الجزيرة
يقترب العالم من احتواء انتشار فيروس كوفيد 19 الذي حصد ملايين الأرواح، غير أن التحدي الأكبر يكمن في إقناع المشككين بفعالية لقاحات هذا الفيروس وكسب ثقة المجتمعات المعرضة للخطر.
ويتطرق الفيلم الوثائقي "ثق بندائي" الذي عرضته الجزيرة الوثائقية إلى تاريخ من عدم الثقة بين مجتمعات الملونين والمهاجرين واللاجئين في الولايات المتحدة والدولة بشأن التعاطي الصحي والطبي معهم.
القطاع الطبي.. واقع مرهق زادته كورونا إرهاقا
وقبل الوصول إلى حدود الاحتواء مر العالم عموما -والولايات المتحدة خصوصا والتي لديها عشرات ملايين الإصابات ومئات آلاف الوفيات- بفترة مرهقة وغير مسبوقة دمرت دفاعات القطاع الطبي.
تقول الممرضة أنجيلا ويليامز عن هذه الفترة إن "ضغط العمل في وحدة العناية المركزة كبير جدا، وعندما أضيف له الجائحة نُقل الضغط من المستوى الرابع إلى العاشر مباشرة".
أما الدكتور ماكيني، فيصف واقع المستشفيات -وقتها- بأنه "مأساوي ولم يسبق لي أن رأيت شيئا كهذا من قبل في سنوات عملي الثلاثين. لو اطلع الناس على ما كان يحصل في وحدة العناية المركزة ورأوا المرضى على أجهزة التنفس يموتون وعائلاتهم لا تستطيع الدخول إلى الوحدة وتشعر بالخوف مما يحدث لأحبائها المرضى لأخذوا هذا الأمر على محمل الجد".
أما الدكتور رويز، فيشبه فترة كورونا بـ"حالة حرب"، يقول "كنت أسير في ممر وحدة العناية المركزة وأنظر إلى الغرف عن يميني ويساري وأرى المرضى متكدسين على أجهزة التنفس الاصطناعي".
وأما أكثر المجتمعات التي تضررت من فيروس كورونا فقد كان مجتمعات الملونين والمهاجرين واللاجئين، إذ وصلت نسبة المصابين في المستشفى الذين لم تكن الإنجليزية لغتهم الأم إلى أكثر من النصف.
كما ازدادت أعداد الوفيات بشكل كبير في هذه المجتمعات لأن السكان ومن بينهم كبار السن كانوا يرفضون تلقي علاج كوفيد بحجة أنهم سمعوا أخبارا سيئة عنه وأن لديه آثارا جانبية.
ثقافة المرضى.. ثقة مفقودة ورفض للقاح
ولأن الثقة مفقودة بسبب تاريخ من عدم التعامل اللائق مع هذه المجتمعات، يحاول الأطباء والممرضون إقناع الناس بضرورة تلقيه للحفاظ على حياتهم.
وتقول الممرضة آيريس دي لاروزا "نقدم برامج توعوية بلقاحات كوفيد وأهمية تلقيها، وإن كان يهمهم الأمر فنوصلهم بالإنترنت لأن بعضهم ليس لديه إنترنت ولا حاسوب".
وتضيف "رغم وجود هذه البرامج التوعوية، لكن هناك من يرفض تلقي اللقاح بحجة المناعة تارة والنجاة من فيروسات أخرى مثل إيبولا وسارس والجمرة الخبيثة، وهذه فيروسات ذات عمر قصير".
وتتابع "أقرأ على مواقع التواصل عناوين أخبار من قبيل أن طبيبا لقي حتفه بسبب لقاح كوفيد، أو ممرضة تموت جراء اللقاح، ولكنني لا أدخل على الخبر لأن هذا قد يكون من قبيل المصادفة أو أن الخبر كاذب من الأساس".
وتشرح إحدى الرافضات لتلقي العلاج أن "هذا الفيروس هجم علينا فجأة وبدأ يحصد الأرواح، أنا مع الحذر وارتداء الكمامة وأتبع كل الإجراءات الاحترازية ولكني أبتعد عن تلقي اللقاح حتى أبعد مدى، لأن الأطباء والممرضين الذين تلقوا اللقاح يصابون بالمرض ثم بالاكتئاب لأنهم سيُعزلون عن عائلاتهم، وبعد كل هذا كيف لي أن اقتنع بأن اللقاح يحمي من الإصابة؟ أعلم أنه قد يحميني من عوارض قاسية إذا أصبت بالفيروس ولكنني غير مقتنعة به".
