إيمان فكري - صحيفة الاهرام المصرية
يوم بعد يوم، يتم الإعلان عن ظهور فيروسات جديدة تهدد سلامة البشر في العالم، كانت بدايتها منذ تقريبا سنتين بفيروس كورونا المستجد، الذي ظهر هكذا على حين غفلة وبدون أي مقدمات وانتشر في العالم انتشار النار في الهشيم، ليفتح الباب لانتشار العديد من الفيروسات الأخرى، كان آخرها جدري القرود وأنفلونزا الطماطم، وكأنه كتب على العالم مأساة الأوبئة المتلاحقة التي تحارب البشر، الأمر الذي يجعلنا نتطرق إلى التساؤل حول أسباب ظهور هذا الكم الكبير من الفيروسات خلال السنوات الأخيرة، وماذا لو اختفت الفيروسات عن كوكبنا؟
فيروس كورونا
البداية كانت في أواخر عام 2019، عندما ظهر فيروس كورونا لأول مرة في الصين، وبدأ ينتشر تدريجيا إلى كل دول العالم، ومن ثم ظهر العديد من المتحورات التي كانت أخطر من الفيروس الأصلي، مثل متحور دلتا بلس وأوميكرون، ليغلق العالم لفترة تقارب العامين للسيطرة على الفيروس، الذي تسبب في وفاة أكثر من 6 ملايين شخص في العالم حتى الآن، حتى ظهرت في الفترة الأخيرة أنواع عديدة من اللقاحات، التي تتسبب في السيطرة على الفيروس وقوته، وساعدت في خفض نسب الإصابة والوفيات بسبب كورونا.
التهاب الكبدي الوبائي
ولم يكد العالم يودع جائحة فيروس كورونا، وتعود الحياة إلى طبيعتها بعد إغلاق قارب العامين، حتى بدأت تلوح بالأفق مخاوف جديدة تتعلق بالفيروسات الأخرى، وكأنه كتب على العالم مأساة الأوبئة المتلاحقة التي تحارب البشر، حيث ظهر فيروس التهاب الكبدي الوبائي مرة أخرى، الذي انتشر في أكثر من 12 دولة، وهو مرض يصيب الكبد، ويمكن أن يؤثر الالتهاب على وظائف الكبد، ويمكن أن يختلف المرض في شدته تبعا للسبب، في حين أن بعض أنواع التهاب الكبد خفيفة ولا تتطلب علاجا، ويمكن أن تصبح الأشكال الأخرى من المرض مزمنة ومميتة.
جدري القرود
ظهر جدري القرود في الشهور الأخيرة، وهو مرض فيروسي حيواني المنشأ يحدث بشكل أساسي في مناطق الغابات بوسط وغرب إفريقيا، وتسبب في حدوث حالة من الذعر في العديد من الدول الأوربية والشرق الأوسط بسبب ظهور العديد من الحالات في الكثير من البلدان كبريطانيا، وفرنسا وبلجيكا، والدنمارك والعديد من الدول الأخرى، وتشمل أعراض الإصابة بهذا المرض، الحمى والطفح الجلدي وتضخم الغدد الليمفاوية وقد يؤدي إلى مجموعة من المضاعفات الطبية، وهو ليس بفيروس جديد حيث إنه ظهر لأول مرة عام 1958، ولكن تم السيطرة عليه بفضل لقاح الجدري.
في الواقع لا يوجد علاج أساسي لجدري القرود، ولكن يمكن استخدام لقاح الجدري، والأدوية المضادة للفيروسات، والجلوبيولين المناعي، للسيطرة عليه، مع ضرورة إجراء طرق للوقاية من هذا المرض عن طريق الابتعاد عن ملامسة الحيوانات التي يمكن أن تنقله، عزل المرضي المصابين، الاهتمام بنظافة اليدين عن طريق غسلها بالماء والصابون جيدا.
أنفلونزا الطماطم
كان هذا الفيروس هو آخر فيروس ظهر حتى الآن، وظهر في الهند ومن ثم بدأ في الانتشار في بعض الدول، والاسم العلمي له ليس أنفلونزا الطماطم بل مرض اليد والقدم والفم، وهذا المرض ليس بجديد ويصيب الأطفال، يسبب هذا الفيروس ظهور بثور تشبه الطماطم علي الجلد، وتؤثر أنفلونزا الطماطم بشكل كبير على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات والذين يعانون من حمى غير مشخصة، وتتسبب في تهيج الجلد، والجفاف لدى الأطفال، وبشكل عام، يكون شكل البثور أحمر اللون وعندما تصبح كبيرة جدًا تشبه الطماطم وبالتالي تسمى حمى الطماطم أو أنفلونزا الطماطم.
