تبين أن ثمن «العيش مع (كورونا)» في مجتمع حر ومنفتح، أعلى بكثير مما توقعه خبراء الصحة العامة.
حتى مع وجود اللقاحات والعلاجات الجيدة، فإن عدد الوفيات في الولايات المتحدة هذا العام هو بالفعل أعلى بكثير من الفيروس الآخر الذي ينتشر كل عام، أي «الإنفلونزا». ويقتل موسم «الإنفلونزا» الرهيب نحو 50 ألف شخص؛ لكن أكثر من 226 ألف شخص ماتوا بسبب «كورونا» عام 2022. وحتى إن تجاوزنا موجة أخرى وبقيت الوفيات عند مستواها «المنخفض» الحالي، فإن 150 ألف شخص آخرين قد يفقدون حياتهم على مدى الأشهر الـ12 المقبلة.
ثم هناك الكلفة المتضخمة لفيروس «كورونا الممتد». فانتقال العدوى المستمر -حتى وإن كان أقرب إلى الاحتراق البطيء منه إلى النار المحتدمة- سوف يعني أن صفوف المصابين لفترات طويلة سوف تستمر في الازدياد. أدى تفشي «كورونا الممتد» إلى خروج ما يصل إلى 4 ملايين شخص من القوى العاملة، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن مؤسسة «بروكينغز». ومع تلاشي القلق العام بشأن «كوفيد»، ونضوب التمويل، سيكون من الصعب وقف هذا الوباء الموازي.
وكانت الحكومة قد كرست جُل مواردها لأجل حل لغز الأسباب التي تؤدي إلى تفشي فيروس «كورونا الممتد». وهذه جهود أساسية؛ لكن القليل جداً منها مخصص لدراسة كيفية علاج الفيروس الممتد والوقاية منه. كما يستحق المصابون بـ«كوفيد» مزيداً من الرعاية لفترة طويلة.
تشير تقديرات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، إلى أن 1 من كل 5 أشخاص يصابون بالفيروس يعانون أعراضاً ممتدة؛ إذ يتعافى البعض ببطء؛ لكن الآخرين يجدون نوعية حياتهم تتدهور على نحو مريع طوال شهور أو حتى سنوات.
الأمور الوحيدة التي يمكنها السيطرة على هذا الوباء الموازي هي اللقاحات والعلاجات الأفضل. لكن مع انتقال المجتمع من المرحلة الطارئة لوباء «كورونا»، قد يصبح كلا الأمرين أكثر صعوبة، مع النظر هنا للمهمة العسيرة المتزايدة المتمثلة في تطوير لقاحات جديدة. وقد دعا خبراء الأمراض المعدية إلى تطوير لقاحات شاملة لفيروس «كورونا» أو اللقاحات الأنفية ، وكلا النهجين جديران بالاهتمام فيما يتعلق بقدرتهم على منع انتشار المرض، والحفاظ على الفاعلية في مواجهة المتغيرات الجديدة.
لكن في بلد بلغ فيه انتشار الفيروس حد الإفراط، سوف يختفي التمويل اللازم لنقل هذه المشروعات إلى ما بعد مرحلة الأفكار الأكاديمية الجيدة والدراسات الإكلينيكية الفعلية. وبما أن الحكومة لم تعد تنفق المليارات على منتجات «كوفيد»، فإن الشركات لديها حافز أقل بكثير للاستثمار فيها. ويتزامن كل ذلك مع مناخ أكثر تحدياً وغلاء بكثير، للحصول على لقاحات وأدوية جديدة ضد فيروس «كورونا».
إحدى القضايا الرئيسية هي التحدي المتزايد المتمثل في إلحاق المتطوعين بالدراسات الإكلينيكية. يقول ديفيد بولوير، الباحث في الأمراض المعدية بكلية الطب، في جامعة مينيسوتا: «من الصعب حقاً تجنيد الناس». وأضاف بولوير الذي قاد عديداً من التجارب السريرية الكبيرة لعلاجات «كوفيد» المحتملة، أن الأمر استغرق أكثر من عام لإقناع 1300 شخص بالمشاركة في دراسة على الإنترنت، تتساءل عما إذا كان التطعيم يقلل من أعراض «كوفيد الممتد». خلال تلك الفترة، أصيب عشرات الملايين من الأميركيين بالفيروس. وكان متوقعاً أن يصبحوا مؤهلين لهذه التجربة، غير أن الحماس للتطوع من أجل الصالح العام بدأ يخفت.