ويمثل التردد بتلقي اللقاحات مشكلة منذ عقدين من الزمن وخصوصا في الولايات المتحدة، ولا يعطي كل الرافضين لتلقي اللقاح السبب ذاته، ولهذا فعلى الكادر الطبي والصحي فهم الأسباب المختلفة لطمأنة الناس.
تجارب "تازكيكي.. سوابق تعزز الشك لدى المجتمعات الملونة
يتمثل التحدي الأكبر في جعل أبناء المجتمعات الملونة يتلقون اللقاح ويتخلون عن ترددهم. وعن هذا الموضوع يقول الدكتور ماكيني "نشأتُ في شمال مينيابولس، وأنا أميركي من أصل أفريقي، لذا فالعمل على المساواة الصحية وقضية اللقاحات أمر مهم لي".
وبدورها تؤكد الممرضة أنجيلا ويليامز أنه "بصفتي امرأة سوداء تربيت على التشكيك في الأمور نوعا ما. يواجه السود صعوبة في الوثوق بالأطباء بسبب الأمور التي حدثت لهم أو لأفراد عائلاتهم أو ما حدث في التاريخ كتجارب تازكيكي، مع مجموعة من الرجال المصابين بالزهري".
ويشرح الدكتور ماكيني ما هي تجارب "تازكيكي" قائلا "كانوا يتتبعون حالة الرجال المصابين بمرض الزهري ليروا كيفية تطوره، وحين تم قبول علاجه بالبنسلين في أربعينيات القرن الماضي لم يعطوه لأولئك المرضى لأنهم أرادوا تتبع المسار الطبيعي للمرض، وازداد الأمر سوءا لأن التجارب استمرت حتى سبعينيات القرن الماضي إلى أن نشر صحفي تقريرا ضخما فاحتج الرأي العام حيث كان هناك عملية ممنهجة لتجريد الملونين من إنسانيتهم وخصوصا الأمريكيين من أصل أفريقي".
ولّد هذا الأمر لدى الأميركيين من أصل أفريقي الكثير من القلق والتشكيك بالقطاع الصحي الحكومي.
وفي السياق، يرى الحلاق تيتو ويلسون أن "ما جرى يشكل جزءا كبيرا من التاريخ، وبالتأكيد يجعلنا نتردد عندما نفكر بأن هناك مرضا جديدا ولقاحا لذلك المرض. فقد بدأت جائحة فيروس كورونا ومن ثم أصبحنا نتحدث عن اللقاح بعد 8 أو 9 أشهر من ظهوره، وأعتقد أن الأمر يحتاج لسنوات لإنتاج لقاحات فعالة للأمراض والأوبئة. أما الآن فنحن نتحدث عن مرض ظهر قبل أشهر معدودات فقط ولهذا أنا متردد للغاية في تلقي اللقاح".
وأضاف أن "تاريخنا في هذه البلاد لم يكن ودودا للغاية، ولهذا كنت مترددا بشكل كبير قبل تلقي لقاح الإنفلونزا ولم آخذه ولن آخذ لقاح فيروس كورونا".
"الحمض النووي الريبوزي المرسال".. كيف يعمل اللقاح؟
تشير الممرضة كيلي روبنسون من منظمة "بلاك نيرسس روك" إلى أن منظمتها "تعطي لقاحات كوفيد وتجري جميع الفحوصات الخاصة بالمرض، وجميع الممرضات في هذه المنظمة هم من النساء الملونات، وهدفنا كمجموعة ومنظمة وممرضات محترفات التأكد من تلقي الناس للقاح فعلا، ولكن من المحبط أن نسبة الأميركيين من أصل أفريقي في كل عمليات التلقيح التي قدمناها حتى الآن، منخفضة جدا".
وتتابع أن أحد مخاوف الأمريكيين من أصل أفريقي ظهر عندما بدأ الباحثون والمجتمع الطبي بالحديث عن لقاح "الحمض النووي الريبوزي المرسال" الذي كان جديدا للغاية من حيث التقنية والتطور. وبالنسبة لأمريكي من أصل أفريقي مصاب سيقول: أريد أن أعرف وأتأكد أن هذا لن يضرني في آخر المطاف.
