الجزيرة
أعلنت الحكومة الصينية حالة التأهب لمواجهة فيروس كورونا بداية أبريل/ نيسان الحالي، في محاولة منها للسيطرة على الانتشار السريع للفيروس في المدن الصينية، وشملت الإجراءات إعادة فرض الإغلاق الكلي أو الجزئي في 23 مدينة صينية، ما قيَّد حياة أكثر من 193 مليون شخص، وشهدت شنغهاي الإجراءات الأكثر شدة، حيث أُقيم أكثر من 62 موقع حجر صحي في الفنادق والملاعب والمعارض، و30 ألف مستشفى مؤقت، وحصل أكثر من 25 مليون شخص على مسحة الفحص خلال 24 ساعة. (1)
وتتجه السلطات الحكومية الآن بعد قرابة 4 أسابيع على فرض الإغلاق نحو تشديد القيود على الحركة في بعض المحافظات، ونبَّهت سكان شنغهاي إلى أن الإجراءات ستستمر حتى التخلُّص من الفيروس، ولم تستثنِ الإجراءات الجديدة الأطفال، فبحسب شهادات رصدتها صحيفة "الغارديان" (The Guardian)، فقد شمل الحجر الأطفال أيضا الذين حملوا نتائج إيجابية دون ظهور أعراض الإصابة بالفيروس (2)، وعرَّض هذا المدن المتأثرة لأزمة صحة نفسية استدعت تدخل المختصين في الصحة النفسية للحد من آثار العزل المنزلي وفصل العائلات (3)، ورغم أن البيانات المُعلَن عنها حول معدلات الإصابة والوفاة لا تُشير إلى أزمة مشابهة لما حدث في بداية الوباء، فإن هناك معلومات حول احتمالية عدم دقة البيانات الموجودة عند مقارنتها بالإجراءات الحالية، ما يُثير تساؤلات حول عاصفة جديدة لفيروس كورونا تضرب الصين.
بالنظر إلى البيانات الصادرة من دول مختلفة حول العالم حول معدلات الإصابة بالفيروس ومعدلات الوفاة في كل بلد، نلاحظ ارتفاعا تدريجيا لمعدلات الإصابة حول العالم، وفيما يخص البيانات المرصودة حول معدلات الوفيات، يمكن أن نلاحظ أيضا ارتفاعا نسبيا حتى الأسبوع الثالث من شهر إبريل/نيسان. ويأتي في مقدمة الدول المُعرضة للخطر : كوريا الجنوبية، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، اليابان، أستراليا، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، تايلاند، وقد شهدت كوريا الجنوبية عدد إصابات تجاوز المليون خلال أسبوع واحد (4)، فهل هناك موجة قادمة لفيروس كورونا؟ أم متحور جديد يصعب مواجهته؟
تكرُّر موجات الفيروس
أُعلِن مؤخرا عن أقصر فترة زمنية لتكرار الإصابة بعدوى فيروس كورونا وهي 20 يوما، بعد إصابة سيدة إسبانية بالفيروس مرتين خلال 20 يوما رغم حصولها على جرعات اللقاح كاملة، لم تظهر الأعراض على السيدة الإسبانية بعد ظهور فحصها الإيجابي في البداية لكن بعد مرور ثلاثة أسابيع ظهرت عليها أعراض الإصابة بفيروس كورونا، فتطلَّب الأمر خضوعها لفحص أظهر إصابتها بمتحور "أوميكرون". يختلف هذا بشكل ملحوظ عمّا سجلته المملكة المتحدة في وقت سابق من أن أقصر مدة متوقعة لتكرار الإصابة بالفيروس هي 90 يوما. (5)
يُشير متخصصون بمستشفى "جون هوبكنز" (Johns Hopkins Medicine) إلى أن الارتفاعات المتكررة لمعدلات الإصابة بفيروس كورونا قد تزيد بسبب عوامل كانخفاض أعداد الأشخاص الحاصلين على التطعيم، وهذا يعني انتشار الوباء بين الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة، إضافة إلى عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية كارتداء كمامات الوجه، والتجمهر بأعداد كبيرة في أماكن الاحتفالات والأكل والأنشطة دون الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وهذا يعني أيضا توقع ارتفاع معدلات الإصابة في البقع الجغرافية والأماكن المكتظة بالسكان. (6)
كما أن الطفرات الجديدة تُشكِّل تحديا أمام السيطرة على الإصابات الناتجة عن فيروس كورونا، فمتحورا "دلتا" و"أوميكرون" اعتُبرا من أكثر المتحورات انتشارا، ورغم توفير التطعيمات للحماية من مضاعفات عدوى فيروس كورونا كالإعياء الشديد، والمبيت في المستشفى والوفاة، يظل احتمال الإصابة بالوباء قائما، إضافة إلى أن الإجراءات الوقائية وإجراءات العزل والإغلاق تتطلَّب عدة أسابيع لظهور تأثيرها في خفض أعداد المصابين والوفيات. (7)
المتحور الجديد لفيروس كورونا
الآن يُعَدُّ متحور "أوميكرون" السبب في ظهور أعلى معدلات للإصابة بفيروس كورونا منذ انتشار الوباء عام 2019، فهذا المتحور لديه القدرة على خداع جهاز المناعة والتغلب على المضادات المناعية التي كوَّنها الجهاز بعد الحصول على اللقاح أو الإصابة السابقة بالفيروس، ففي حين تساعد الإصابة بالفيروس في الحماية من تكرار الإصابة بمتحورات فيروس كورونا بنسبة تفوق 90%، تنخفض هذه النسبة إلى 56% في مواجهة "أوميكرون" الذي يمكنه إصابة الجسم بوصوله إلى الممرات الهوائية العلوية كالحلق ويظل عالقا في الجو داخل الأماكن المغلقة، وهذا يعني سهولة انتشاره خلال الكلام أو التنفس خاصة بين مَن لا يرتدون الكمامات الوقائية، لكن إعادة الإصابة بفيروس كورونا وتحديدا بالمتحور الجديد لا تُمثِّل خطرا أكبر مقارنة بالمتحورات الأخرى فيما يتعلق بالتسبب بالحالات الحرجة أو الوفاة. (8)
أنتج هذا المتحور حتى الآن أكثر من 50 طفرة، حدث معظمها في بروتين يستخدمه الفيروس لتثبيت نفسه في خلايا الشخص المصاب ليتمكَّن من اختراق الخلايا وإصابتها بالعدوى، أي إن "أوميكرون" يطور قدرته على دخول خلايا الجسم وإصابته عبر الطفرات التي ينتجها، وأحدث هذه الطفرات هي طفرة "بي أي 2" (BA.2)، وبسببها يُعَدُّ "أوميكرون" في صورته الحالية أكثر المتحورات انتشارا وتسبُّبا بالعدوى مقارنة بفيروس كورونا قبل التحور وحتى أكثر من متحور "دلتا"، والمثير للقلق أنه لا وجود لدليل علمي يؤكد أن أعراض الإصابة بهذه الطفرة أقل شدة من تلك التي يسببها متحور "دلتا". (9)
يوضِّح مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention) الفرق بين الطفرة والتحور، ففي الطفرة يتعرَّض الفيروس لتغيُّر جيني، تحديدا في "الشوكة" التي يستخدمها الفيروس ليخترق خلايا الجسم، ويمكن أن تتكرَّر الطفرات، وقد لا تؤثر في صفات الفيروس وخواصه إلا أحيانا، أما المتحور فقد ينتج من طفرة أو أكثر تحوَّل بها الفيروس إلى شكل جديد، وتُصنَّف هذه المتحورات علميا بناء على سرعة انتشارها وشراسة مهاجمتها لجهاز المناعة، أو تسبُّبها في ظهور عدوى جديدة، أو تكرار العدوى، أو حدوث مضاعفات حرجة مثل متحورات كورونا "ألفا"، و"بيتا"، و"جاما"، و"أوميكرون"، أو حتى بناء على عدم قدرة اللقاحات على الحماية منها. (10)
احتواء المتحور الجديد
تُعَدُّ الطفرات والتحور أمرا طبيعيا ومتوقعا في عالم الفيروسات، تماما كما يحدث مع فيروس الإنفلونزا، وهذا هو السبب الذي يدفع الأطباء حاليا إلى تشجيع الناس على الحصول على اللقاحات الجديدة للإنفلونزا، فتغير الفيروس يأتي للتغلب على جهاز المناعة، لذا يتم تطوير اللقاحات باستمرار لزيادة قدرة الجهاز المناعي في مواجهة الغزو الفيروسي المتكرر. (11)
