ماذا لو استيقظ شخص تعافى من «كورونا» في صباح أحد الأيام ليجد أن رائحة قهوته تشبه الجوارب غير المغسولة، أو أن لعصير البرتقال مذاقاً معدنياً؟! رغم رداءة الشعور فإنه أمر جيّد، إذ يدل على أن حاسة الشم لديه لا تزال تعمل، إذ في بعض الحالات يمكن أن تختفي قدرة المتعافين من «كوفيد - 19» على الشم تماماً في حالة تُدعى «أنوسميا»، وفقاً لتقرير نشرته شبكة «سي إن إن».
وأوضح التقرير أن الطعم والرائحة يرتبطان ببعضهما، ولذلك قد يكون الطعام عديم النكهة في حالة فقدان حاسة الشم، وقد تنخفض شهية الشخص، ومدى استمتاعه بالحياة، بحسب الدراسة، التي ذكّرت أيضاً بدراسات سابقة أظهرت أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى نقص التغذية، والتراجع المعرفي، والاكتئاب.
وأشارت الدراسة كذلك إلى أنه من دون الروائح، من المحتمل ألا ينتبه الشخص للحرائق، أو تسرب الغاز الطبيعي، أو المواد الكيميائية السامة، أو الأطعمة والمشروبات الفاسدة.
وأوضحت أن هذا هو الواقع بالنسبة لـ5 في المائة تقريباً من المتعافين من «كوفيد - 19» على مستوى العالم، الذين تطوّرت لديهم مشكلات طويلة الأمد في التذوق والشم، وفقاً لدراسة أُجريت في هذا العام.
وبعد مرور أكثر من عامين على انتشار الجائحة، وجد الباحثون احتمال معاناة نحو 15 مليون شخص من مشكلات في التعرّف على الروائح، بينما قد يعاني 12 مليون شخص من مشكلات في التذوّق.
وتحرّكت مجموعات الدعم، مثل «أب سانت» (AbScent) و«فيفث سانس» (Fifth Sense) للمساعدة، وتوفير الأمل، والنصائح لتدريب حاسة الشم، وحتّى تقديم وصفات لتعزيز الشهية.
ويُشجّع تدريب حاسة الشم، الأشخاص على شم الزيوت العطرية مرتين في اليوم، بحسب ما ذكرته اختصاصية الأنف، وأستاذة طب الأنف والأذن والحنجرة، وجراحة الرأس، والرقبة في كلية الطب بجامعة ستانفورد، الدكتورة زارا باتيل.
ومع إدراك العلم المزيد حول كيفيّة هجوم وتعطيل «كوفيد - 19» لحاسة الشم، قال اختصاصي الأنف والأستاذ المشارك لطب الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والرقبة في المركز الطبي لجامعة فاندربيلت في ناشفيل، الدكتور جاستن تيرنر: «أعتقد أننا سنشهد تدخلات أكثر استهدافاً».
تزايد الحالات بسبب «كورونا»
ويفقد الأشخاص حاستي الشم والتذوّق منذ قرون، وفقاً للدراسة، التي شرحت أنه يمكن لفيروسات نزلات البرد، والإنفلونزا الشائعة، والزوائد الأنفية، واضطرابات الغدة الدرقية، وغيرها من الحالات إلحاق الضرر بالقدرة على الشم والتذوّق، وبشكلٍ دائم في بعض الأحيان. كما يُعد التقدم في العمر سبباً رئيسياً لفقدان حاسة الشم، إذ تتراجع قدرة الخلايا العصبيّة الشميّة على التجدّد.
وعند غزو الفيروس المُسبب لـ«كوفيد - 19» حياة البشر انتشرت الحالة، التي كانت تُعد نادرة نسبياً بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً، بشكلٍ كبير، ما أثّر على جميع الأعمار، وفقاً لما ذكرت الدراسة.
وفي الواقع، كان فقدان حاسة الشم منتشراً جداً في بداية الجائحة، لدرجة أن ذلك اعتبر بمثابة علامة مبكّرة للإصابة بفيروس «كوفيد - 19»، حتّى في حال عدم وجود أعراض أخرى.
ووجدت دراسة نُشرت في مايو (أيار) أن 17 في المائة من الأشخاص فقدوا حاسة الشم عند الإصابة بمتغير «أوميكرون»، الذي أصبح البديل السائد للفيروس المسبب لـ«كوفيد - 19» في أواخر عام 2021 (وقد يتغيّر ذلك مرّة أخرى إذا تحوّر الفيروس)، وفقاً لها.
وعند المقارنة، فسّرت الدراسة أن الأشخاص الذين مرضوا بسبب المتغيرين الأصليين، وهما «ألفا»، و«بيتا»، كانوا أكثر عرضة لفقدان حاسة الشم أو التذوّق، بنسبة 50 في المائة، وشرحت أن متغيّر «دلتا» تمتع بدرجة السوء ذاتها تقريباً، مع تأثّر 44 في المائة من الأشخاص.
كيف يحصل الضرر؟
وفي البداية، اعتقد العلماء أن «كوفيد - 19» يصيب الخلايا العصبيّة في الأنف المسؤولة عن نقل الروائح من البيئة إلى الدماغ. وتوجد هذه الخلايا العصبيّة في البصيلات الشميّة في أعلى كل فتحة أنف، وترسل المحاور إلى نقاط حسيّة فريدة في الدماغ.
وسرعان ما اكتشفت الدراسات أن الفيروس لا يدخل تلك الخلايا العصبيّة أبداً، وبدلاً من ذلك، فهو يهاجم الخلايا الداعمة التي توفّر التغذية والحماية للخلايا العصبية منذ الولادة.
وعلى عكس العديد من الخلايا الأخرى، تتجدّد الخلايا العصبية في الأنف كل شهرين، إلى ثلاثة أشهر، وقال تيرنر: «من المحتمل أن تكون لإصابة هذه الخلايا الداعمة نوع من التأثير طويل المدى على قدرة تلك الخلايا العصبيّة على تجديد نفسها بمرور الوقت».
كما أوضح أن «هذه من الأسباب التي تجعلنا نرى تأثيراً متأخراً أحياناً. وقد يعاني الأشخاص من فقدان حاسة الشم، ثم يتعافون، ثم يعانون بعد ذلك من موجة ثانية من فقدان حاسة الشم، أو الباروسيما، أو أعراض أخرى».
والـ«باروسميا» عبارة عن المصطلح الطبي للروائح المشوهة، التي غالباً ما تكون مثيرة للاشمئزاز، بحسب ما قالت باتيل.
وأضافت: «لسوء الحظ، فئات الكلاسيكية من الذوق والروائح الفظيعة حقاً. في بعض الأحيان يكون الطعم أو الرائحة أشبه بالقمامة أو الجوارب القديمة المتسخة...».
ويواصل العلم اكتشاف طرق هجوم الفيروس. ووجدت دراسة أُجريت في فبراير (شباط) أنه قد يؤدي أيضاً إلى إتلاف المستقبلات الشميّة الموجودة على سطح الخلايا العصبيّة في الأنف.
وقد يكون هناك أيضاً عامل وراثي، إذ اكتشفت دراسة أُجريت في يناير (كانون الثاني) طفرة في جينين متداخلين (UGT2A1 وUGT2A2) وتلعب هذه الطفرة دوراً في استقلاب الروائح. وقد يكون من يتمتّع بهذه الطفرة أكثر عرضة لفقدان حاسة الشم، ولكن هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات لتحديد صلة الفيروس بالجينات، إن وجدت بالفعل.