ويشرح الدكتور ماكيني كيفية عمل اللقاحات ويقول: إنها تمثل للشخص العادي علما معقدا، ولكن غاية اللقاح الأساسية هي تعريف جهاز المناعة لديك بالأمراض المعدية المهمة مثل كوفيد 19، حتى إذا صادفه جهاز المناعة مرة أخرى سيهاجمه ويقضي عليه. وتقوم كافة أنواع لقاحات فيروس كورونا على ما يسمى "البروتين الشوكي" في فيروس كوفيد 19.
أما الدكتور رحيمي، فيشير إلى أن الفيروس يستخدم تلك البروتينات الشوكية للدخول إلى خلايا جسمك التي يريد إصابتها، ولا ينبغي أن يشعر الناس بالقلق من أنهم سيصابون بالكوفيد جراء اللقاح لأن الأخير لا يفعل شيئا سوى أنه ينتج البروتينات الشوكية ولا يحتوي على فيروس كوفيد إطلاقا، فكلا لقاحي فايزر وموديرنا يقومان بلصق "الحمض النووي الريبوزي المرسال" بخلايا جسمك.
وتابع أن "اللقاحات تعطي التعليمات للعملية الخلوية لتصنيع البروتين الشوكي، ومن ثم يخرج البروتين إلى سطح الخلية والمناعة التي تولّد البروتين الشوكي هي التي تحميك. ومن قبل لم يكن أحد يحلم بأن يكون لدينا لقاح بجودة ما، إنه معجزة ومقدار الإصابات التي يقي منها سيكون كبيرا جدا".
وفي السياق، يمضي الدكتور ماكيني قائلا إن "الحمض النووي أشبه بكتاب الطبخ الذي يعلمك صناعة كائن حي، وهو موجود بكل كائن حي والحمض النووي الريبوزي هو خطوة مقتطعة منه، فهو يقول عمليا دعني آخذ وصفة من كتاب الطهي لصنع شيء واحد فقط. وإن كان هناك نصيحة للناس فعليهم تلقي أي لقاح يتاح لهم ليحموا أنفسهم وعائلاتهم".
مجتمعات المهاجرين واللاجئين.. توجس التعامل مع المستعمِر السابق
تقول كريستين من مركز الموارد الوطنية (وهو مشروع ممول من مركز السيطرة على الأمراض ويهدف لتوفير موارد للاجئين والمهاجرين فيما يخص كوفيد 19) إنهم يركزون على الجهود المعنية باللقاح سواء المتعلقة بالتوعية به أو توفيره لمجتمعات اللاجئين والمهاجرين. وتتابع أن "أحد التحديات التي نواجهها هو كيف يمكن لمجموعات الصحة العامة والمنظمات المجتمعية وفرق الرعاية توفير اللقاحات لهذه المجتمعات التي تأثرت بجائحة كورونا بشكل كبير؟".
أما الدكتورة الأمريكية من أصل صومالي هدى حسن، فتشير إلى حجم المعلومات المغلوطة حيال اللقاحات وما يمكنها فعله للمساعدة في توعية الناس بأهمية تلقي اللقاح وضرورة تلقيه.
بدورها تقول الدكتور أبرار -وهي أيضا أمريكية من أصل صومالي- إن "هناك ترددا في مجتمعي من الصوماليين، فالشباب الأصغر سنا يقولون نحن أصحاء للغاية ونمارس الرياضة ولهذا فالكوفيد لن يصيبنا، ولو أصابنا لن يقتلنا، ولهذا لن نتلقى اللقاح. ويقول كبار السن: إن جاء أجلي وانتهى عمري فسأموت وهذا بيد الله".
وتلفت الناشطة الاجتماعية كوليت إلى أمر يتعلق بالـ"صدمة التي مرت بها بعض المجتمعات الأفريقية خلال استعمارها من قبل العالم الغربي، فلا تزال تعاني من مشكلة الوثوق بأي شيء يأتي منه وعدم ائتمانه على حياتنا وصحتنا".
