كانت لجائحة كورونا التي أصابت العالم في بدايات عام 2020 تأثيرات هائلة على شتى مناحي الحياة وطرق العيش في مختلف أرجاء العالم، ولم ينج من تأثيرات هذه الجائحة أحد تقريبا سواء الرجال أو النساء أو الأطفال، وصولا إلى المنظمات والمؤسسات العامة والخاصة والدول في شرق العالم وغربه.
وضرب الفيروس كل شيء في حياتنا، ولكن هل كانت للجائحة تأثيرات على بعض الفئات الاجتماعية أكثر من غيرها؟ وهل تأثر الرجال والنساء في العالم بدرجة متساوية بتداعياتها المدمرة؟
الإجابة: لا، حيث تظهر الدراسات والأبحاث العلمية والاستبيانات واستطلاعات الرأي في معظم البلدان أن تأثر النساء بتداعيات الجائحة أكبر بكثير من الرجال.
وفي عالمنا العربي، على سبيل المثال لا الحصر، أظهر تقرير أصدرته الأمم المتحدة، استنادا إلى الإجابات عن استبيان وزع بين شبكات منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، أدلة مبكرة عن تأثير جائحة "كوفيد-19" في المساواة المبنية على النوع الاجتماعي والعنف ضد النساء والفتيات في الدول العربية.
ويوثق التقرير الذي وضع من منظور منظمات المجتمع المدني النسائية التهديدات الرئيسة التي تواجهها الناجيات من العنف والمرتبطة بجائحة "كوفيد-19″، وهي: الحدّ من الوصول إلى الخدمات بما في ذلك مؤسسات العدالة والشرطة والخدمات الاجتماعية والصحية، وتزايد العنف المنزلي، وكذلك العنف ضد النساء في الحيز العام وعلى الإنترنت، وتداعيات الجائحة على الفئات الأكثر عرضة، مثل اللاجئات والمهاجرات والنساء ذوات الإعاقة.
وأظهرت الدراسات والأبحاث أن تأثيرات جائحة كورونا كانت أشد قسوة على النساء في مختلف المجالات مقارنة بالرجال، والأمر لم يقتصر فقط على العالم العربي بل تعدّاه إلى مختلف دول العالم.
معاناة النساء الأستراليات
ووجد باحثون من "جامعة كوينزلاند" (University of Queensland) الأسترالية أن جائحة "كوفيد-19" في أستراليا كانت لها تأثيرات مالية ونفسية أكبر على النساء من الرجال.
وأظهرت دراسة أجرتها كلية إدارة الأعمال بجامعة كوينزلاند أن النساء عانين من تأثيرات أكثر أهمية في التوظيف العام، وساعات العمل، والعمل المنزلي، والصحة العقلية، والرفاهية.
وقال الباحث الرئيس في الدراسة، الدكتور تيري فيتزسيمونز، إن "أحد الأسباب هو التمثيل المفرط للمرأة في الصناعات الأكثر تضررا من تدابير الإغلاق".
وأضاف الدكتور فيتزسيمونز أن "كثيرا من النساء كنّ يعملن بشكل عرضي أو بدوام جزئي أو موظفات بعقود، وكن من بين أول من فقدوا وظائفهم في الشركات التي كن يعملن بها أثناء الجائحة، وذلك ضمن الإجراءات المضادة التي كانت تتخذها الشركات ردا على الإغلاق".
فضلا عن ذلك، وجدت الدراسة أن النساء لم يكنّ مصنفات ضمة فئة "العاملين الأساسيين"، ولهذا كن من أوائل من فقدوا وظائفهم في البلاد، حسب منصة "فيزيكس.أورغ" (phys.org) التي ذكرت أهم ما ورد في الدراسة.
كذلك تحملت النساء العبء الأكبر من مسؤوليات الرعاية، مثل التعليم المنزلي بعد إغلاق المدارس ومراكز رعاية الأطفال أثناء الحجر.
وأوضح الدكتور فيتزسيمونز أن "النساء قللن من ساعات عملهن، أو توقفن عن العمل كليا، وأخذن يعملن في المنازل أكثر من نظرائهن من الرجال أثناء وجودهن في البيت مع أطفالهن".
واشتملت الدراسة على عينة استقصائية وطنية شملت 1931 رجلا و1691 امرأة يعملون في مختلف الصناعات، من البناء والتعدين إلى التعليم والرعاية الصحية والفنون.
وختم الدكتور فيتزسيمونز أن "آثار فقدان هذه الوظائف وانخفاض الدخل وأعباء العمل المنزلي تعني أن النساء عانين بشدة من الإرهاق والتوتر والقلق والاكتئاب أكثر من الرجال"، وأشار إلى أن "بعض المشاركات كانت لديهن أفكار انتحارية" بسبب الضغوط الكبيرة اللاتي كن يتعرضن لها.
