لا يكاد منزل في مصر يخلو من مصاب بفيروس تنفسي أو متعاف منه، فزيارة واحدة لأطباء الصدر كافية للتأكد من انتشار الأمراض التنفسية بكثافة خلال الأسابيع الأخيرة والتي بدأت بشكاوى من الأطفال وانتشرت في ما بعد بين الكبار.
وأعادت تلك المشاهد قلق المصريين من موجة جديدة للإصابات بفيروس كورونا الذي خف الاهتمام به خلال الأشهر الأخيرة، بل إن بعضهم اعتبره انتهى.
ومع حلول فصل الشتاء تزايدت التقارير عن الإصابة بالفيروسات التنفسية مما دفع وزارة الصحة المصرية إلى تحذير فئتين من المواطنين يفضل عدم خروجهم من المنزل خلال الأيام شديدة البرودة، وهم الأطفال وكبار السن.
وأشارت الوزارة إلى أنه يجب عليهم اتباع جميع الإجراءات الخاصة بالتدفئة الجيدة لتجنب الإصابة بالأمراض، وجددت الوزارة دعواتها إلى أولياء الأمور بضرورة حصول الأطفال من عمر 12 إلى 18 سنة على لقاح كورونا، بواقع جرعتين منتظمتين لحمايتهم من عدوى الجائحة أو الدخول في مضاعفات خطرة جراء الإصابة.
كورونا مستمرة
وأوضحت وزارة الصحة والسكان أن فصل الشتاء تنشط فيه الفيروسات التنفسية، خصوصاً الإنفلونزا وكورونا، مؤكدة توفير جميع العلاجات والفحوص والتحاليل عبر مستشفيات الصدر، وكذلك توافر لقاحات الإنفلونزا وكورونا بمراكزها المختلفة لمن يرغب.
وشددت على أهمية اللقاحات في فصل الشتاء لأنها توفر الحماية وتقي شدة المضاعفات، كما أكدت أن جميع الأدوية الخاصة بالبروتوكول العلاجي لكورونا متوافرة في المستشفيات، وأشارت إلى أن جميع المستشفيات تقدم الخدمات للمواطنين بالمجان.
وعلى رغم تأكيد مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية محمد عوض تاج الدين أن أعداد الإصابات بكورونا في مصر منخفضة كثيراً خلال الفترة الأخيرة، إلا أنه حذر من أن الفيروس موجود ومستمر طالما لم تعلن منظمة الصحة العالمية انتهاء المرض.
وأوضح تاج الدين في تصريحات صحافية أن الفيروسات التنفسية كثيرة جداً ومظاهرها الإكلينيكية متشابهة مثل العطس والرشح والزكام، مؤكداً أنه في كثير من الأحيان يكون هناك صعوبة في التفرقة بين الإصابة بكورونا والفيروسات الأخرى المعدية.
ونصح عند اختلاط الأمر بإجراء الشخص المصاب فحص "بي سي آر" لمعرفة نوع الإصابة لديه، كما شدد على "أننا لا نزال بحاجة إلى اتخاذ الإجراءات الاحترازية".
إجراءات احترازية في المدارس
من جانبها، قررت وزارة التربية والتعليم تشديد الإجراءات الاحترازية في المدارس بعد أسابيع من شكاوى الأهالي من انتشار أمراض تنفسية بين الطلاب، خصوصاً الفيروس المخلوي التنفسي، حتى إن المطالب وصلت إلى حد المطالبة بإغلاق المدارس وتأجيل الدراسة، وهو ما لم تستجب له الحكومة.
وأعلنت وزارة التعليم الخميس الماضي تفعيل الإجراءات الاحترازية في جميع مدارس الجمهورية، لمواجهة احتمال انتشار الأمراض المعدية بين الطلاب والمعلمين.
ومن بين تلك الإجراءات تطهير المنشآت التعليمية مع التزام الجميع بارتداء "الكمامة" وتوفير زائرة صحية بالمدارس ومتابعة نظافة المنشآت بصفة دورية، مع توفير أدوات التعقيم والحفاظ على المساحات الآمنة بين الأطفال ومتابعة درجات الحرارة لديهم وتوعيتهم بالإجراءات الاحترازية والنظافة الشخصية ومتابعة غسيل الأيدي باستمرار.
