أظهرت مؤشرات أولية عودة الحياة إلى طبيعتها في العاصمة الصينية، الخميس، بعد تراجع السلطات المفاجئ عن سياسة كورونا المتشددة، التي سددت ضربة لثاني أكبر اقتصاد في العالم وأشعلت احتجاجات نادرة من نوعها.
ومع بدء استمتاع الكثير من الصينيين بالتحرر من قيود مكافحة كوفيد-19 اليوم، تصاعدت مخاوف من أن الفيروس، الذي ظل تحت السيطرة إلى حد بعيد، قد يخرج قريباً عن هذا الإطار.
وأعلنت لجنة الصحة الوطنية الصينية، الأربعاء، تخفيف القيود المفروضة في إطار سياسة "صفر كوفيد" المتبعة على مستوى البلاد، فخفضت نطاق الفحوص الإلزامية وسمحت لبعض الأشخاص الذين تثبت إصاباتهم بالوباء بعزل أنفسهم في منازلهم ووضعت حدا لتدابير الإغلاق واسعة النطاق.
وفي تخفيف كبير لسياسة الرئيس شي جين بينغ في التعامل مع الوباء، أفادت أعلى هيئة صحية في البلاد بأنّ التحول في التكتيكات هدفه مساعدة البلاد على "مواكبة التغيّرات".
وفي العاصمة حيث أجبر ارتفاع عدد الإصابات كثيرين على التزام منازلهم وأبقى الأعمال التجارية والمدارس مغلقة، عادت حركة السير إلى حوالى نصف كثافتها المعتادة الخميس، بحسب ما أفاد صحافي في "فرانس برس".
وخُفّضت بموجب القواعد الجديدة وتيرة ونطاق فحوص "بي سي آر" التي لطالما كانت جزءا من الحياة اليومية.
لكن بينما خُفّض عدد مواقع الفحوص في محيط بكين، ما زالت أخرى موجودة، إذ إنّ العديد من أماكن العمل ما زالت تشترط على الموظفين إبراز فحوص بنتيجة سالبة.
وقال تشين مين (28 عاماً) لـ"فرانس برس": "قدمت لأخضع للفحص بعدما ثبتت إصابة أحد الأشخاص في مكتبي. آمل ألا تكون العدوى انتقلت إلي".
وذكر آخرون أنهم قدموا للخضوع للفحص نظراً لعملهم في قطاع الضيافة حيث ما زالت الفحوص إلزامية.
وأفاد جانغ لان الذي يعمل في إيصال الطلبات من المطاعم بأنه اضطر للخضوع للفحص لأنّ "الشركة طلبت ذلك"، لتجنّب نقل العدوى إلى الزبائن.
وفي مركز تسوّق قريب، كانت الأعمال التجارية مفتوحة لكن الحشود قليلة، إذ تأكد حراس من بيانات الزوار الصحية رغم أنّ إبراز فحص بنتيجة سالبة لم يعد شرطا للدخول.
"هادئ جداً"
وقال مدير في "ستارباكس": "الوضع هادئ جداً. أعتقد أنّ الناس ما زالوا يخشون الخروج".
تستعد الصين حالياً لموجة إصابات يتوقع أن تعقب تخفيف القيود، إذ أشار تقدير سابق إلى إمكانية وفاة أكثر من مليون شخص بالفيروس.
وفي عيادة للمصابين بالحمى في حي تشاويانغ في بكين، رأى مراسل "فرانس برس" الناس مصطفين حول المبنى.
أما في جزء آخر من العاصمة، فشاهدت "فرانس برس" الزبائن يتدفقون إلى صيدلية محلية لشراء أدوية البرد والحمى.
وقالت موظفة تدعى سون كينغ: "نفد مخزوننا من هذا النوع من الأدوية. لم يعد لدينا حتى أي فيتامين سي".
وأضافت أنّ الناس يشترون هذه الأدوية منذ أيام استعدادا لتخفيف القيود.