البريطانيات الأكثر معاناة
وفي المملكة المتحدة تشكل النساء غالبية الموظفين في الصناعات التي عانت من بعض أعلى معدلات فقدان الوظائف بسبب الجائحة، حسب منظمة "وومن بادجت قروب" (The Women’s Budget Group)، وهي شبكة مستقلة من الباحثين الأكاديميين وخبراء السياسة والناشطين أوضحت الطرق التي تأثرت بها النساء في سوق العمل في المملكة المتحدة بسبب جائحة كورونا، وحددتها بالنقاط الآتية:
بوجه عام، مُنحت الإجازات غير المدفوعة الراتب للنساء أكثر من الرجال في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وتشير التقديرات الخاصة بنهاية يناير/كانون الثاني 2021 إلى ارتفاع كبير في الإجازات نتيجة الإغلاق الوطني الثالث حيث بلغ 2.32 مليون للنساء و2.18 مليون للرجال.
عانت النساء السود والآسيويات ونساء الأقليات العرقية الأخرى من نسب متدنية في التوظيف منذ بداية الوباء حيث بلغ معدل البطالة بينهن 8.8% مقارنة بـ4.5% للنساء البيض. وبين الربع الثالث من عام 2019 والربع الثالث من عام 2020، انخفض عدد العاملات من هذه الأقليات بنسبة 17%، مقارنة بـ1% للنساء البيض.
وأشارت 46% من الأمهات اللائي تم الاستغناء عنهن أثناء الوباء إلى أن السبب كان خوف أرباب العمل من انشغالهن برعاية أطفالهن أكثر من العمل. ورُفضت 70% من طلبات الإجازة المدفوعة الراتب من النساء اللواتي لديهن مسؤوليات رعاية للأطفال، وأدى هذا إلى إصابة نحو نصف الأمهات العاملات (48%) بالتوتر والقلق بشأن المعاملة السلبية من صاحب العمل بسبب مسؤوليات رعاية الأطفال.
خلال الإغلاق الوطني الأول في المملكة المتحدة، كان من المرجح أن يحصل العاملون في الوظائف المنخفضة الأجر على إجازة أو تخفيض في ساعات عملهم، مقارنة بأولئك الذين يشغلون وظائف ذات دخل أعلى، وهو الأمر الذي أصاب النساء بالدرجة الأولى حيث عدد النساء في الوظائف ذات الدخل الأقل يبلغ ضعف عدد الرجال.
5 طرق تأثرت بها النساء أكثر من الرجال
وبوجه عام، وعلى مستوى العالم، حددت "منظمة أوكسفام" (OXFAM) الدولية -منظمة خيرية عالمية مستقلة تعمل في مجالي الإغاثة والتنمية- 5 طرق كانت فيها النساء أكثر تأثرا بالجائحة من الرجال، وهي:
1- سبل عيش غير مستقرة
في العديد من البلدان، تشير الأدلة إلى أن النساء تعرضن لخطر كبير في سبل وطرق عيشهن، وأنهن تأثرن بشدة بالآثار الاقتصادية للجائحة، وأجبرهن الوباء بطرق غير مناسبة على ترك العمل والتخلي عن مصدر رزقهن، فأدى ذلك إلى عكس عقود من التقدم في مشاركتهن في القوى العاملة في البلاد التي ينتمين إليها.
وعلى الصعيد العالمي، نجد أن كثيرا من النساء كنّ يعملن في قطاعات الاقتصاد الأكثر تضررا بسبب الجائحة مثل خدمات الإقامة وتقديم الطعام، كما كن أكثر عرضة للعمل في وظائف محفوفة بالمخاطر وغير آمنة. وعلى سبيل المثال، فإن 92% من النساء في البلدان المنخفضة الدخل يعملن في وظائف غير رسمية أو خطرة أو غير آمنة ويواجهن نقصا في الوصول إلى الحماية الاجتماعية أو شبكات الأمان.
2- الرعاية الصحية والتعليم
تسبّب "كوفيد-19" في إرباك وتعطيل الأنظمة الصحية على مستوى العالم، وإضعاف قدراتها على تلبية احتياجات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء. وعلى الصعيد العالمي، أبلغت النساء والفتيات عن انخفاض فرص الحصول على هذه الخدمات مما زاد من مخاطر الأمراض المنقولة والمضاعفات أثناء الحمل والولادة والإجهاض.