وأشارت الوزارة إلى أنه في حال إصابة أي طالب سيتم عزله عن زملائه وحصوله على إجازة مرضية، مع العمل على استرجاع ما فاته من دروس خلال فترة غيابه عقب عودته بالتنسيق مع مدرسي الفصل.
لا داعي للقلق
وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار طمأن المواطنين تجاه احتمالات عودة انتشار كورونا، وقال في تصريحات تلفزيونية إن التحورات التي حدثت للفيروس أضعفته كثيراً، مما يعني أن التعامل معه سيكون كجزء من الإنفلونزا الموسمية، بحيث تكون أعراضه بسيطة إلى متوسطة، مؤكداً أنه لا داعي إلى القلق.
كذلك قال استشاري أمراض الحساسية والمناعة أمجد الحداد إن الإصابة بفيروس كورونا أو المخلوي التنفسي أو البرد أو الإنفلونزا أصبحت غير مخيفة، بغض النظر عن تزايد عدد المصابين من عدمه، مشيراً إلى أن الأمراض أو الفيروسات التنفسية يزداد عدد مصابيها في فصل الشتاء.
أقل حدة
وأضاف الحداد لـ "اندبندنت عربية" أن الإصابة بفيروس كورونا أقل حدة من السنوات السابقة، بما يتشابه مع غيره من باقي الفيروسات، موضحاً أن عدداً من الأطباء لا يخبرون مرضاهم بطبيعة إصابتهم إذا كان كورونا من عدمه لتشابهه مع باقي الفيروسات، وتقارب الأعراض التي تصعب من التعرف عليه إلا في الحالات الشديدة التي تحتاج إلى مسحة والدخول إلى المستشفى.
وأشار الحداد إلى أنه كطبيب لا يطلب من مرضاه مسحة لكورونا إلا في الحالات الصعبة التي تحتاج لبروتوكول خاص للعلاج، موضحاً أنه لا توجد لديه نسب محددة لعدد الإصابات بـ "كوفيد-19"، لكن معظم مرضاه من كبار السن يتبع معهم البرتوكول لعلاج كورونا مهما كان وضعهم الصحي، لأن معظمهم يدخل في مضاعفات مما يضطره إلى الحذر من تدهور حاله الصحية في أي وقت.
وعن ارتفاع نسبة المصابين بالأمراض التنفسية في مصر خلال العام الحالي مقارنة بسنوات سابقة، أكد الحداد أن الشعب المصري كان يطبق إجراءات احترازية صارمة بسبب خوفه الشديد من الإصابة بفيروس كورونا، وكان بينها قرارات إلغاء وتأجيل الدراسة لأشهر طويلة، أما العام الحالي فهو بداية رفع هذه الإجراءات ليس في مصر فقط، ولكن في معظم دول العالم.
وأضاف، "حالياً نحن وسط انفتاح بنسبة كبيرة، وبالتالي فمعظم الفيروسات التي نسيناها وكانت سجلت نسب إصابات ضعيفة خلال السنوات الماضية بسبب الإجراءات، ظهرت من جديد".
تأثر المناعة
ولفت الحداد إلى دراسة طبية تؤكد أن عدم التعرض للإنفلونزا خلال السنوات الماضية وعدم الحصول على لقاحات خاصة بها جعلا من الطبيعي أن تكون أجسامنا أقل تكويناً للأجسام المضادة ضد الفيروسات التنفسية الأخرى، موضحاً أن كل هذا إلى جانب الانفتاح أحد أهم الأسباب لتزايد أعداد الإصابات بالفيروسات التنفسية.
ونصح استشاري الحساسية والمناعة بأخذ جرعة تنشيطية من لقاح كورونا وتطبيق جميع الإجراءات الاحترازية وارتداء الكمامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي والجلوس في أماكن جيدة التهوية بقدر كاف.
تحذير
ويبدو المشهد في مصر صورة مصغرة للتخوف العالمي من عودة كورونا، إذ حذر مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من ظهور متحور جديد "قد يتسبب في حدوث حالات وفاة كثيرة".
وقال غيبريسوس، الجمعة، إن "هناك ثغرات في استراتيجيات التصدي لـ ’كوفيد-19‘ هذا العام تهيئ الظروف المثالية لظهور متحور جديد".
وبحسب تقديرات المنظمة فإن نحو 90 في المئة من سكان العالم يملكون مستوى من المناعة ضد كورونا، إما بسبب إصابة سابقة أو نتيجة تلقي اللقاح.