وتروي الدكتورة هدى حسن قصة تفشٍ مؤسف لداء الحصبة قبل عدة سنوات، وتقول إن السبب يعود إلى أن الناس لم تطعّم أطفالها لاعتقادها بأن اللقاح قد يسبب التوحد، فالخوف من التوحد لعب دورا في تفشي الحصبة، وهذا يعني أن هناك انعدام ثقة باللقاحات.
خرافات ومخاوف.. قالوا عن اللقاح ما لم يقله مالك في الخمر
وتؤكد الممرضة باربرا أن "لقاح كورونا مختلف لأنه صنع في غضون عام، ومن ثم لديك كل هؤلاء الناس الذين ينشرون الخرافات ويبثون الرعب في مجتمعاتنا، وهذه الأسباب الرئيسية التي تجعل البعض يقررون عدم تلقي اللقاح أو يشعرون بالخوف".
ويرى الدكتور رحيمي أن "موضوع الخرافات والشائعات مثير للاهتمام، وطرح سؤالا مفاده: ما الذي يقنع الناس بتلقي اللقاح؟ وأجاب أن حديث رجال العلم لا يقنع الكثير من الناس، فرجل علم واحد يحدثك بالحقائق لا يقنع سوى رجل علم آخر، ولكن ما يحدث أن الناس يخرجون باستنتاجاتهم الخاصة التي يستقونها من مصادر غريبة لأنهم يريدون تعزيز استنتاجاتهم الشخصية".
والناس الذين تحدث عنهم الدكتور رحيمي ينقسمون إلى جزأين: الأول يسأل ويدقق ليقتنع، والآخر معارض صلب للقاحات ومن الصعب التعامل معه.
وما زاد الطين بلة دخول مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا على الخط، إذ أصبح الناس يختلقون الأخبار وينشرونها لإخافة الناس.
ومن بين هذه الشائعات أن اللقاحات تحتوي على شرائح دقيقة وأن الحكومة ستراقبهم وأن بيل غيتس يريد قتل الأفارقة بإعطائهم اللقاح.
ولكن الحلاق تيتو ويلسون -الذي ينظم حلقات توعية لمناقشة قضايا اجتماعية تهم السود من بينها لقاح كوفيد 19- يؤكد أن الأمر ليس سخيفا كما يعتقد البعض وخاصة "عندما يكون هناك تاريخ من عدم الثقة بيننا وبين الحكومة".
ومن بين الخرافات، أن هناك من يقول إن اللقاحات عبارة عن فيروس كوفيد وإنهم يجربونه على السود وإنه ليس آمنا، وإن المطعوم يتسلل داخل حمضك النووي ويؤثر على الخصوبة أو إن العلماء يستخدمون الأجنة المجهضة حديثا أو مواد فضائية لتصنيع اللقاح.
يقول الدكتور ماكيني إن هذه هي المخاوف التي يجب علينا مكافحتها، وهذا دور موظفي الصحة العامة والمختصين للتحدث في العلم والسلامة وطرق الوقاية.
وتقول الممرضة آيريس إن "المهاجرين واللاجئين معرضون جدا للأخطار لأنه ليس لديهم تأمين صحي ولا يتحدثون اللغة ولا يملكون المال، ولهذا هم في موقف صعب ومن الصعب جدا أن توصل لهم اللقاح ناهيك عن توعيتهم بشأنه".
وتتابع أن العاملين في الزراعة ومصانع الأغذية أكثر عرضة لكوفيد 19 بسبب الأحياء السكنية المتقاربة ووسائل المواصلات المشتركة والعمل في بيئات يكون فيها التقارب كبيرا.
وتختم أن العائلات في هذه المجتمعات تخشى القول إنها تشعر بالمرض لأنها ستتعطل عن العمل ولن تتقاضى أجرها ولهذا كانت كورونا تتفشى في هذه المجتمعات.
ويركز الأطباء على فكرة عدم فرض تلقي اللقاح بل العمل على إقناع الرافضين له باحترام وديمقراطية، لأن المرضى والعائلات يغيرون معتقداتهم حينما يتلقون التوعية السليمة ويجب أن تكون بلغتهم الأم.
اللقاحات.. من الرفض إلى البحث ثم القبول
الناس العاديون ليسوا الوحيدين الذين كان يساورهم القلق والتردد بشأن اللقاح، وعدم الثقة فيه ليس حصرا على مجتمعات الملونين، فحتى العاملين في القطاع الطبي والصحي كانوا حتى الأمس القريب مترددين بشأن تلقي اللقاح.