وتشير التقديرات إلى أن الوباء أدى إلى عكس مكاسب 20 عاما مضت من التقدم العالمي المحرز في تعليم الفتيات، وأدى ذلك بدوره إلى زيادة الفقر وعدم المساواة، وتعرض ما لا يقل عن مليون فتاة في سن الدراسة لخطر فقدان إمكانية الحصول على التعليم في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بسبب إغلاق المدارس أثناء الجائحة، وإقدامهن على الزواج والحمل، علما أن الفتيات اللواتي يتزوجن بسن مبكرة أكثر عرضة للعنف، وفي الغالب ما يتركن دراستهن لهذا السبب.
3- النساء حافظن على سير العالم أثناء الجائحة
حافظت النساء على سير العالم أثناء الجائحة، إذ تحمّلن عبء العمل في العيادات والمنازل وأماكن العمل. وعلى الصعيد العالمي، تشكل النساء 70% من القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية ويشكلن أيضا معظم العمالة المنزلية في العالم. وعلى الرغم من أن هذه الوظائف ضرورية للاستجابة للوباء واستمرار الحياة، فقد عانت من التقليل من قيمتها مدة طويلة من الزمن، إضافة إلى تدني أجورها، كما عانت النساء العاملات في هذه المجالات من خطر أكبر من غيرهن في إمكانية التعرض للفيروس والإصابة بالمرض.
وإذ أدّت تدابير الإغلاق إلى تباطؤ اقتصاد سوق العمل في مختلف أنحاء العالم، نمت نتيجة لذلك أعمال الرعاية الصحية والمنزلية غير المدفوعة الأجر نموا صاروخيا حيث وجدت الفتيات أنفسهن يقضين بالفعل 12.5 مليار ساعة يوميا في أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر.
4- أول من يجوع وآخر من يشبع
وتلعب النساء دورا حاسما في نظام الغذاء العالمي بوصفهن منتجات وعاملات في المزارع ومصانع التجهيز، وعادة ما تتحمل النساء مسؤولية شراء الطعام للأسرة وطهيه. ومع ذلك، فإن انتشار انعدام الأمن الغذائي في كل القارات كان أعلى بين النساء منه بين الرجال.
وتشكل النساء نسبة كبيرة من العمال غير الرسميين والمنتجين أصحاب المزارع الصغيرة، وهؤلاء هم الذين تضرروا بشدة من التداعيات الاقتصادية لوباء "كوفيد-19". وفضلا عن ذلك، فالنساء في الغالب الأكثر ضعفا ضمن هذه المجموعات بسبب الحواجز المنهجية التي ترتفع أمامهن، مثل التمييز في ملكية الأرض التي هي غالبا مستأجرة أو تعود لأحد أفراد العائلة، وطرق الدفع عن محصولهن الذي يتأخر أكثر من نظرائهن من الرجال.
وأدى الإغلاق والحجر الناجم عن الوباء إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي عند النساء أكثر من الرجال، نظرا للأعراف الاجتماعية السائدة، ونظم إنتاج الغذاء غير المتكافئة، والفجوات في الأجور. وكل هذا، إلى جانب حقيقة أن النساء غالبا ما يكنّ أول من يتخطى وجبات الطعام، أو يأكلن أجزاء أصغر منها حيث يفضلن إطعام أطفالهن وأشقائهن الصغار على أنفسهن، فضلا عن سيطرة الرجال على المائدة وهو ما يعني أن النساء غالبا ما يكنّ أول من يعاني من الجوع.
5- ازدياد العنف ضد النساء أثناء الوباء
ازداد العنف ضد النساء والفتيات زيادة سريعة في أعقاب القيود المفروضة على الحركة المرتبطة بالوباء، وذلك مع وجود الرجال طوال الوقت في المنزل، وعدم قدرتهم على الحركة مما أدى إلى تفريغ إحباطهم ويأسهم في زوجاتهم والنساء الموجودات معهم في المنزل. كذلك تضررت خدمات الدعم للنساء والفتيات اللائي يتعرضن للعنف بشدة بسبب انخفاض جهود الوقاية والحماية والخدمات الاجتماعية.
والاستجابة العالمية للجائحة وتداعياتها المختلفة لم تأخذ في الاعتبار الآثار المتقاطعة مع مختلف مجالات الحياة على النساء، حيث تأثرت النساء تأثرا أكبر في جميع الحالات، في الفقر والضعف وفقدان العمل التعسفي، وفقدان الحقوق والتمييز والرعاية الصحية، وغيرها كثير. ويمكن أن يكون السبب في كل هذا غياب النساء بكل تنوعهن عن صنع القرار بشأن الوباء على جميع المستويات، سواء المستويات المحلية والوطنية أو الدولية.