وتابعت: "للأسف اشترى البعض أكثر بكثير من الكميات التي يحتاجونها. قد تكفيهم مدة عام!".
مخاوف من الفيروس
وقالت لجنة الصحة الوطنية إنّ المصابين بأعراض طفيفة يمكنهم الآن الخضوع للحجر الصحي في منازلهم، وتخلت عن ضرورة الخضوع لاختبار وفحص الحالة الصحية على تطبيقات الهاتف المحمول لممارسة أنشطة متنوعة تشمل السفر في أنحاء البلاد.
لكن البعض عبر عن مخاوفه. وورد في منشور على منصة ويبو للتواصل الاجتماعي: "أعلم أن كورونا ليس مخيفا الآن، لكنه ما زال معدياً وسيسبب ضرراً. الخوف الذي تسرب إلى قلوبنا لا يمكن أن يتبدد بسهولة".
وسجلت الصين 21439 إصابة محلية جديدة بكوفيد-19 في السابع من ديسمبر/ كانون الأول، بانخفاض طفيف عن اليوم السابق وأقل من ذروة مسجلة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني بلغت خلالها الإصابات 40052. وتراجعت الإصابات في أنحاء البلاد في الآونة الأخيرة مع إلغاء السلطات شروط الفحص الطبي.
وخفف كبار المسؤولين من نبرتهم عند الحديث عن المخاطر التي يشكلها فيروس كورونا.
لكن على الرغم من تطبيق قواعد جديدة أقل صرامة، فإن الكثير من السكان ظلوا بحالة حذر.
وحثت السلطات في مدينة تشينغتشو، التي تضم أكبر مصنع لهواتف آيفون في العالم، السكان على مواصلة وضع الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي وطلب رعاية طبية عند الإصابة بحمى أو غيرها من أعراض كوفيد-19، كما حثت السكان،خاصة كبار السن منهم، على تلقي اللقاح.
تكريم للمبلّغ "الشهيد"
في الأثناء، كرّم مئات مستخدمي الإنترنت في الصين ذكرى الطبيب "الشهيد" لي وينليانغ، الذي كان أول من بلّغ عن تفشي كوفيد19.
وكان لي ضمن مجموعة أطباء في مدينة ووهان حذّروا على وسائل التواصل الاجتماعي من انتشار وباء جديد يشبه "سارس" في ديسمبر/ كانون الأول 2019، لتوقفه الشرطة حينذاك بتهمة نشر "الإشاعات".
توفي لاحقاً بفيروس كورونا، ليبقى رمزاً للإحباط الناجم عن قمع الحكومة الأصوات المستقلة.
وبعد مرور ثلاث سنوات تقريباً على وفاته، تلقى حسابه في موقع "ويبو" مئات التعليقات بعدما أعلن المسؤولون، الأربعاء، تخفيف قيود كورونا.
ووصفه أحد المعّلقين بـ"الشجاع الذي تحوّل إلى بطل من دون نية مسبقة.. وشهيد".
وكتب آخر: "المبلّغون يستحقون تذكرهم على الدوام.. أتطلع إلى مجتمع أكثر شفافية".
وبينما أشاد البعض بشجاعة لي، استغل آخرون المناسبة للتعبير عن امتعاضهم من قواعد كوفيد-19 المشددة وقلقهم من التغيير المفاجئ في سياسة الحكومة.
وكتب أحدهم" "لا أعرف إن كنت ستصاب بخيبة الأمل" بتغيير الحكومة سياستها، "لكن كعامل في مجال فحوص بي سي آر، أُنهكت من مطاردة الحالات الموجبة. هناك العديد من العيّنات التي ينبغي التعامل معها ومعلومات ينبغي إدخالها في النظام لا تنتهي وسط موجة مرتفعة من الشكاوى العامة".
وقال آخر: "انتهى الأمر يا صديقي! كنت قلقا حيال الوباء وأنت على سرير الموت.. أخيراً، جاء الربيع!".