تقول الممرضة أنجيلا ويليامز إنه "نظرا لأنني امرأة من مجتمع السود، فأنا نفسي وفيما يتعلق بلقاح كوفيد كنت مترددة ورحت أسأل كيف خرج هؤلاء الناس بهذا اللقاح بسرعة فائقة، والسؤال ماذا عن آثاره على المدَييْن المتوسط والطويل".
وتتابع أن العاملين في الزراعة ومصانع الأغذية أكثر عرضة لكوفيد 19 بسبب الأحياء السكنية المتقاربة ووسائل المواصلات المشتركة والعمل في بيئات يكون فيها التقارب كبيرا.
وتختم أن العائلات في هذه المجتمعات تخشى القول إنها تشعر بالمرض لأنها ستتعطل عن العمل ولن تتقاضى أجرها ولهذا كانت كورونا تتفشى في هذه المجتمعات.
ويركز الأطباء على فكرة عدم فرض تلقي اللقاح بل العمل على إقناع الرافضين له باحترام وديمقراطية، لأن المرضى والعائلات يغيرون معتقداتهم حينما يتلقون التوعية السليمة ويجب أن تكون بلغتهم الأم.
اللقاحات.. من الرفض إلى البحث ثم القبول
الناس العاديون ليسوا الوحيدين الذين كان يساورهم القلق والتردد بشأن اللقاح، وعدم الثقة فيه ليس حصرا على مجتمعات الملونين، فحتى العاملين في القطاع الطبي والصحي كانوا حتى الأمس القريب مترددين بشأن تلقي اللقاح.
تقول الممرضة أنجيلا ويليامز إنه "نظرا لأنني امرأة من مجتمع السود، فأنا نفسي وفيما يتعلق بلقاح كوفيد كنت مترددة ورحت أسأل كيف خرج هؤلاء الناس بهذا اللقاح بسرعة فائقة، والسؤال ماذا عن آثاره على المدَييْن المتوسط والطويل".
وتتابع "حين اضطررت لأخذ قرار تلقي اللقاح من عدمه بدأت أفكر بكافة المصابين بالفيروس وقلت لنفسي، قد أكون أحد هؤلاء على ذلك السرير، فأجريت بحثي الخاص بعيدا عن الإعلام والمجانين الذين يتحدثون عن كوفيد ومعتقداتهم الخاصة، وتوصلت إلى خلاصة مفادها أنه صحيح أنهم أنتجوا اللقاح بفترة قصيرة جدا ولكن هم يعملون على لقاحات "الحمض الريبوزي المرسال" منذ فترة طويلة جدا.
وبعد أن تلقت الممرضات المطعوم شعرن بالراحة وبتن قادرات على الذهاب إلى كافة الأماكن ولكن مع المحافظة على الإجراءات الاحترازية، وشعرن بالثقة أكثر لأنهن لن يساعدن أنفسهن فقط بل والآخرين أيضا.
وتقول الممرضة كيلي روبنسون إنه "كلما زاد عدد الذين تلقوا المطعوم أصبح بإمكانهم أن يروا القصة بطريقة أوضح، ولهذا تحدثت عن الأمر ونشرت صوري على مواقع التواصل وشجعت الممرضات الأخريات اللواتي أخذن المطعوم على فعل الأمر نفسه، لأننا أشخاص مؤثرون ومؤتمنون والناس يعلمون أننا سنخبرهم الحقيقة وليس لدينا سبب للكذب عليهم، لأننا لا نريد أذية الناس ونأمل أن تكون مشاركتنا دافعا للناس لأخذ المطعوم".
بدوره يؤكد الدكتور رحيمي أن "الناس يثقون أكثر باللقاح عندما يرون الأطباء والممرضين قد تلقوه، فهذه المهنة هي الأكثر موثوقية بين المهن الأخرى، وليس من الضروري أن تخبر الممرضات مرضاهن، بل أن يخبرن صديقاتهن ويتحدثن علنا عن تلقيهن اللقاح وإعطاء الناس الانطباع بأن الشيء البديهي والصحيح والمنطقي والوحيد هو أن يتقبل الناس اللقاح على نطاق واسع".