وخلال الأسابيع الأخيرة سجلت الصين أرقاماً قياسية من إصابات "كوفيد-19"، كما بدأ عدد الحالات يرتفع في بريطانيا بعد انخفاضها على مدى أشهر.
وأكد عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة مجدي بدران أنه حتى الآن لم تعلن منظمة الصحة العالمية انحسار جائحة كورونا، وبالتالي فالوباء لا يزال موجوداً، وفي كل دول العالم تجب اليقظة وعدم الغرور وعدم إسقاط التدابير الوقائية.
وأوضح بدران لـ "اندبندنت عربية" أن العالم شهد خلال الأسبوع الماضي أكثر من 2.8 مليون إصابة جديدة بكورونا، فكل دقيقة يصاب 285 إنساناً بالفيروس في مكان ما في العالم، و50 يموتون كل ساعة، إذا لا يزال الوباء موجوداً بعكس ما يعتقده بعضهم.
الوقاية
وأضاف بدران أنه "يجب أن نكون تعلمنا كيف نقي أنفسنا من كورونا والفيروسات التنفسية الأخرى في هذا الموسم، وعددها يصل إلى 200 فيروس، أهمها والمتسبب في أكبر عدد من الإصابات هو الفيروس المخلوي التنفسي، وهو الأخطر خصوصاً بين فئتين وقد يسبب لهما المضاعفات، وهما كبار السن والأطفال أقل من سنتين.
وأشار إلى أن 64 مليون إنسان يصابون بالفيروس المخلوي التنفسي سنوياً، لكن الاهتمام به ارتفع مع تزايد الإصابات بعد أن خرج معظم المواطنين من قوقعتهم مع تراخي الإجراءات الاحترازية، وتناسوا أهمية التباعد الاجتماعي وغسل الأيدي واختلطوا بأعداد أكبر في المدارس والجامعات والأسواق، لافتاً إلى أنه يوجد انخفاض في المناعة المجتمعية بهذا الفيروس بسبب عدم اختلاطهم به خلال فترة جائحة كورونا.
وأوضح بدران أن المخلوي التنفسي هو فيروس ذكي قادر على خداع الذاكرة المناعية، فالإصابة به لا تكسب الحسم مناعة مدى الحياة أو لمدة طويلة، بل قصيرة المدة مما يتسبب في الإصابة به أكثر من مرة خلال الموسم الواحد، خصوصاً في فئتي الأطفال الرضع وكبار السن.
المضادات الحيوية
وعن لجوء كثير من المواطنين إلى المضادات الحيوية من دون استشارة طبيب، أكد أنه تصرف غريب وضار وناتج من عدم فهم لطبيعة المضادات الحيوية والتي مهمتها في الأساس محاربة البكتيريا، بعكس طبيعة الأمراض التنفسية الناتجة من الفيروسات، مضيفاً أن "تعاطي المضادات الحيوية من دون وعي هو تضييع للجهد والمال، وكشف لسر المضاد الحيوي أمام البكتيريا الذكية التي تزيد من مقاومتها، مما يؤدي إلى وفاة الملايين سنوياً".
وأكد بدران أن الإنسان يشفى من الفيروسات القوية من خلال الراحة التامة وزيادة مناعته من خلال الأكل الصحي والمشروبات الدافئة، موضحاً أن المضادات الحيوية واستخدامها بشكل عشوائي يقتل البكتيريا الصديقة، ومضر جداً بالإنسان وقد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
وكان وزير الصحة المصرية أعلن الإثنين الماضي إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمواجهة الاستخدام غير الآمن لمضادات الميكروبات، قائلاً إن تلك الخطوة تأتي لحماية صحة المصريين من أخطار المضادات الحيوية، إذ يتسبب الاستخدام الخاطئ لمضادات الميكروبات في وفاة 5 ملايين مواطن عالمياً كل سنة.
وأشار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة حسام عبدالغفار إلى استمرار برامج تدريب الصيادلة بمستشفيات وزارة الصحة على برامج ترشيد استخدام المضادات الحيوية، قائلاً إنه يتم تنظيم زيارات ميدانية لمستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية، والمشاركة في برنامج ترشيد استخدام المضادات الحيوية في جميع المستشفيات المستهدفة لمتابعة ما تم إنجازه، وفقاً لمعايير التقويم الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية الأميركية ومنظمة الصحة العالمية، في إطار الخطة القومية لمكافحة الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية.