في تطور جديد على صعيد مواجهة مرض "جدري القرود" الذي بدأ ينتشر بشكل أسرع في العديد من دول العالم، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ، على أمل توفير التعاون الدولي اللازمة لكبح جماح المرض.
وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، خلال مؤتمر صحفي في العاصمة السويسرية جنيف (السبت 23 يوليو 2022)، إن حالة التفشي الحالية للمرض تمثل حالة طوارئ عالمية، وهي أعلى درجات التأهب بالنسبة للمنظمة.
ويعني هذا التطور الحاجة الماسة لتعاون دولي ربما يشمل حملة تمويل عالمية لتوفير اللقاحات وتبادلها لمواجهة المرض. وقد نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أن لجنة الخبراء التابعة للمنظمة اجتمعت، يوم الخميس (21 يوليو 2022) لبحث التوصيات المحتملة بشأن المرض.
انقسام داخل المنظمة
وانقسمت اللجنة بحسب المصدرين بشأن إعلان حالة الطوارئ، فيما كان القرار الأخير لرئيس المنظمة الذي أعلن الطوارئ خلال مؤتمر في العاصمة السويسرية جنيف.
ولم تتوافق لجنة الخبراء على القرار بعدما عارضه تسعة أعضاء وأيده ستة فقط. وقال المصدران إن المدير العام كان يدعم قرار الأغلبية داخل لجنة الخبراء في أوقات سابقة، لكنه قرر -على ما يبدو- تجاوز هذه العادة مع جدري القرود تحسباً لتطورات محتملة.
ويبدو أن رئيس منظمة الصحة العالمية يخشى من احتمالات تزايد الإصابات مقارنة بكميات اللقاحات المتوفرة حالياً في أنحاء العالم.
وأوقفت الدول تصنيع اللقاحات السابقة التي تستخدم للتحصين ضد مرض الجدري العادي؛ بعدما أعلنت منظمة الصحة القضاء على المرض.
ولا يوجد حالياً إلا تلك الكميات التي تحتفظ بها بعض الدول كمخزون وطني لمواجهة أي نشاط للمرض الأصلي، الذي يعتبر جدري القرود فرعاً منه، لكنه أقل فتكاً، بحسب ما أكدته المسؤولة الطبية بوحدة التأهب لمخاطر العدوى والوقاية منها بمنظمة الصحة العالمية بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط، شيرين النصيري.
وفي حوار سابق مع "الخليج أونلاين" قالت النصيري، إنه ثبت في الماضي أن التطعيم ضد الجدري ناجع بنسبة 85% في الوقاية من جدري القرود، غير أن هذا اللقاح لم يعد متاحاً لعامة الجمهور بعد أن أوقف التطعيم به في أعقاب استئصال الجدري من العالم.
ولفتت إلى أن بعض البلدان لديها لقاح الجدري كجزء من المخزونات الوطنية، إذ من المرجح أن يفضي التطعيم المسبق ضد الجدري إلى أن يتخذ المرض مساراً أخف وطأة.
تزايد الإصابات
وحتى الآن كان هناك أكثر من 16 ألف إصابة بجدري القرود في أكثر من 75 دولة، وخمس حالات وفاة في أفريقيا.
وهذه هي أول حالة طوارئ عالمية تعلنها منظمة الصحة بعد جائحة كورونا، وتواجه المنظمة والحكومات الوطنية ضغوطاً شديدة من العلماء وخبراء الصحة العامة لاتخاذ المزيد من الإجراءات بشأن جدري القرود.
وتضخمت حالات المرض الفيروسي منذ اجتماع لجنة الخبراء لأول مرة، في نهاية يونيو الماضي، عندما كان هناك نحو 3 آلاف حالة فقط في أنحاء العالم؛ ففي ذلك الوقت وافقت اللجنة على إعادة النظر في موقفها من إعلان الطوارئ إذا تصاعد تفشي المرض.
كانت إحدى القضايا الخلافية الرئيسية بين لجنة الخبراء هي مدى انتقال المرض من دائرة الشواذ التي ظهر بينها بشكل كامل حتى الآن، إلى فئات أخرى مثل الأطفال أو غيرهم ممن كانوا عرضة للإصابة في وقت انتشار المرض في الدول الموبوءة سابقاً.
وقالت لجنة الخبراء إن أي تغييرات على الفيروس نفسه قد تثير إعادة التفكير، قبل أن تعلن الولايات المتحدة (الجمعة 22 يوليو 2022) أول حالتي إصابة بالمرض لدى الأطفال.
المجموعة الآن منقسمة بين أولئك الذين يعتقدون أن إعلان الطوارئ من شأنه تسريع الجهود لاحتواء المرض، وأولئك الذين لا يعتقدون أن المعايير المذكورة أعلاه قد تم الوفاء بها؛ لأن المرض لم ينتشر بعد إلى مجموعات جديدة من الناس أو كان لديه معدل وفيات مرتفع.
الخبير في الأحياء الدقيقة الدكتور عبد الرؤوف المناعمة قال إن ما يثير الخوف حالياً هو أن التفشّي الأخير للمرض كان في بلد أوروبي، وليس في أحد مواطنه التقليدية.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال المناعمة إن مؤشر الخطورة الثاني كان الانتشار في 70 دولة على الأقل، رغم محدودية أعداد الإصابات، خصوصاً أن بعض هذه الدول سجّلت أول إصابة في تاريخها بجدري القردة.
وأضاف: "المرض يصنّف على أنه من الأمراض غير الرئيسية، لكن معدلات التفشي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية أعطت مؤشراً على احتمال تزايد الإصابات خلال الفترة المقبلة، ما دفع منظمة الصحة لإعلان حالة الطوارئ".
واستبعد المناعمة أن يتحول الأمر إلى جائحة جديدة على غرار جائحة كورونا، لافتاً إلى أن ما قامت به منظمة الصحة العالمية مجرد "ناقوس خطر" حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة بسبب غياب التدابير.
وأكد أنه لا تتوفر بيانات كثيرة بشأن طبيعة المصابين وكيفية انتقال العدوى إليهم، لكنه أشار إلى أن الحديث يدور على نسبة إصابات كبيرة من الشواذ.
وخلص المناعمة إلى ضرورة إتاحة بيانات المصابين الوبائية للباحثين لكي يتمكنوا من تكوين صورة واضحة عن سلوك الفيروس المسبب للمرض؛ لأن هذا الأمر يخدم جهود مكافحته، حسب قوله.
جدري القردة في الخليج
وخليجياً رُصد المرض في الإمارات والسعودية وقطر، وقالت السلطات الصحية في الدول الثلاث إنها اتخذت كافة التدابير اللازمة للبحث والتقصي وبحث المخالطين لمنع انتشاره.
فيما يتعلق بسرعة انتشار المرض قالت دراسة حديثة (أواخر يونيو 2022) إن العامل المسبب لجدري القرود قد تحوّر بشدة وعلى نحو مفاجئ.
وذكر فريق من الباحثين البرتغاليين في دراسة نشرتها دورية (نيتشر ميديسن) العلمية، أن هناك نحو 50 اختلافاً في الخصائص الوراثية مقارنة بالفيروسات المرتبطة بجدري القرود في 2018 و2019.
ويمثل هذا التحور ما يتراوح بين 6 أمثال إلى 12 مثلاً لما كان متوقعاً بالنسبة لهذا النوع من العوامل الممرضة، بحسب التقديرات السابقة، وقد تشير السلالة الجديدة إلى تطور متسارع.
ويتحدث الخبراء حتى الآن عن تطور بطيء جوهري إلى حد ما فيما يتعلق بهذا النوع من الفيروسات، وخصوصاً مقارنة بالعدد الكبير للغاية من التحورات لفيروس كورونا المستجد.
ويشك الخبراء في أن إنزيمات نظام المناعة البشري مسؤولة عن هذه التغيرات في التكوين الوراثي.
طريقة الانتقال
ينتشر المرض من خلال الاتصال الوثيق بين الأشخاص، وقد أثبتت دراسات حديثة أنه ينتقل أيضاً من خلال الأسطح التي يلامسها الشخص المصاب إلى الآخرين، حيث كشفت أحدث الدراسات (مطلع يوليو 2022) أن الأسطح التي يلامسها المصابون بهذا المرض قد تكون شديدة التلوث ومصدراً لنقل العدوى.
ووفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية، فإن الدراسة التي أجراها باحثون في مستشفى جامعة "هامبورغ-إيبندورف" الألمانية ونُشرت مطلع يوليو الجاري، تؤكد أنه لم يثبت حتى نشر الدراسة إصابة أحد بسبب ملامسة الأسطح الملوثة.
وقال رئيس فريق البحث ومدير قسم النظافة في المستشفى يوهانس كنوبلوخ: "نفترض أن الأسطح يجب أن تكون ملوثة بشدة حتى تكون قادرة على نقل العدوى من خلال ملامستها".
وأضاف: "من المحتمل أن يؤثر هذا بشكل أساسي على الأشخاص الذين يعتنون بالمصابين والأشخاص الذين يعيشون مع شخص مصاب"، مؤكداً أنه "وفقاً للمعرفة الحالية، لا يوجد خطر من الأسطح العامة التي تلامسها اليدان، مثل مقابض الأبواب أو أزرار المصعد".