ساهمت الدكتورة هدى حسن بنشر فيديوهات تتحدث عن اللقاحات باللغتين الصومالية والإنجليزية لغايات التثقيف ودحض المعلومات الخاطئة.
وتقول "لا أفرض طريقة تفكيري على الآخرين بقدر ما يتعلق الأمر بفهم الخلفية التي يأتون منها ومحاولات لقائهم في وسط الطريق كي يطمئنوا. فينبغي التواصل بشكل أفضل مع مجتمعنا لأن الأمر يتعلق بالثقة".
ويعتبر الدكتور ماكيني أن الناس سيُقبلون على أخذ اللقاح عندما يجدونه "متوفرا في كل مكان وما عليهم فعله هو الذهاب سيرا إلى كنيسة الحي أو العيادة. وأعتقد أن جزءا كبيرا من هذا يتطلب أن يواصل العاملون في مجال الرعاية الصحية في الأحياء بإجراء هذه الأحاديث والحرص على أخذ مخاوف الناس وتساؤلاتهم -حتى لو كانت مبنية على حقائق غير علمية- على محمل الجد".
وحتى الحلاق ويلسون الذي كان يرفض تلقي اللقاح اقتنع بعد سلسلة من الحلقات الحوارية وتلقى المطعوم بعد أن تأكد أنه حقيقي وسينقذه ومجتمعه من هذا الوباء وبدأ ينصح الجميع بأخذه لأنه "سيقينا من الموت، جمعينا سنموت يوما ما ولكن لا أحد يريد الموت قبل أوانه".
تقول الممرضة آيريس إنه "إلى جانب الحد من الخسائر البشرية؛ فإن أردنا شيئا من الحياة الطبيعية والعودة إلى شيء مما كانت عليه الحياة في السابق، فعلينا تلقي المطعوم".
وتابعت "إذا استطعنا تطعيم أكبر عدد من الأشخاص بأسرع وقت ممكن فسيكون هذا أكثر فائدة، ولكن لا تزال هناك أمور مجهولة، فلا نعرف كيف سيتطور هذا الفيروس بعد سنة من الآن".
ويتبقى لدينا إقناع الأشخاص المترددين بأخذ اللقاح، والتحدي هو معالجة مخاوفهم والوصول إليهم، وسيكون علينا كذلك توفير اللقاح للجميع بهدف الانتقال من مجرد الحديث عنه إلى التواجد في تلك المجتمعات وإعطائهم اللقاح فعليا.
وفيما يخص المجتمع الصومالي، تقول الدكتورة هدى حسن إنه "مع ازدياد عدد الأشخاص الذين يتلقون المطعوم سيخرجون ويحفزون أشخاصا آخرين، وفي الآونة الأخيرة دخلنا في شراكة مع المساجد المحلية وهذا يدعو للتفاؤل".
وترى الممرضة كيلي روبنسون أننا "نعيش في زمان غير مسبوق، فأعداد الوفيات كبيرة جدا وهذا أمر مؤلم بالنسبة لي، نفكر بالأشخاص الذين أخذوا المطعوم والآخرين الذين نود تطعيمهم، ومن ثم نشاهد الأخبار ونصاب بالحزن، ولا يسعك التركيز كثيرا لأن هناك الكثير من العمل لتقوم به، لكن الوضع يتحسن ببطء بشأن الحصول على المطعوم، ولزيادة نسب التطعيم وضعنا اللقاحات في كنائس مجتمعات الأميركيين من أصل أفريقي للسماح لجميع الناس بأخذ المطعوم".
ويختم فينس روك –وهو مدير صحة محلي- أن "اللقاح بات يمنح الأمل للمجتمعات، فقد خسرنا الكثير من الأرواح بسبب الفيروس، وحجم الألم لا يقاس، ولكن طالما أننا نتعلم من بعضنا ومن العلم، فإن الخير ينتصر على شر الفيروس".
ويلخص الوضع بالقول "على المدى الطويل وحتى عندما ينتهي الفيروس، فسيكون علينا أن نعيد بناء مجتمعاتنا ومساعدة بعضنا البعض لنكون أكثر استقرارا واستعدادا لمواجهة أوبئة قادمة، فربما لا تكون هذه الجائحة هي الأخيرة التي تضرب مجتمعاتنا".