وبحسب د. روبرت بولينغر (Robert Bollinger) من مستشفى "جون هوبكينز"، سيتطلَّب الأمر أن يراقب العلماء فيروس كورونا لرصد أي متحورات قد ينتجها الفيروس خلال تطوره، ليتمكَّنوا من تطوير عملية تصميم اللقاحات الفاعلة في مواجهته، تماما كما يتم التعامل مع فيروس الإنفلونزا، ويُشير أيضا إلى أن الحصول على جرعات اللقاح والجرعة التعزيزية في أسرع وقت يوفر حماية قوية في مواجهة طفرة "بي أي 2″، بالأخص ضد احتمالية دخول المستشفى والوفاة. (12)
أما فيما يتعلق بإصابة الأطفال بمتحور "أوميكرون" فقد لوحظت زيادة في أعداد الإصابات بين الأطفال نتيجة متحورَيْ "دلتا" و"أوميكرون"، وظهور أعراض حرجة وحالات وفاة بسبب العدوى، لكن لا وجود حتى الآن لأدلة قوية تؤكد ميل المتحورات الجديدة لإصابة الأطفال خاصة، ويظل الأمر أيضا تحت المراقبة تحسُّبا لحدوث تغير في طبيعة الفيروس ونوع الأشخاص الذين ستستهدفهم المتحورات الجديدة. (13)
يُعَدُّ فيروس كورونا حتى الآن أقل تعرُّضا للتغيرات الجينية والطفرات مقارنة بفيروس الإنفلونزا، لكن العمل على مراقبة وتقييم وتطوير اللقاحات المتوفرة حاليا سيستمر لعدم وجود لقاحات متخصصة ضد المتحورات لتوفير حماية قوية ضدها ومكافحتها، لكن د. بولينغر يرى أنه ما دامت تتوفر لقاحات تساهم في التخفيف من حِدَّة أعراض فيروس كورونا، فهذا أفضل من غياب لقاحات قادرة على المساعدة بأي شكل. (14)
هل هناك موجة قادمة؟
لا يوجد حتى الآن ضمان لعدم حدوث موجات جديدة لفيروس كورونا، فهناك احتمال لتكرُّرها مستقبلا، وستظل معدلات الإصابة والوفيات متأرجحة بين الارتفاع والانخفاض حتى يُقضى على الفيروس نهائيا، لذا يُقدِّم مستشفى "جون هوبكينز" مجموعة من النصائح للتعامل مع الوضع الحالي. (15)
أولا، ينبغي على الجميع الحصول على اللقاحات كاملة، ومتابعة التغيرات المعلن عنها فيما يخص فعالية وسلامة اللقاحات المتاحة حاليا، مع الاستمرار في اتباع الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا كالتباعد الاجتماعي، وغسل الأيدي، وارتداء الكمامات الوقائية خاصة في الأماكن المغلقة والعامة.
بعد ذلك، ينبغي تفقد خرائط انتشار الفيروس والبيانات المحدثة، لمعرفة الوضع الوبائي في مكان إقامة كل الشخص، وطلب المساعدة من الجهات المسؤولة إذا لزم الأمر. ثم التأكد من توفر التموين الغذائي والدوائي في المنزل لمدة أسبوعين، وذلك تحسبا لأي إجراءات طارئة. وأخيرا، لا تتردد في مراجعة الأطباء حال الشك في إصابتك بأحد المتحورات، وظهور أعراض تتجاوز الأعراض الخفيفة المعتادة للفيروسات التنفسية.
المصادر:
Whole of Shanghai enters COVID lockdown despite lower symptomatic cases
Shanghai further tightens Covid restrictions after weeks of strict lockdown
Covid forces China to face mental health crisis a long time in the making
Covid: Woman caught virus twice within record 20 days
Coronavirus Second Wave, Third Wave and Beyond: What Causes a COVID Surge
7-9-11-12-13-14- COVID Variants: What You Should Know
Protection against the Omicron Variant from Previous SARS-CoV-2 Infection -8
SARS-CoV-2 Variant Classifications and Definitions 10