منذ بداية مارس الماضي تسجل الصين ارتفاعا في عدد إصابات فيروس كورونا، وذلك في ظل انتشار متحور أوميكرون الشديد العدوى في أكثر من 12 مقاطعة. مما أعاد الحديث عن جدوى السياسة التي تطبقها السلطات والتي تعرف باستراتيجية "صفر إصابات بفيروس كورونا". سياسة تتمثل في القيام بكل ما من شأنه الحد من الإصابات وانتشارها. وأدت إلى عزل عشرات آلاف الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس في مراكز مخصصة أو بالمستشفيات وفرض إغلاق مشدد في شنغهاي أكبر مدن البلاد. حجر صارم دفع بالعديد للتعبير عن غضبهم في فيديو "أصوات أبريل" الذي اكتسح مواقع التواصل الصينية وسارعت السلطات إلى حجبه.
في أوائل شهر مارس/ آذار الماضي أعلنت الصين عن ارتفاع حاد في عدد الإصابات اليومية بفيروس كورونا لأول مرة منذ عامين، وهو ما أثار الشكوك حول نجاعة الاستراتيجية المتبعة من قبل الحكومة التي تقوم على مبدأ "صفر إصابة بفيروس كورونا". استراتيجية الصين هذه، القائمة على فرض تدابير إغلاق سريعة وقيود مشددة على السفر وفرض فترات حجر صحي مطولة وفي مراكز معزولة، نجحت في التخفيف من حدة انتشار الفيروس في العامين الأولين من الأزمة الصحية، وسمحت للسكان بالمحافظة على حياتهم الطبيعية إلى حد كبير. إلا أنها بدأت اليوم تظهر نقصا في النجاعة، ما أثار تساؤلات عن جدواها.
كما إن ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا، يأتي اليوم تزامنا مع خروج الأوضاع عن السيطرة عند حدود البلاد الجنوبية مع هونغ كونغ، حيث تكتظ المستشفيات بالمرضى وشهدت المحلات والمتاجر إقبالا ضخما من السكان تحركه مخاوف من فرض إغلاق جديد. الوضع الطبي الصعب في هونغ كونغ وارتفاع عدد الإصابات في شنغهاي التي فرض فيها الإغلاق منذ أكثر من شهر والأوضاع الحرجة في عدة مدن صينية أخرى، دفعت السلطات إلى مزيد من التشديد في إجراءات الوقاية. ولتجنب مصير شنغهاي، قررت بكين من جهتها اتخاذ إجراءات إضافية للحد من انتشار الفيروس.
تشديد إجراءات مكافحة فيروس كورونا في بكين لتفادي مصير شنغهاي
السبت الماضي أعلنت السلطات في مدينة بكين عن تشديد جديد لإجراءات مكافحة فيروس كورونا من خلال فرض الاختبارات للكشف عن الفيروس والحد من دخول الأماكن العامة. واعتبارا من 5 مايو/أيار، سيصبح تقديم اختبار سلبي إلزاميا لدخول "الكثير من الأماكن العامة واستخدام وسائل النقل العام"، بحسب إعلان صدر على حساب مدينة بكين على موقع التواصل الاجتماعي "وي تشات".
بكين تسعى إلى تجنب مصير شنغهاي -التي فرض فيها الإغلاق التام منذ أكثر من شهر مع انتشار واسع لفيروس كورونا وخصوصا متحور أوميكرون. التشدد الصيني في تطبيق هذه الإجراءات جاء في أول أيام عطلة نهاية أسبوع طويلة أتت تزامنا مع عيد العمال الذي يوافق الأول من مايو/ أيار. عطلة نهاية الأسبوع هذه، كانت عادة فرصة للصينيين للسفر في كل أنحاء البلاد، لكن هذا العام ومع الانتشار الواسع لحالات الإصابة بفيروس كورونا وجد مئات الآلاف من الصينيين أنفسهم مجبرين على البقاء في بيوتهم ومدنهم.
