارة بشكل عام، فقد كشف علماء المناعة أن أجهزة المناعة لدى الأطفال لديها مستويات أعلى من بعض الجزيئات الفطرية وزيادة الاستجابات الفطرية مقارنة بالبالغين.
ويعتقد الخبراء، بما في ذلك الدكتور هيرولد وزوجته، بيتسي هيرولد، أخصائية الأمراض المعدية للأطفال في مستشفى الأطفال في برونكس الأميركية، أن هذا أمر أساسي لمساعدة الأطفال على محاربة فيروس كورونا المستجد بشكل أفضل.
وبعد انتشار كوفيد-19 بصورة واسعة عبر ولاية نيويورك في أوائل عام 2020، شرع هيرولد وزوجته في معرفة سبب وجود عدد أكبر من البالغين في المستشفيات مقارنة بالأطفال. وبرفقة باحثين آخرين، بدأوا دراسات تبحث في أجهزة المناعة لدى الأطفال. وانطلقوا بدراسة ما يعرف باسم "السيتوكينات"، وهي بروتينات صغيرة تنتجها مجموعة من الخلايا وتساعدها على التواصل مع بعضها البعض.
ووجدوا أن اثنين من السيتوكينات المهمة للاستجابة المناعية الفطرية أقل انتشارا في دماء كبار السن مقارنة بالأشخاص الأصغر سنا، وفقا لما قالته بيتسي هيرولد لصحيفة "وول ستريت جورنال"، مضيفة "في هذه النقطة بدأنا نرى أن استجابة فطرية قد تكون في مرحلة التطور".
الذاكرة المناعية
وتشير الباحثة في معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة في ملبورن الأسترالية، آمي تشونغ، إلى أن نقص الذاكرة المناعية بالنسبة للبالغين قد يمنح الأطفال أيضًا ميزة في محاربة فيروس "سارس- كوف-2" (كورونا المستجد).
فبعد أن عرّضت دماء الأشخاص الأصحاء لفيروس كورونا الوبائي، وجدت تشونغ وزملاؤها أن كبار السن الأصحاء لديهم استجابات قوية للأجسام المضادة الموجودة مسبقًا لـ "كوفيد-19"، وذلك على الأرجح لأنهم تعرضوا مرات عديدة لفيروسات كورونا الأخرى، مثل تلك الأكثر شيوعا، والتي تسبب نزلات البرد.
وتقول تشونغ إن الأطفال، من ناحية أخرى، ليست لديهم استجابة قوية للأجسام المضادة الموجودة مسبقا، لأنهم تعرضوا بشكل أقل للفيروسات الأخرى.
ورغم أن هذا قد لا يبدو شيئا جيدا، إلا أنه في هذه الحالة يمنح ميزة، فعندما يواجه الأطفال فيروس كورونا المستجد، فإن أجسامهم تهاجم الأجزاء الأساسية من الفيروس على الفور.
أما كبار السن فإن أجهزتهم المناعية تستهدف الأجزاء من الفيروس التي تعد مألوفة لها، وتوضح تشونغ: "هذه الأجزاء لا تعد أساسية في وقف انتشار الفيروس" في أجسامهم.
"لا تقامروا"
وتتطرق الصحيفة إلى تجنب الآباء منح أطفالهم اللقاحات بسبب اعتقادهم بأن الإصابة الخفيفة قد لا تستدعي ذلك.
وتعد معدلات التطعيم بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18عاما أقل بكثير من تلك الخاصة بالبالغين، وفقا لبيانات من المراكز الأميركية السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي)، التي كشفت أنه تم تحصين حوالي 40 في المئة فقط من الأطفال المؤهلين بشكل كامل، مقارنة بحوالي ثلاثة أرباع البالغين المؤهلين للحصول على التحصين الكامل ضد المرض.
وأكدت "سي دي سي" مرارا أنه لا توجد أي مؤشرات علمية على أضرار جانبية من جراء تلقيح الأطفال.
ورغم أن لقاحات كورونا غير متوفرة حتى الآن للأطفال دون سن الخامسة، وذلك لأن المشرفين على تقنين الإجراءات الصحية في الولايات المتحدة قرروا مراجعة لقاحات كوفيد-19 من إنتاج شركتي "فايزر-بيونتيك"، لتلك الفئة العمرية، لأن الجرعتين الأوليين لم تعملا بشكل جيد خلال التصدي لمتحور "أوميكرون" في الاختبارات.
وحتى لو كانت اللقاحات متاحة لهذه المجموعة الأصغر سنا، فإن 31 في المئة فقط من آباء الأطفال في هذه المرحلة العمرية يقولون إنهم سيلقحون أطفالهم على الفور، وفقًا لاستطلاع أجرته "كايزر"، في حين أكد حوالي ربع الآباء أنهم بالتأكيد لن يطعموا أطفالهم.
وبعيدا عن هذه الآراء، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن خطر إصابة الأطفال بمرض كوفيد-19، يبدو مشابها لخطر إصابة البالغين، ويبدو أن الأطفال يساهمون في نشر الفيروس بشكل أكبر مما اقترحته الدراسات المبكرة.
قالت بيتسي هيرولد إن بعض الأطفال يحتاجون إلى دخول المستشفى بسبب إصابتهم بالمرض، وبعضهم لا يزال يعاني من الأعراض بعد فترة طويلة من التخلص من الفيروس.
كما يتعرض الأطفال أيضا لخطر الإصابة بـ "متلازمة التهاب الأجهزة المتعددة" (multisystem inflammatory syndrome)، وهي حالة نادرة يمكن أن تحدث عند الأطفال بعد عدة أسابيع من الإصابة بعدوى كوفيد-19، ويمكن أن تؤدي إلى تلف الأعضاء أو حتى الموت.
وتقول هيرولد: "الحاجز الفطري ليس وقائيًا بنسبة 100 في المئة"، مضيفة أنه في حين أن هذه الحماية قوي ، إلا أن كوفيد-19، لا يزال يمثل مخاطر على الأطفال بما في ذلك احتمال استمرار الأعراض، أو ما يعرف باسم "كوفيد طويل الأمد".
وتختتم بالتأكيد أنه من دون التطعيم، "فأنت تقامر" بحياة طفلك.