كما أن العثور على متطوعين لإجراء مثل هذه التجارب يعتمد على استمرار الأشخاص في اختبار أنفسهم للكشف عن الإصابة بـ«كوفيد» عند أول علامة للاستنشاق أو السعال. لكن كم من الأشخاص الذين لديهم أعراض خفيفة لا يزالون يتكبدون عناء معرفة ما إذا كان الأمر يتعلق بفيروس «كورونا» أم بالبرد العادي؟
إذا أصبحت الاختبارات موضة عابرة، فكثير من الناس الذين تجاهلوا عدوى خفيفة قد يجدون أنفسهم يتساءلون: لماذا يعانون الضباب الدماغي أو الإجهاد؟ وقد يعانون أيضاً للحصول على الدعم الذي يحتاجونه.
على سبيل المثال، تقول إحدى النظريات إن فيروس «كورونا الممتد» مدفوع بجسيمات فيروسية تستمر لمدة أسابيع أو أشهر. من الناحية المثالية، سوف تختبر الدراسات ما إذا كانت مضادات الفيروسات الموجودة مثل «باكسلوفيد» لشركة «فايزر»، يمكنها القضاء على الفيروس بالكامل، ومنع تفشي الفيروس الممتد. لكن حتى في خضم الوباء، بذل الباحثون الأكاديميون جهوداً حثيثة لاستمرار مثل هذه التجارب، ويرجع ذلك -لحد كبير- إلى عدم اهتمام مطوري الأدوية. إن مهمتهم على وشك أن تزداد صعوبة؛ لأن هذه الأنواع من الدراسات سوف تعتمد على تسجيل الناس في غضون أيام من تعرضهم للمرض.
يجب على الحكومة الفيدرالية الأميركية التفكير في كيفية إنهاء مرحلة الطوارئ من جائحة «كوفيد»، دون وضع حلول لـ«كوفيد الممتد» بعيدة عن متناول الجميع.
على سبيل المثال، تتلخص إحدى الخطوات في مبادرة إدارة الأغذية والأدوية إلى تحويل أهداف تجارب اللقاحات الجديدة إلى التركيز على منع العدوى وتسريع التعافي. خلال المرحلة الأولى من الوباء، كان التفويض لأي لقاح أو علاج بسيطاً للغاية: إبقاء الناس خارج المستشفى ومنع الوفاة. وقد سحقت اللقاحات والمعززات الحالية هذه المهام.
لكن ينبغي أن تهدف اللقاحات الأحدث إلى تقليل عدد الإصابات، وبالتالي تقليل عدد الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بفيروس «كورونا الممتد»، وهذا يدعو إلى تقدير ما إذا كانت اللقاحات الجديدة قادرة على منع العدوى أو الحد من انتقالها بشكل كبير. كما ينبغي أن تشمل دراسات اللقاحات في المراحل المتأخرة متابعة طويلة الأجل للإجابة عن سؤال حول ما إذا كانت تقلل من خطر الإصابة بفيروس «كوفيد الممتد». وقد تعمل البيانات الواعدة بدورها على إحياء الحماس للقاحات والمعززات، في وقت يبدو فيه عامة الناس أقل ثقة بقيمتها.
يجب بذل مزيد من الجهود الآن لضمان عدم توقف الجهود لتطوير العلاجات واللقاحات بشكل ميؤوس منه، مع انتهاء المرحلة الأولى من الوباء. كيف يمكن الاستمرار في الوصول إلى الاختبارات وتشجيعها في عالم متوطن؟ ما الحوافز التي يمكن أن تقدمها الحكومة للشركات، لمواصلة المضي قدماً في استخدام لقاحات جديدة؟ ما أفضل الطرق لتشجيع الناس على التطوع من أجل دراسة تلك اللقاحات الجديدة؟ يعتمد ملايين الأشخاص الذين يعانون الإصابة بالفيروس لفترة طويلة -وربما ملايين آخرون من الأشخاص الذين سوف يصابون بالفيروس لفترات طويلة- على الإجابات عن هذه الأسئلة.
قد لا يشكل «كوفيد» حالة طوارئ صحية عامة؛ بل تبدو أيام صفارات الإنذار المستمرة لسيارات الإسعاف، ووحدات العناية المركزة المتخمة بالمرضى، وراءنا، لحسن الحظ؛ لكن لا يمكن إهمال الجائحة الموازية لفيروس «كورونا الممتد» في المرحلة الانتقالية إلى الأوضاع الطبيعية.