وضع لم يختره سكان مدينة شنغهاي التي فُرض فيها الإغلاق والتي سجلت ارتفاع حصيلة الوفيات الناجمة عن الفيروس بشكل حاد الأحد 24 أبريل/نيسان، على الرغم من الإجراءات الوقائية المشددة. حيث أعلنت المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في الصين والتي تضم 25 مليون نسمة، عن وفاة 39 شخصا خلال 24 ساعة، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي للوفيات منذ بدء الإغلاق في الأول من أبريل نيسان الماضي إلى 87 شخصا على الأقل. كما أن السكان ضاقوا ذرعا من وطأة الإغلاق المستمر منذ أسابيع والذي تسبب في نقص بالغذاء واحتجاجات متفرقة وموجة انتقادات عبر الإنترنت.
فيديو "أصوات أبريل" للتنديد بالإغلاق في شنغهاي
الإغلاق في شنغهاي كان من الشدة أن دفع بسكان المدينة الصينية الضخمة إلى التعبير عن غضبهم واحتجاجهم على هذه الإجراءات التي تضيق من حرياتهم على الإنترنت رغم الرقابة. حيث أصبح فيديو "أصوات أبريل" ظاهرة حقيقية على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية منذ عدة أيام. ويضم هذا الفيديو شهادات قصيرة لسكان شنغهاي يعبرون خلالها عن مللهم الشديد وحنقهم من الإغلاق الذي يجبرهم على لزوم بيوتهم منذ أكثر من شهر. الفيديو الذي تصل مدته إلى ست دقائق جاء بالأبيض والأسود ويصور المدينة من أعلى، وتتخلله موسيقى حزينة ومقاطع صوتية قصيرة للسكان
فيديو "أصوات أبريل" غزا الشبكات الاجتماعية الصينية منذ نهاية الأسبوع الماضي رغم قيود الرقابة. حيث أصبح منذ أن نشر يوم الجمعة 23 أبريل/ نيسان، "المحتوى الأكثر مناقشة وانتقادا للسلطات على الإنترنت منذ وفاة الدكتور لي وينليانغ في فبراير/ شباط 2020"، وذلك بحسب موقع "واتس أو ويبو" باللغة الإنكليزية الذي ينشر أخبار الشبكة الاجتماعية الصينية الشهيرة "ويبو".
ويصور فيديو "أصوات أبريل" من خلال تسجيلات المكالمات الهاتفية بشكل أفضل حجم "التكلفة البشرية" البالغة لهذا الإغلاق الصارم للغاية في شنغهاي. حيث نسمع سيدة تسأل جيرانها إذا كان لديهم دواء معين يحتاجه ابنها، لأنها لا تستطيع الخروج لشرائه. أو حين يشكو مواطن إلى السلطات المحلية من أن والده المريض جدا لم يقبل في أي مستشفى، لأن الأولوية اليوم هي علاج جميع مرضى فيروس كورونا. واشتكى آخر من أن "الفيروس ليس هو من يقتل، بل الجوع!".
خبير صيني متخصص في الشؤون السياسية فضل عدم الكشف عن هويته قال: "أصبح هذا الفيديو رمزا لمقاومة السياسة الصحية للحكومة وهو قادر على تعبئة السكان ضد السلطات". وهو ما يفسر الرقابة الشاملة التي سارعت السلطات بممارستها لمنع انتشاره. فمنذ ظهر يوم السبت، تؤدي جميع روابط الفيديو إلى صفحات إنترنت 404 ما يعني أنه تم حذف المحتوى. وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية اليومية فإن كلمات "أصوات أبريل" لم يعد من الممكن استخدامها على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية.
لذلك تم تغيير اسم الفيديو لتجاوز الرقابة الصينية. ليصبح اسمه "أصوات شنغهاي" إلا أن ذلك لم يفلح في خداع خبراء في الرقابة تمكنوا في السابق من التخلص من أشكال مبتكرة للغاية من النقد ضد الرئيس الصيني شي جينبينغ عبر استخدام شخصية الدب ويني مثلا، التي من المفترض "أن تبدو مثل الزعيم الصيني، للتنديد بالنظام".
السلطات الصينية اليوم في موقف لا تحسد عليه. فمن ناحية هي لا ترغب في الظهور بموقع من لا يشعر بمعاناة سكان شنغهاي المحاصرين وخاصة أنها لم تنف أبدا أن سياسة "صفر فيروس كورونا" تتطلب تضحيات كبرى من المواطنين. ومن ناحية أخرى ترفض بشدة السماح بتداول مثل هذا النوع من الشهادات.
.