وتُعد هذه الأنفلونزا ذاتية الحد ولا يوجد دواء محدد لذلك، وهذا يعني أن الأعراض ستختفي مع مرور الوقت مثل حالات الأنفلونزا الأخرى، وتعتبر حمى الطماطم معدية، ويحتاج المصابون بهذه الأنفلونزا إلى عزلهم لأن هذا يمكن أن ينتشر بسرعة من شخص إلى آخر. وأيضًا هي معدية، مثل حالات الأنفلونزا الأخرى، ويجب إبقاء الأطفال المصابين في عزلة لأن هذه الأنفلونزا يمكن أن تنتشر بسرعة من شخص إلى آخر؛ وبالتالي عليك تجنب الاتصال الوثيق مع الشخص المصاب.
لماذا انتشرت الفيروسات بعد جائحة كورونا؟
السبب في عودة ظهور الفيروسات مرة أخرى، أن الفيروسات تقوم بعملية من التحورات والطفرات الجينية، وهذا يكسبها صفات جديدة تجعلها قادرة على الظهور مرة أخرى، وربما بشكل مختلف نوعا ما عن الشكل القديم، فيؤكد الدكتور إسلام عنان أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، أن الفيروسات مثل جدري القرود وأنفلونزا الطماطم هي فيروسات قديمة بالفعل لكنها تعاود الظهور من وقت لآخر.
كما أن انتشار العديد من الفيروسات بعد جائحة كورونا يحدث نتيجة لتغيير المناخ الذي حدث خلال العامين الماضيين فلم تعد كما عاهدناها، وتعافي الطبيعة كما تم وصفها بعد فرض إجراءات الإغلاق وحظر التجول، ويعد انتشار الفيروسات وتحورها نتيجة وجود فيروس كورونا في الجو ومن إنسان لإنسان واتحاده معها أو تقويتها.
علاقة كورونا بالإصابة بالفيروسات الأخرى
ويؤكد أستاذ علم الأوبئة، أن ازدهار الفيروسات نتيجة لعدم الإصابة بها من قبل، الهدف منها المحافظة على وجودها حيث غيرت الفيروسات من شكلها وتحررت لتكون أشد إصابة، وازدهار أمراض حساسية الصدر والربو والأمراض المناعية نتيجة النظافة المفرطة خلال إتباع الإجراءات الاحترازية خلال جائحة كورونا، كما أنه يحدث أيضا نتيجة تغيير في مستوى المناعة عند البشر بعد الجائحة نتيجة لاستخدام مفرط للأدوية وخاصة المضادات الحيوية التي تتسبب في ضعف المناعة ويصبح الشخص بيئة خصبة لالتقاط الفيروسات الأخرى بكل سهولة، كما أن الإصابة بفيروس كورونا المتكررة تسبب أيضا الإصابة بالفيروسات الأخرى.
وكذلك بعض السلوكيات البشرية وعلى سبيل المثال التعاملات الخاصة بالحيوانات والأطعمة والأغذية، كل ذلك أحدث تغيرًا في السلوك الخاص بالفيروس، فضلًا عن اختلاط العالم بشكل كبير مع التكنولوجيا وانتشار وسائل المواصلات والتنقلات والتجمعات.
ماذا لو اختفت الفيروسات عن عالمنا؟
ما رآه العالم بسبب فيروس كورونا، جعل الجميع يتمنى محو جميع الفيروسات من على وجه الأرض، والتخلص منها نهائيا دون تردد، ظنا منهم أن عدم وجودها سيجعل الحياة أجمل لأن الفيروسات هي التي تسبب الأمراض للبشر، غير مدركين للدور المهم الذي تلعبه الفيروسات لدعم الحياة على وجه الأرض.
شرع بعض الباحثين مؤخرا في دراسة الفيروسات التي تعزز فرص بقاء البشرية وكوكب الأرض، وتوصلوا إلى أنه من دون الفيروسات لن يكون للحياة وكوكب الأرض وجود، ولابد أن نفهم أهمية الفيروسات لبقاء البشرية، وخطورة القضاء عليها.
في دراسة علمية أخيرة بجامعة ويسكونسين ماديسون، قال الدكتور توني غولدبرغ عالم الوبائيات، إن في حال اختفاء الفيروسات فجأة من الوجود سينعم العالم بحياة رائعة لنحو يوم ونصف، وبعدها سنموت جميعا، حيث أن الفيروسات تؤدي أدوارا مهمى للعالم تفوق ضررها بمراحل، إذا لا تسبب الغالبية العظمى من الفيروسات أمراضا للبشر، ويسهم الكثير منها في دعم الأنظمة البيئية، ويحافظ البعض على صحة الكائنات الحية، من الفطريات والنباتات إلى الحشرات والبشر.