تعيد مشاهد الطرقات الفارغة والمحال والمجمعات السكنية المغلقة في العاصمة الصينية بكين الذاكرة إلى 3 سنوات خلت، عندما انتشر فيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان وسط البلاد، لأول مرة نهاية 2019، ودخلت البلاد في حالة إغلاق تام لمدة أشهر، قبل أن ينتقل المشهد لبقية دول العالم.
لكن الصين لم تتوقف عن سياسة الإغلاقات لمواجهة انتشار الفيروس كما فعلت الكثير من دول العالم، وتصر على سياسة "صفر كوفيد" التي يتبناها الرئيس الصيني شي جين بينغ، ويؤكد أنها "الأكثر ملائمة للحالة الصينية"، كما قال مؤخرا خلال المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الصيني.
مصنع الآيفون
وصباح اليوم الخميس أعلنت السلطات الصينية فرض إغلاق في مدينة تشنغتشو وسط البلاد بسبب تفشي فيروس كوفيد-19، ويشمل الإغلاق المناطق الحضرية الرئيسية لمدة 5 أيام في الفترة من 25 حتى 29 من الشهر الجاري.
وجاء الإعلان عن القيود الجديدة بعد خروج مئات العمال في مصنع فوكسكون الرئيسي لصناعة هواتف آيفون بالمدينة احتجاجا على عدم تلقيهم للأجور ورفضا لإجراءات الإغلاق.
وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي الصينية مقاطع فيديو تظهر تدافع العمال واشتباكهم مع عناصر الأمن في محاولة لمغادرة المصنع.
وتشهد مدينة بكين، التي يقطنها قرابة 22 مليون نسمة، إغلاقات صارمة طالت 1480 منطقة تم تصنيفها "عالية الخطورة" لوجود حالات إصابة مؤكدة فيها، أو حالات اتصال وثيق بعدوى مؤكدة.
إغلاقات متكررة
وقررت السلطات إغلاق الشركات والمدارس وكذلك جميع المتاجر، باستثناء تلك التي تبيع الطعام. وشهدت منطقة تشاويانغ الجنوبية الشرقية، أكثر عدد حالات إصابة مؤكدة بنحو 120 حالة من أصل 400 حالة في المدينة.
ويخشى العديد من المقيمين وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة من اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في القريب العاجل، على غرار ما يحدث في مدينة غوانغتشو التي تعتبر أشهر مدينة تجارية في جنوب الصين ويقطنها 19 مليون نسمة، حيث فرضت إغلاقا شاملا لمدة 5 أيام على المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان.
يقول تشو هوان الذي يعمل في مكتب عقاري وسط بكين، إنه لا يمكن التخطيط لأيام قليلة قادمة. وأضاف للجزيرة نت، أن حالة عدم اليقين في العاصمة والإغلاقات المفاجئة صعبت من قدرته على أداء عمله بما يمكنه من كسب عمولة جيدة.
ويواجه تشو صعوبة كبيرة في مرافقة مستأجرين محتملين لشقق سكنية؛ بسبب الإجراءات المتبعة لدخول الأحياء السكنية، وخشية هؤلاء العملاء من دخول أماكن قد تتسبب في تصنيفهم مخالطين أو انتقال العدوى لهم، ومن ثم الخضوع لعزل في المنزل أو وضعهم تحت الحجر الصحي في منشأة تشرف عليها الحكومة.
ويُطلب من جميع سكان العاصمة مسح الرمز الصحي لإظهار نتيجة سلبية لاختبار كوفيد-19، تم إصدارها خلال الساعات الـ48 الماضية لدخول المجمعات السكنية أو المحال التجارية القليلة التي تفتح أبوابها، في حين طلب من آلاف الموظفين البقاء والعمل من المنزل، والالتزام بـ"خط واحد ونقطتين"، ويقصد بها ما بين المنزل والعمل، في حالة الضرورة.
ضغط لوجستي
وزاد ذلك من حجم الطلب على المواد الاستهلاكية عبر خدمة التوصيل السريع، مما أدى لضغط لوجستي كبير تسبب في بعض الأحيان بنفاد مخزون سلع رئيسية مثل الخضروات والفواكه، وتأخر وصول الطلبات لساعات في أحيان أخرى.
تعلق لي جيا يي على هذا الأمر بالقول، إن تطبيق خدمة التوصيل السريع الشهير في الصين "ميتوان meituan" علق خدمات التوصيل أمامها؛ لوصول عدد الطلبات في ذلك اليوم للحد الأقصى.
لي، التي تقيم في مجمع سكني قريب من منطقة الأعمال المركزية في حي تشاويانغ، تضيف للجزيرة نت، أن هذا الأمر يربك الحياة اليومية ويزيد من الضغوط النفسية على السكان الذين يحاولون تأمين احتياجاتهم اليومية في ظل الإغلاقات.
مكافحة صارمة
ولم تعلن السلطات المحلية في بكين عن موعد تخفيف الإجراءات المستمرة منذ نحو أسبوع، خاصة أن الحكومة المركزية تطلب من السلطات المحلية فرض عمليات إغلاق صارمة في مناطقها، حتى لو تم العثور على عدد قليل فقط من الحالات.
واعتبارا من صباح الثلاثاء، يخضع جميع الأفراد الذين يدخلون إلى بكين ويعودون إليها لـ"3 عمليات تفتيش لمدة 3 أيام"، والبقاء في المنزل حتى تأكيد النتيجة السلبية.
وقال المتحدث باسم حكومة بكين شو هيجيان في مؤتمر صحفي، إن الحالات المستوردة ساهمت في جعل الوضع الوبائي المحلي واسع النطاق ومتكرر، وعززت الاتجاه التنموي لعدد الحالات في نقاط متعددة، وهو ما يستدعي دخول المدينة بشكل صارم لإدارة تنسيق الوقاية والسيطرة المشتركة.